رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    بالفيديو: رئيس الجمهورية يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها    قيس سعيد يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها (صور + فيديو)    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    كيف سيكون طقس الجمعة 2 ماي؟    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة أمطار بهذه المناطق    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد قرار غلق ماخور سوسة: المومسات يصرخن: «نحب نتوب على يديك.. أما عوّضلي قبل»!
نشر في التونسية يوم 03 - 09 - 2012


البلدية:
نقدّر هذه «الخدمة الاجتماعية».. لكن نفضّل أن تكون المدينة العتيقة وجهة سياحية
إحداهن:
«كرهت هذا «العمل».. أريد عيشة مستورة»
«كل جمعة نتوقع هجوما علينا بعد الصلاة»
القضية اليوم تاهت بين السياسة والدين

قد يصعب الخوض في مسألة مماثلة خلال الظروف الحالية التي تعيشها بلادنا، إلا أننا نعتبر الموضوع تفصيلا من تفاصيل المجتمع التونسي، هي مسألة قائمة الذات ومن الصعب غض النظر عنها، بل قد يكون من المفيد تسليط الضوء على مختلف جوانبها قصد معرفة حيثياتها ولم لا إيجاد حلول لها، هي ظاهرة «البغاء العلني» هذه المهنة القديمة والمعترف بها في بلادنا منذ مر السنين، إذ تعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي تملك قانونا ينظمها.
كثر الحديث بعد الثورة عن عمليات مداهمة لمحلات تعاطي البغاء، كما تظاهر المئات من المتشددين الإسلاميين مطالبين بإغلاق كافة بيوت الدعارة المرخص لها، فيما تعرض العديد منها إلى عمليات حرق واعتداءات.
إجمالا، لا يمكن حصر الأمثلة التي تكشف عن حقيقة قضية البغاء في تونس، لكننا اخترنا أزقة المدينة العتيقة بولاية سوسة، أين تقبع محلات بغاء رسمية، تمارس فيها الدعارة بشكل علني، حيث سبق أن فوجئت العاملات داخله بعمليات مداهمة من قبل مجموعة من الأشخاص تعمدوا حرق البيوت مرتين، ليصدر إثر هذه الأحداث قرار قضائي يقضي بإغلاق الماخور نهائيا بعد أن اشتكى متساكنو المنطقة من تواجده، وهو ما دفع بمجموعة من المومسات إلى الخروج عن صمتهن والحديث إلى «التونسية» علهن يجدن العزاء أو الحلول التي غابت. !
«يريدون رمينا في نار حقيقية»
هن في العادة يتجنبن التعامل مع وسائل الإعلام هروبا من الإحراج، لكن «نورة» بائعة هوى محترفة فتاة ال36 سنة، قبلت البوح بألمها وتحدثت إلينا بصوت خافت غلبت عليه «نغنغة البكاء»، قائلة إنها تعرضت للاغتصاب على يد أحد الشبان من سكان حيها الشعبي في ضواحي العاصمة تونس وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها مما خلف لها صدمة غيرت منعرج حياتها خاصة أمام رفض والدها للوضعية وهو ما دفعها إلى الخروج إلى الشارع، وأصبحت تعيش وسط قنوات تصريف المياه بين منطقة جبل جلود ووادي السلة بالكبارية الفضاء الوحيد الذي قبل استقبالها فما كان منها إلا أن امتهنت البغاء السري والفساد، وتقول في هذا الإطار: «كنت أقضي معظم الوقت أعاقر الخمر والبغاء مع مجموعات مختلطة إلى أن وجدت نفسي غارقة في وحل الرذيلة، الأمر الذي سبب لي العديد من المشاكل مع رجال الأمن حتى أنني دخلت السجن في سن ال17 سنة». سكتت محدثتنا برهة ثم عادت تقول: «لقد لفظتني عائلتي وأنا لا ألومها على ذلك، فالفقر أرهقنا وسوء معاملة المحيط قتلتنا، لقد كنا نقطن في غرفة واحدة لعدة سنوات وكنا 7 بنات وولدان إضافة إلى والديّ، فتخيلوا للحظة كيف كان الوضع؟ منذ تاريخ 20 أوت 1998 وأنا أعيش في ماخور سوسة، هجرته لمرتين ثم عدت إليه، كانت محاولة مني للتوبة لكنني لم أستطع الصمود، فأنا من يعيل العائلة، كما انني لم اوفق في دراستي وهجرتها من الباكالوريا، لذلك أقول إنه ليس لدي «ثقافة» ولا قدرة لي على العيش في العالم الخارجي. لقد قمت سابقا بتحرير مطلب توبة إلا أن المجتمع لم يقبلني فعدت سريعا إلى عالم البغاء. انا أقسم أنني أريد حياة عادية مثل الجميع لكن المجتمع هو من دفعني إلى بؤرة الفساد، حتى انني ذات مرة اشتغلت كمعينة منزلية إلا أن أحد ضيوفنا كان حريفا لي بالماخور فأعلمهم بحقيقتي ووجدت نفسي مجددا في الشارع. لذلك أقول إن حياتي جحيم متواصل وليست لي حقوق كبقية العالم، فلا تغطية اجتماعية ولا غيرها في حين نجد أن السلطات اليوم تريد رمينا في «نار حقيقية» دون أية ضمانات».
ثم ختمت محدثتنا قائلة: «أريد حياة عادية، لقد كرهت هذا العمل، أريد عيشة مستورة وإذا ما كانت السلطات المعنية قادرة على أن توفر لي عملا وأن تضمن لي حياة كريمة وسط مجتمعنا هذا، فأنا على استعداد للتوبة لكن بصراحة أقولها لهم: بعد إيه!! علما أنني أجني من عملي شهريا ما يقارب ال5 آلاف دينار».
«الطلاق.. فالدمار»
وبكلمات متقاطعة يصعب سماعها وحمرة غلبت على وجنتيها تحدثت نور قائلة: «أنا اصيلة ولاية الكاف وعمري 39 سنة تعليمي انتهت رحلته عند الثالثة ثانوي كما أنني مطلقة وام لطفلين. بدأت امارس هذه المهنة منذ 6 سنوات بعد طلاقي مباشرة حيث فضلت العمل في هذا المحل تجنبا للتتبعات العدلية وخوفا من حصول مشاكل صحية». وتواصل «نور» سرد قصتها حيث سعت للعمل كمنظفة إلا أنها لم تنجح في توفير لقمة العيش لها ولأطفالها خاصة بعد التنازل عن حقها في النفقة مقابل حصولها على الحضانة هي اليوم تجني يوميا قرابة 200 دينار.
تقول «نور» إن عائلتها لا تعلم حقيقة عملها سوى شقيقتها التي تقوم بتربية اطفالها وتكتفي هي بزيارتهم من حين إلى آخر. كما استغلت حديثها ل«التونسية» لتعبر عن قلقها وخوفها من أن يعيد «المتشددون من الاسلاميين» مهاجمة «(الماخور)». وقالت: «لم نعد نشعر بالأمان كما كان الأمر في السابق.. كل أسبوع نتوقع أن يتجدّد الهجوم علينا بعد صلاة يوم جمعة». وأضافت أن كل زميلاتها يشعرن بالقلق على «مستقبلهن» وعلى أمنهنّ الشخصي بعد أحداث مواخير باجة وسوسة والقيروان. وأضافت أنها إذا ما توقفت عن العمل سوف يشقى أطفالها من الجوع وكذلك أختها التي تتكلف بعلاجها من مرض سرطان على حد تعبيرها.
أما زميلتها ياسمين التي تبلغ من العمر 38 سنة اصيلة ولاية القصرين مطلقة وام لطفلة فقد اضطرت إلى العمل في هذا المجال بعد ان اغلقت امامها ابواب العمل في الحلال اثر طلاقها من زوجها بسبب خيانتها له وكانت الفضيحة في صفوف الأهالي. وتقول في هذا الإطار: «تعرضت إلى الكثير من الاستفزازات في الشارع وكلام لاذع مهين يصعب احتماله ، وحاولت كثيرا التغلب على وضعي والبحث عن عمل يضمن لي ولابنتي عيشة كريمة لكن لم افلح في ذلك وهو ما دفع بي إلى الدعارة نتيجة الفقر والخصاصة التي كنت أعيشها».
و اوضحت ياسمين انها تمارس الجنس عديد المرات في اليوم وتجني حوالي 400 دينار يوميا دون احتساب المصاريف على حد قولها الا انها لم تستطع اخفاء خوفها من ان يفتضح امرها لدى عائلتها وأن يكتشفوا حقيقة عملها خاصة قد أصبحت اليوم ابنتها في سن الزواج.
«المجتمع متعاطف معي»
من جهتها، صرحت السيدة «فاتن. خ» منظفة وطباخة داخل الماخور، أن مهنتها لم تؤثر على علاقاتها في الخارج، فالكل يحترمها ويتعاطف معها، وتقول في هذا الإطار: «أعيش مع زوجي وأطفالي الأربعة إضافة إلى بنت خامسة قمت بتبنيها.. تحصلت على شهادة الباكالوريا ثم انتقلت إلى الجامعة ودرست التاريخ والجغرافيا ثم سرعان ما انقطعت نظرا للظروف القاسية. لقد عملت كمنشطة في أقسام التحضيري في المدارس وقمت بالتدريس لمدة أربع سنوات إلا أن ضعف المرتب الذي كنت أتحصل عليه هو الذي دفعني إلى البحث عن عمل آخر وأنا أعمل في هذا الماخور كمنظفة منذ 13 سنة».
ثم تستدرك محدثتنا وتقول: «لقد بدأت معاناتنا منذ اندلاع ثورة 14 جانفي،حيث قامت مجموعة من الشباب باقتحام المحل مرددين عبارات «توبوا إلى الله» بتعلة أن الماخور يحتوي على ولي صالح وهو «سيدي مصباح» ثم تتالت الهجمات حتى أنهم قاموا بحرق المقر مرتين، وما زاد الطين بلة هو قرار القاضي في محكمة سوسة الذي قضى بغلق الماخور ليضعنا في دوامة حقيقية. »
و تواصل حديثها: «هذا الحكم القضائي اليوم يبعث بنا إلى الشارع، شريحة المومسات كانت محمية ومحفوظة من وزارة الداخلية ووزارة الصحة، وأقول إن هذا القرار قد فتح بابا كبيرا للفساد ولانتشار الأمراض والاغتصاب والجريمة، بمعنى آخر «حاجة كانت مستورة باش ترجعها علنية، كيفاش»؟؟ وسؤالي هو: سيدي القاضي هل فكرتم في التعويض لهؤلاء الفتيات قبل أن تصدر قرارك بغلق الماخور؟ لا أظن ذلك، فحقوقنا مضطهدة ولا نملك تغطية اجتماعية، فهاتني بالبديل واغلق الماخور، «نحب نتوب على يديك أما عوضلي قبل » شخصيا لقد سبق وأن تحطمت ولا أريد لأبنائي حياة مماثلة ونحن نطلب الحماية من وزارة الداخلية، فأرجو أن يوفروها «خلينا ناكلوا الخبز كيف العباد».
استنكار صاحبة المحل
ومن جهتها لم تخف السيدة «هاجر» إحدى المالكات لمجموعة من بيوت الماخور(13 محلا في المدينة العتيقة ورثتها عن زوجها الذي كان هو بدوره يقوم بكراء المحلات لممارسة البغاء العلني) استغرابها من مواصلة مصالح وزارة الداخلية بجهة ولاية سوسة التعامل معها رغم صدور قرار المحكمة بوقف استعمال هذه المحلات للغرض وتقول في هذا الاطار: «إلى حدود يومنا هذا تقوم المصالح المختصة بقبول مجموعة من النساء اللاتي يرغبن في كراء إحدى بيوت الماخور من أجل ممارسة البغاء العلني كما أن مومسات الماخوريخضعن إلى حد الآن إلى المراقبة الصحية التي تتكفل بها وزارة الصحة.
كما أفادت محدثتنا أنه يقع اخضاع كل مترشحة للعمل كمومس بالماخور العلني قبل انتدابها بصورة رسمية إلى فحص سريري وكشف بالأشعة للصدر وتحاليل للدم بغية التأكد من سلامتها من بعض الأمراض المعدية وان الماخور مفتوح كامل أيام الأسبوع ويستقبل يوميا حوالي 40 مومسا.
وأشارت السيدة هاجر إلى ان ماخور سوسة هو مورد رزق لقرابة 400 عائلة وان قرار غلقه هو قرار تعسفي وانها إلى حد الآن مازالت تدفع الضرائب والجباية, وطالبت بالمناسبة الدولة بضرورة مراجعة هذا القرار وتوفير الحماية لهذه المحلات وللنساء العاملات به خاصة بعد ان تكبدت مبالغ كبيرة في اعادة اصلاحه اثر تعرضه للتكسير والحرق.
الجانب القانوني للقضية
ومن الناحية القانونية حدثتنا الأستاذة إيناس شيبة (المحامية التي تتولى الدفاع عن القضية) ان المشاكل بدأت مباشرة بعد الثورة حيث هاجمت مجموعة من المتساكنين الماخور واحرقوا بيوت البغاء وسرقوا الأثاث وسلبوا المومسات مصوغهن. وأضافت المحامية أن بعد هذه الحادثة تقدم 3 اشخاص (من غير السلفيين) برفع قضية لإغلاق الماخور بتعلة قلق المتساكنين من وجوده وسط تجمعات سكانية قدموا في الغرض عريضة تحمل امضاءات بعض المتساكنين (وقد ثبت بعد التحري أنهم لا يقطنون في هذا الحي). وقالت إيناس إنها قامت بالمقابل بإعداد عريضة تحمل امضاءات مجموعة من المتساكنين الذين يقطنون فعلا في هذا الحي والذين أبدوا حيادهم من تواجد الماخور هناك. وأشارت الأستاذة إيناس إلى أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد حيث قام هؤلاء الاشخاص بتجيش مجموعة من السلفيين ومجموعة من منحرفي المدينة العتيقة وقاموا بالاعتصام أمام مقر الولاية مطالبين بإغلاق الماخور ثم اعتصموا بعد ذلك امام المحكمة ومنعوا الأستاذة من الدخول إلى قاعة المحاكمة والترافع في هذه القضية.
و تقول محدثتنا : «يوم 11 جوان الماضي كان يوم المرافعة اين حضر قرابة ال300 سلفي ورفعوا لافتات ورددوا شعارات مطالبين بغلق الماخور وقد ساهمت هذه البلبلة في التأثير على قرار المحكمة التي قضت بوقف استعمال المحلات الموصوفة بعريضة الدعوة (في نشاط البغاء العلني وضعها تحت ذمة من يمتلكها مع الاذن بالتنفيذ المدني والذي لم يتجسد على ارض الواقع إلى حد الآن».و ختمت الأستاذة «إيناس» مستنكرة ما اصبحت عليه القضية اليوم حيث تاهت بين السياسة والدين.
بلدية سوسة على الخط
ولمزيد الاستفسار والبحث في حيثيات الموضوع، اتصلنا بالسيد خالد بالحاج علي، رئيس بلدية سوسة، الذي أكد من جهته أن البلدية قامت مؤخرا بهدم الباب الأمامي للماخور بنهج «أبو نواس» بالمدينة العتيقة لأنه كان بمثابة المعيق للحركة أمام الطريق الرئيسية! ويقول في هذا الإطار: «إن قرار الهدم لا يستهدف الماخور والعاملات داخله بصفة خاصة بل لأنه شكل عائقا أمام المترجلين، أما على مستوى قرار غلق الماخور نهائيا، فهو قرار المحكمة الذي صدر تبعا لظروف معينة وأهمها تشكيات مجموعة من متساكني تلك المنطقة وإلى سعي السلطات إلى تحويل تلك المنطقة إلى منطقة سياحية رائدة ومتميزة».
وأضاف محدثنا: «لقد سبق أن اجتمعت بثلة من الأفراد المحسوبين على التيار السلفي وحرصت على إقناعهم أن البلاد في حاجة إلى المواخير كمتنفس وحاجة اجتماعية، جابهوني بادئ الأمر بالرفض مطالبين بغلق الماخور نهائيا لأنه يتنافى مع الشريعة الإسلامية، ثم اقتنعوا بعد ذلك بالوضعية وفق شروط. هذا وقد قمت شخصيا بالاتصال بالمديرة العامة للماخور صاحبة المحل واقترحت عليها مغادرة المكان والتوجه نحو مبنى قرب الميناء هو على ملك الدولة، فقبلت بالاقتراح وهي بصدد النظر في الموضوع مع وزارة أملاك الدولة. وهذا المبنى هو عمارة بعيدة كل البعد عن التجمعات السكنية، نضمن من خلاله راحة الجميع، فهو مؤمن ومراقب من قبل السلطات إيمانا منا بقيمة هذه الخدمة الاجتماعية».
ثم ختم محدثنا قائلا: «تزخر المدينة العربي بسوسة بالعديد من المشاكل منها تفشي «البراكاجات» والمواد المخدرة «الزطلة» علاوة على ذلك فقد أصبحت كل زائرة «للمدينة» تحسب على الماخور فدخلنا في دوامة لهتك الأعراض وهو ما دفعنا إلى السعي وراء تغيير مكانه وجعل تلك المنطقة وجهة سياحية رسمية للولاية».
البعد الاجتماعي في الموضوع
من جهته قال الأستاذ «حسان الموري» خبير في علم الاجتماع ل«التونسية» انه يعارض كليا قرار غلق المواخير في تونس لمجموعة من الأسباب تتلخص أساسا في أن الماخور يعد مؤسسة اجتماعية قديمة و«ضاربة في التاريخ» ويقول في هذا الإطار: «لطالما كانت هذه المناطق متنفسا لجميع الشرائح الاجتماعية فهي ملاذ المراهقين الباحثين عن تجربة جنسية أولى إضافة إلى المحرومين جنسيا وعاطفيا إلى آخره من الأمثلة، والإيجابي في هذه المحطة هو أن هذه المواخير مراقبة من قبل وزارة الصحة ووزارة الداخلية لذلك يسهل التضييق وحصر مثل هذه الظواهر لكن إذا ما قامت الجهات المسؤولة بغلقها، ستقوم برفع الراية البيضاء لدخول أنواع متعددة من المشاكل من بينها تفاقم ظاهرة العنف بكافة أنواعه إضافة إلى تفشي الأمراض المنقولة جنسيا، كما سيفتح باب الفساد على مصراعيه وستنتشر قضايا الاغتصاب خاصة في صفوف الذكور».
وأضاف محدثنا: «إذا ما تقرر غلق المواخير، هل ستحل مجموعة المشاكل والأزمات الموجودة اليوم؟؟ وهل فكر المسؤولون في إيجاد بديل للمئات من اللاتي يقتتن من هذه المهنة ويعن عائلاتهن، أم أنهم سيقومون فقط بعملية الإلغاء؟ مجموعها أسئلة لا يمكن تفاديها أو غض النظر عنها خاصة أن الجهات المختصة لم تقدم أسبابا ولا بديلا».
تاريخ البغاء العلني وإطاره القانوني
لقد ذهب البعض إلى القول إن ظاهرة البغاء العلني في تونس قد ظهرت منذ 1941 أين أصدر المستعمر الفرنسي قانونا منظما لهذه المهنة وأجاز فتح المواخير في المدن التونسية ثم تم ضبطها في عهد الحماية وفق قرار مؤرخ في 30 أفريل 1942 وهو الإطار القانوني الأساسي الذي ينظم هذا القطاع ويحفظ حقوق وواجبات العاملين داخله.
ويوجد في تونس حاليا ما يقارب ال20 ماخورا موزعين على ولايات مختلفة، وقد وقع مؤخرا إغلاق ماخور بولاية القيروان وآخر بولاية باجة، وذلك بعد احتجاجات الأهالي أما في مستوى عدد المومسات، فقد ناهزن ال5400 مومس أغلبهن من المطلقات وهن يخضعن للمراقبة الصحية بشكل دوري، كما أن المصالح المختصة تسخر إمكانيات كبيرة لمنع ظهور الأمراض المنقولة جنسيا. لذلك نقول اليوم إن الإطار القانوني قد وجد ومنذ سنوات عدة وهن قد امتهن هذه المهنة على مر السنين، فهن لا يملكن حياة اجتماعية ولا يغادرن مقرات عملهن إلا نادرا، علاوة على ذلك فقد لمسنا مؤخرا رغبة من السلطات المسؤولة في حصر هذه الظاهرة تفاديا للفتنة والمشاكل وذلك من منطلق أنه من الصعب التخلص من ظاهرة متواجدة منذ مئات السنين ويمكن أن نلمس ذلك من خلال ما جد من أحداث في ولاية سوسة، ومحاولة السلطات في الوقت الراهن تغيير مكانه وانتزاعه من مكان تواجد فيه منذ ما قبل الاستقلال.
صدى غلق المواخير داخل الشارع التونسي

قد تتباين الآراء وتختلف وجهات النظر في موضوع مماثل لكن يبقى القانون هو الفيصل بين الجميع، ومن جهته أقر السيد«فوزي البوذري » يعمل بسلك التكوين في ولاية سوسة، أن هذه الشريحة موجودة في مجتمعنا منذ القدم ويقول في هذا المستوى: «صراحة أنا أتعاطف معهم خاصة بعد تعرضهم إلى تعسف واضح من قبل السلطات التي لم تؤمن لهن الحماية وأنا أحمل المسؤولية للسيد خالد بالحاج علي، رئيس المجلس البلدي بالنيابة الخصوصية الذي أمر بهدم باب الماخور وللأسف فقد قام والي سوسة بتنفيذه رغم خطورة الوضع ورغم المشاكل، وشخصيا أستنكر كيف بقضية مدنية أن تسيّس في أيامنا هذه؟ لقد كنت من بين الحاضرين في المحكمة وكان الحاضرون يهتفون «الله أكبر»، وكانت لحظة ذهول للجميع. لنتساءل جميعنا، إذا ما قمنا بإغلاق الماخور هل فكرنا في تداعيات ذلك على العاملات داخله، هل فكرنا في تقديم البديل لهن، أو المشاكل التي سيعرفنها خارجا خاصة أن مجتمعنا يرفضهن اليوم؟؟
ظاهرة لا يمكن إلغاؤها بقرار
وفي سياق متصل يشاطر أمين مكي، طالب بكلية الهندسة بنابل، الرأي مع السيد فوزي البوذري ويقول: «أظن أن هذه المواخير موجودة منذ فترة طويلة في بلادنا بمعنى آخر أن الآلاف يمتهن هذه المهنة وحياتهن مبنية عليها، فقد لا يتماشى ذلك مع تعاليم الدين الإسلامي لكن لنفكر سوية «إذا ما أغلقنا المواخير اليوم سنزيد الطين بلة وسيؤدي ذلك إلى انتشار وتفاقم ظاهرة البغاء السري، وبالتالي سيساعد على انتشار الأمراض وخاصة المنقولة جنسيا، إلى آخره من النتائج الوخيمة التي سيكون لها تأثير سلبي ومباشر على مجتمعنا، لن أقول إنني متضامن مع هذه الشريحة من المجتمع لكنني أقول إنها جزأ منه ولا يمكن إلغاؤها اليوم بقرار لأنها استفحلت وعدد المومسات يزداد كل يوم. علاوة على ذلك فقد لاحظنا أن مستوى الجريمة قد ارتفع في مجتمعنا وحالات الاغتصاب والاختطاف تتوالى يوما بعد يوم، فما بالك الآن بقرار مماثل كفيل بأن يحول حياتهن وشوارعنا إلى جحيم».
وجوب الإلغاء والتوبة
ومن جانبه أبدى السيد وائل حنبلي (بائع للعطورات الرجالية) امتعاضه من هذه الظاهرة، مشيرا إلى أنها ممارسات تتنافى مع تعاليم وقيم الدين الإسلامي، ويقول: «هي مخلة بالأخلاق الحميدة، كما أنها السبب الرئيسي في تفشي الأمراض وتكاثر الأطفال دون نسب ومثلنا في ذلك كثرة جثث الأطفال الرضع الملقاة مؤخرا دون أن ننسى عزوف الشباب عن الزواج وبالتالي إذا ما قمنا بإلغاء هذه الظاهرة ستكون «التوبة» وسيحكم شرع الله وبالتالي ستغلق هذه «المحلات الكافرة» وأريد أن أقول إن هذه العملية ستساعد على حفظ كرامة المرأة وصون عرضها.. ونحن اليوم نريد أن نرتقي بها إلى أرقى ويرفع من شأنها ونتمنى «الهداية» للجميع، كما نتمنى كذلك أن تكون الداخلية أكثر صرامة وأن تتخذ موقفا نهائيا من هذه المسألة. وهو ما أكدته بدورها السيدة «هاجر س» موظفة التي قالت: «لا لبؤرة الفساد ولا للفساد في تونس، لقد حان الوقت لكي نتحد ونقف جنبا إلى جنب لكي نتصدى لهذه الممارسات، فالدين الإسلامي ينهى عن الفحشاء والمنكر وعن الرذيلة وهذه المواخير مخلة بالأخلاق الحميدة وساهمت في تفشي ظاهرة الفساد في بلادنا».
وتضيف محدثتنا: «نحن نتمنى أن نعيش في فضاء نظيف نقي لنطمئن داخله على أطفالنا، فضاء تبنى أسسه على الفضيلة والقرآن وسنة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لقد عشنا لسنوات عدة نرى الفساد ولا نستطيع النقد أو الاحتجاج، لكن اليوم والحمد لله وبعد ثورتنا أصبحنا نتحدث بكل حرية هذه الثورة التي قامت أساسا من أجل نصرة الإسلام داخل تونس، إن الشعب هو من طالب بذلك وانتفض لنصرة دينه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.