القصرين: الفرع الجهوي للمحامين يُقرّر تنفيذ إضراب عام تنديدا بحادثة طعن محام    وزارة الاقتصاد والتخطيط ..انطلاق الترويج لمنتدى تونس للاستثمار في 5 عواصم أوروبية    البنك الدولي.. الطاقات المتجددة يمكن ان تحسن نسبة نمو الاقتصاد التونسي    ساهمت في ارتفاع مخزون العملة الأجنبية الى 108 أيام توريد ..تواصل ارتفاع عائدات السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج    قدّمت مباراة بطوليّة ..قرقنة تزيح الترجي الرياضي من سباق الكأس    قرارات الرابطة...رفض اثارة النادي الصفاقسي وهزم مساكن جزائيا    أبرزهم كاظم وماجدة وحكيم...هل يقدر مهرجان قرطاج على «كاشيات» النجوم العرب ؟    القصرين..مهرجان «الحصان البربري» يعود بعد 19 سنة    القصرين .. إنقاذ مواطن حاصرته سيول «وادي الحطب»    بن عروس.. دفع صديقه في القنال .. فأرداه قتيلا ثم ادّعى أنه غرق !    "أسترازينيكا" تسحب لقاحها المضاد لفيروس "كوفيد - 19" من الأسواق    صفاقس: إنهاء تكليف كاتب عام بلدية ساقية الزيت    رسائل قوية في خطاب التنصيب ... بوتين يعلن قيام النظام العالمي الجديد    ابطال اوروبا.. ريال مدريد يطيح بالبيارن ويضرب موعدا مع دورتموند في النهائي    إرساء تصرّف ذكي في المياه    تونس تدعو للوقوف صفا واحدا ضد حرب الإبادة والتهجير القسري التي يشنها الاحتلال    الأستاذ محمد العزيز بن عاشور يرصد تحولات الموروث الثقافي التونسي في كتاب جديد باللغة الفرنسية    فوشانة: الكشف عن شبكة مختصة في تدليس العملة النقدية    وجيهة الجندوبي :'' ايتها الوطنية رجعلنا المسلسلات المكسيكية والكويتية خاطر كرهتني في وجهي الحقيقة''    عاجل - إغلاق محل لبيع منتجات لحوم الخيول في بن عروس    باب بحر: القبض على متورّط في عمليات سرقة    نُصب له كمين: القبض على عون رقابة للصحة العمومية مُتلبّسا بالرشوة    وكالة التحكم في الطاقة: نحتاج استثمارات ب 600 مليون دينار لتخفيض الاستهلاك الطاقي في البلديات    جامعة السباحة : تفاجأنا بخبر غياب الحفناوي عن أولمبياد باريس    كأس الكاف :الزمالك يحتج على تعيين حكمين تونسيين في النهائي ضد بركان    تطاوين: الشرطة البلدية تُنقذ طفلين من الموت    بين المنستير وصفاقس: الاحتفاظ بشخصين والقبض على منظمي "حرقة" ووسطاء    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    التنوير العمومي للبلديات يستحوذ على 80 بالمائة من استهلاك الطاقة في ظل وجود اكثر من 730 الف عمود انارة    سليانة: تسجيل جملة من الاخلالات بكافة مراكز التجميع بالجهة    منزل تميم: تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي    بطاحات جزيرة جربة تاستأنف نشاطها بعد توقف الليلة الماضية    نجيب الدزيري لاسامة محمد " انتي قواد للقروي والزنايدي يحب العكري" وبسيس يقطع البث    السباح التونسي احمد ايوب الحفناوي يغيب عن اولمبياد باريس    عاجل : قضية ضد صحفية و نقيب الموسقيين ماهر الهمامي    أريانة :خرجة الفراشية القلعية يوم 10 ماي الجاري    قصر العبدلية ينظم الدورة الثانية لتظاهرة "معلم... وأطفال" يومي 11 و12 ماي بقصر السعادة بالمرسى    التونسي أيمن الصفاقسي يحرز سادس أهدافه في البطولة الكويتية    انطلاق اختبارات 'البكالوريا البيضاء' بداية من اليوم الى غاية 15 ماي 2024    هام/ تسميات جديدة في وزارة التجهيز..    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 8640 فلسطينيا بالضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي..    جرحى في حادث اصطدام بين سيارتين بهذه الجهة..    بطولة مصر : الأهلي يفوز على الاتحاد السكندري 41    بأسعار تفاضلية: معرض للمواد الغذائية بالعاصمة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 8 ماي 2024    تراجع عدد أضاحي العيد ب13 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    هزة أرضية بقوة 4.7 درجات تضرب هذه المنطقة..    محرز الغنوشي: رجعت الشتوية..    لأجل غير مسمى.. إرجاء محاكمة ترامب بقضية "الوثائق السرية"    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد قرار غلق ماخور سوسة: المومسات يصرخن: «نحب نتوب على يديك.. أما عوّضلي قبل»!
نشر في التونسية يوم 03 - 09 - 2012


البلدية:
نقدّر هذه «الخدمة الاجتماعية».. لكن نفضّل أن تكون المدينة العتيقة وجهة سياحية
إحداهن:
«كرهت هذا «العمل».. أريد عيشة مستورة»
«كل جمعة نتوقع هجوما علينا بعد الصلاة»
القضية اليوم تاهت بين السياسة والدين

قد يصعب الخوض في مسألة مماثلة خلال الظروف الحالية التي تعيشها بلادنا، إلا أننا نعتبر الموضوع تفصيلا من تفاصيل المجتمع التونسي، هي مسألة قائمة الذات ومن الصعب غض النظر عنها، بل قد يكون من المفيد تسليط الضوء على مختلف جوانبها قصد معرفة حيثياتها ولم لا إيجاد حلول لها، هي ظاهرة «البغاء العلني» هذه المهنة القديمة والمعترف بها في بلادنا منذ مر السنين، إذ تعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي تملك قانونا ينظمها.
كثر الحديث بعد الثورة عن عمليات مداهمة لمحلات تعاطي البغاء، كما تظاهر المئات من المتشددين الإسلاميين مطالبين بإغلاق كافة بيوت الدعارة المرخص لها، فيما تعرض العديد منها إلى عمليات حرق واعتداءات.
إجمالا، لا يمكن حصر الأمثلة التي تكشف عن حقيقة قضية البغاء في تونس، لكننا اخترنا أزقة المدينة العتيقة بولاية سوسة، أين تقبع محلات بغاء رسمية، تمارس فيها الدعارة بشكل علني، حيث سبق أن فوجئت العاملات داخله بعمليات مداهمة من قبل مجموعة من الأشخاص تعمدوا حرق البيوت مرتين، ليصدر إثر هذه الأحداث قرار قضائي يقضي بإغلاق الماخور نهائيا بعد أن اشتكى متساكنو المنطقة من تواجده، وهو ما دفع بمجموعة من المومسات إلى الخروج عن صمتهن والحديث إلى «التونسية» علهن يجدن العزاء أو الحلول التي غابت. !
«يريدون رمينا في نار حقيقية»
هن في العادة يتجنبن التعامل مع وسائل الإعلام هروبا من الإحراج، لكن «نورة» بائعة هوى محترفة فتاة ال36 سنة، قبلت البوح بألمها وتحدثت إلينا بصوت خافت غلبت عليه «نغنغة البكاء»، قائلة إنها تعرضت للاغتصاب على يد أحد الشبان من سكان حيها الشعبي في ضواحي العاصمة تونس وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها مما خلف لها صدمة غيرت منعرج حياتها خاصة أمام رفض والدها للوضعية وهو ما دفعها إلى الخروج إلى الشارع، وأصبحت تعيش وسط قنوات تصريف المياه بين منطقة جبل جلود ووادي السلة بالكبارية الفضاء الوحيد الذي قبل استقبالها فما كان منها إلا أن امتهنت البغاء السري والفساد، وتقول في هذا الإطار: «كنت أقضي معظم الوقت أعاقر الخمر والبغاء مع مجموعات مختلطة إلى أن وجدت نفسي غارقة في وحل الرذيلة، الأمر الذي سبب لي العديد من المشاكل مع رجال الأمن حتى أنني دخلت السجن في سن ال17 سنة». سكتت محدثتنا برهة ثم عادت تقول: «لقد لفظتني عائلتي وأنا لا ألومها على ذلك، فالفقر أرهقنا وسوء معاملة المحيط قتلتنا، لقد كنا نقطن في غرفة واحدة لعدة سنوات وكنا 7 بنات وولدان إضافة إلى والديّ، فتخيلوا للحظة كيف كان الوضع؟ منذ تاريخ 20 أوت 1998 وأنا أعيش في ماخور سوسة، هجرته لمرتين ثم عدت إليه، كانت محاولة مني للتوبة لكنني لم أستطع الصمود، فأنا من يعيل العائلة، كما انني لم اوفق في دراستي وهجرتها من الباكالوريا، لذلك أقول إنه ليس لدي «ثقافة» ولا قدرة لي على العيش في العالم الخارجي. لقد قمت سابقا بتحرير مطلب توبة إلا أن المجتمع لم يقبلني فعدت سريعا إلى عالم البغاء. انا أقسم أنني أريد حياة عادية مثل الجميع لكن المجتمع هو من دفعني إلى بؤرة الفساد، حتى انني ذات مرة اشتغلت كمعينة منزلية إلا أن أحد ضيوفنا كان حريفا لي بالماخور فأعلمهم بحقيقتي ووجدت نفسي مجددا في الشارع. لذلك أقول إن حياتي جحيم متواصل وليست لي حقوق كبقية العالم، فلا تغطية اجتماعية ولا غيرها في حين نجد أن السلطات اليوم تريد رمينا في «نار حقيقية» دون أية ضمانات».
ثم ختمت محدثتنا قائلة: «أريد حياة عادية، لقد كرهت هذا العمل، أريد عيشة مستورة وإذا ما كانت السلطات المعنية قادرة على أن توفر لي عملا وأن تضمن لي حياة كريمة وسط مجتمعنا هذا، فأنا على استعداد للتوبة لكن بصراحة أقولها لهم: بعد إيه!! علما أنني أجني من عملي شهريا ما يقارب ال5 آلاف دينار».
«الطلاق.. فالدمار»
وبكلمات متقاطعة يصعب سماعها وحمرة غلبت على وجنتيها تحدثت نور قائلة: «أنا اصيلة ولاية الكاف وعمري 39 سنة تعليمي انتهت رحلته عند الثالثة ثانوي كما أنني مطلقة وام لطفلين. بدأت امارس هذه المهنة منذ 6 سنوات بعد طلاقي مباشرة حيث فضلت العمل في هذا المحل تجنبا للتتبعات العدلية وخوفا من حصول مشاكل صحية». وتواصل «نور» سرد قصتها حيث سعت للعمل كمنظفة إلا أنها لم تنجح في توفير لقمة العيش لها ولأطفالها خاصة بعد التنازل عن حقها في النفقة مقابل حصولها على الحضانة هي اليوم تجني يوميا قرابة 200 دينار.
تقول «نور» إن عائلتها لا تعلم حقيقة عملها سوى شقيقتها التي تقوم بتربية اطفالها وتكتفي هي بزيارتهم من حين إلى آخر. كما استغلت حديثها ل«التونسية» لتعبر عن قلقها وخوفها من أن يعيد «المتشددون من الاسلاميين» مهاجمة «(الماخور)». وقالت: «لم نعد نشعر بالأمان كما كان الأمر في السابق.. كل أسبوع نتوقع أن يتجدّد الهجوم علينا بعد صلاة يوم جمعة». وأضافت أن كل زميلاتها يشعرن بالقلق على «مستقبلهن» وعلى أمنهنّ الشخصي بعد أحداث مواخير باجة وسوسة والقيروان. وأضافت أنها إذا ما توقفت عن العمل سوف يشقى أطفالها من الجوع وكذلك أختها التي تتكلف بعلاجها من مرض سرطان على حد تعبيرها.
أما زميلتها ياسمين التي تبلغ من العمر 38 سنة اصيلة ولاية القصرين مطلقة وام لطفلة فقد اضطرت إلى العمل في هذا المجال بعد ان اغلقت امامها ابواب العمل في الحلال اثر طلاقها من زوجها بسبب خيانتها له وكانت الفضيحة في صفوف الأهالي. وتقول في هذا الإطار: «تعرضت إلى الكثير من الاستفزازات في الشارع وكلام لاذع مهين يصعب احتماله ، وحاولت كثيرا التغلب على وضعي والبحث عن عمل يضمن لي ولابنتي عيشة كريمة لكن لم افلح في ذلك وهو ما دفع بي إلى الدعارة نتيجة الفقر والخصاصة التي كنت أعيشها».
و اوضحت ياسمين انها تمارس الجنس عديد المرات في اليوم وتجني حوالي 400 دينار يوميا دون احتساب المصاريف على حد قولها الا انها لم تستطع اخفاء خوفها من ان يفتضح امرها لدى عائلتها وأن يكتشفوا حقيقة عملها خاصة قد أصبحت اليوم ابنتها في سن الزواج.
«المجتمع متعاطف معي»
من جهتها، صرحت السيدة «فاتن. خ» منظفة وطباخة داخل الماخور، أن مهنتها لم تؤثر على علاقاتها في الخارج، فالكل يحترمها ويتعاطف معها، وتقول في هذا الإطار: «أعيش مع زوجي وأطفالي الأربعة إضافة إلى بنت خامسة قمت بتبنيها.. تحصلت على شهادة الباكالوريا ثم انتقلت إلى الجامعة ودرست التاريخ والجغرافيا ثم سرعان ما انقطعت نظرا للظروف القاسية. لقد عملت كمنشطة في أقسام التحضيري في المدارس وقمت بالتدريس لمدة أربع سنوات إلا أن ضعف المرتب الذي كنت أتحصل عليه هو الذي دفعني إلى البحث عن عمل آخر وأنا أعمل في هذا الماخور كمنظفة منذ 13 سنة».
ثم تستدرك محدثتنا وتقول: «لقد بدأت معاناتنا منذ اندلاع ثورة 14 جانفي،حيث قامت مجموعة من الشباب باقتحام المحل مرددين عبارات «توبوا إلى الله» بتعلة أن الماخور يحتوي على ولي صالح وهو «سيدي مصباح» ثم تتالت الهجمات حتى أنهم قاموا بحرق المقر مرتين، وما زاد الطين بلة هو قرار القاضي في محكمة سوسة الذي قضى بغلق الماخور ليضعنا في دوامة حقيقية. »
و تواصل حديثها: «هذا الحكم القضائي اليوم يبعث بنا إلى الشارع، شريحة المومسات كانت محمية ومحفوظة من وزارة الداخلية ووزارة الصحة، وأقول إن هذا القرار قد فتح بابا كبيرا للفساد ولانتشار الأمراض والاغتصاب والجريمة، بمعنى آخر «حاجة كانت مستورة باش ترجعها علنية، كيفاش»؟؟ وسؤالي هو: سيدي القاضي هل فكرتم في التعويض لهؤلاء الفتيات قبل أن تصدر قرارك بغلق الماخور؟ لا أظن ذلك، فحقوقنا مضطهدة ولا نملك تغطية اجتماعية، فهاتني بالبديل واغلق الماخور، «نحب نتوب على يديك أما عوضلي قبل » شخصيا لقد سبق وأن تحطمت ولا أريد لأبنائي حياة مماثلة ونحن نطلب الحماية من وزارة الداخلية، فأرجو أن يوفروها «خلينا ناكلوا الخبز كيف العباد».
استنكار صاحبة المحل
ومن جهتها لم تخف السيدة «هاجر» إحدى المالكات لمجموعة من بيوت الماخور(13 محلا في المدينة العتيقة ورثتها عن زوجها الذي كان هو بدوره يقوم بكراء المحلات لممارسة البغاء العلني) استغرابها من مواصلة مصالح وزارة الداخلية بجهة ولاية سوسة التعامل معها رغم صدور قرار المحكمة بوقف استعمال هذه المحلات للغرض وتقول في هذا الاطار: «إلى حدود يومنا هذا تقوم المصالح المختصة بقبول مجموعة من النساء اللاتي يرغبن في كراء إحدى بيوت الماخور من أجل ممارسة البغاء العلني كما أن مومسات الماخوريخضعن إلى حد الآن إلى المراقبة الصحية التي تتكفل بها وزارة الصحة.
كما أفادت محدثتنا أنه يقع اخضاع كل مترشحة للعمل كمومس بالماخور العلني قبل انتدابها بصورة رسمية إلى فحص سريري وكشف بالأشعة للصدر وتحاليل للدم بغية التأكد من سلامتها من بعض الأمراض المعدية وان الماخور مفتوح كامل أيام الأسبوع ويستقبل يوميا حوالي 40 مومسا.
وأشارت السيدة هاجر إلى ان ماخور سوسة هو مورد رزق لقرابة 400 عائلة وان قرار غلقه هو قرار تعسفي وانها إلى حد الآن مازالت تدفع الضرائب والجباية, وطالبت بالمناسبة الدولة بضرورة مراجعة هذا القرار وتوفير الحماية لهذه المحلات وللنساء العاملات به خاصة بعد ان تكبدت مبالغ كبيرة في اعادة اصلاحه اثر تعرضه للتكسير والحرق.
الجانب القانوني للقضية
ومن الناحية القانونية حدثتنا الأستاذة إيناس شيبة (المحامية التي تتولى الدفاع عن القضية) ان المشاكل بدأت مباشرة بعد الثورة حيث هاجمت مجموعة من المتساكنين الماخور واحرقوا بيوت البغاء وسرقوا الأثاث وسلبوا المومسات مصوغهن. وأضافت المحامية أن بعد هذه الحادثة تقدم 3 اشخاص (من غير السلفيين) برفع قضية لإغلاق الماخور بتعلة قلق المتساكنين من وجوده وسط تجمعات سكانية قدموا في الغرض عريضة تحمل امضاءات بعض المتساكنين (وقد ثبت بعد التحري أنهم لا يقطنون في هذا الحي). وقالت إيناس إنها قامت بالمقابل بإعداد عريضة تحمل امضاءات مجموعة من المتساكنين الذين يقطنون فعلا في هذا الحي والذين أبدوا حيادهم من تواجد الماخور هناك. وأشارت الأستاذة إيناس إلى أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد حيث قام هؤلاء الاشخاص بتجيش مجموعة من السلفيين ومجموعة من منحرفي المدينة العتيقة وقاموا بالاعتصام أمام مقر الولاية مطالبين بإغلاق الماخور ثم اعتصموا بعد ذلك امام المحكمة ومنعوا الأستاذة من الدخول إلى قاعة المحاكمة والترافع في هذه القضية.
و تقول محدثتنا : «يوم 11 جوان الماضي كان يوم المرافعة اين حضر قرابة ال300 سلفي ورفعوا لافتات ورددوا شعارات مطالبين بغلق الماخور وقد ساهمت هذه البلبلة في التأثير على قرار المحكمة التي قضت بوقف استعمال المحلات الموصوفة بعريضة الدعوة (في نشاط البغاء العلني وضعها تحت ذمة من يمتلكها مع الاذن بالتنفيذ المدني والذي لم يتجسد على ارض الواقع إلى حد الآن».و ختمت الأستاذة «إيناس» مستنكرة ما اصبحت عليه القضية اليوم حيث تاهت بين السياسة والدين.
بلدية سوسة على الخط
ولمزيد الاستفسار والبحث في حيثيات الموضوع، اتصلنا بالسيد خالد بالحاج علي، رئيس بلدية سوسة، الذي أكد من جهته أن البلدية قامت مؤخرا بهدم الباب الأمامي للماخور بنهج «أبو نواس» بالمدينة العتيقة لأنه كان بمثابة المعيق للحركة أمام الطريق الرئيسية! ويقول في هذا الإطار: «إن قرار الهدم لا يستهدف الماخور والعاملات داخله بصفة خاصة بل لأنه شكل عائقا أمام المترجلين، أما على مستوى قرار غلق الماخور نهائيا، فهو قرار المحكمة الذي صدر تبعا لظروف معينة وأهمها تشكيات مجموعة من متساكني تلك المنطقة وإلى سعي السلطات إلى تحويل تلك المنطقة إلى منطقة سياحية رائدة ومتميزة».
وأضاف محدثنا: «لقد سبق أن اجتمعت بثلة من الأفراد المحسوبين على التيار السلفي وحرصت على إقناعهم أن البلاد في حاجة إلى المواخير كمتنفس وحاجة اجتماعية، جابهوني بادئ الأمر بالرفض مطالبين بغلق الماخور نهائيا لأنه يتنافى مع الشريعة الإسلامية، ثم اقتنعوا بعد ذلك بالوضعية وفق شروط. هذا وقد قمت شخصيا بالاتصال بالمديرة العامة للماخور صاحبة المحل واقترحت عليها مغادرة المكان والتوجه نحو مبنى قرب الميناء هو على ملك الدولة، فقبلت بالاقتراح وهي بصدد النظر في الموضوع مع وزارة أملاك الدولة. وهذا المبنى هو عمارة بعيدة كل البعد عن التجمعات السكنية، نضمن من خلاله راحة الجميع، فهو مؤمن ومراقب من قبل السلطات إيمانا منا بقيمة هذه الخدمة الاجتماعية».
ثم ختم محدثنا قائلا: «تزخر المدينة العربي بسوسة بالعديد من المشاكل منها تفشي «البراكاجات» والمواد المخدرة «الزطلة» علاوة على ذلك فقد أصبحت كل زائرة «للمدينة» تحسب على الماخور فدخلنا في دوامة لهتك الأعراض وهو ما دفعنا إلى السعي وراء تغيير مكانه وجعل تلك المنطقة وجهة سياحية رسمية للولاية».
البعد الاجتماعي في الموضوع
من جهته قال الأستاذ «حسان الموري» خبير في علم الاجتماع ل«التونسية» انه يعارض كليا قرار غلق المواخير في تونس لمجموعة من الأسباب تتلخص أساسا في أن الماخور يعد مؤسسة اجتماعية قديمة و«ضاربة في التاريخ» ويقول في هذا الإطار: «لطالما كانت هذه المناطق متنفسا لجميع الشرائح الاجتماعية فهي ملاذ المراهقين الباحثين عن تجربة جنسية أولى إضافة إلى المحرومين جنسيا وعاطفيا إلى آخره من الأمثلة، والإيجابي في هذه المحطة هو أن هذه المواخير مراقبة من قبل وزارة الصحة ووزارة الداخلية لذلك يسهل التضييق وحصر مثل هذه الظواهر لكن إذا ما قامت الجهات المسؤولة بغلقها، ستقوم برفع الراية البيضاء لدخول أنواع متعددة من المشاكل من بينها تفاقم ظاهرة العنف بكافة أنواعه إضافة إلى تفشي الأمراض المنقولة جنسيا، كما سيفتح باب الفساد على مصراعيه وستنتشر قضايا الاغتصاب خاصة في صفوف الذكور».
وأضاف محدثنا: «إذا ما تقرر غلق المواخير، هل ستحل مجموعة المشاكل والأزمات الموجودة اليوم؟؟ وهل فكر المسؤولون في إيجاد بديل للمئات من اللاتي يقتتن من هذه المهنة ويعن عائلاتهن، أم أنهم سيقومون فقط بعملية الإلغاء؟ مجموعها أسئلة لا يمكن تفاديها أو غض النظر عنها خاصة أن الجهات المختصة لم تقدم أسبابا ولا بديلا».
تاريخ البغاء العلني وإطاره القانوني
لقد ذهب البعض إلى القول إن ظاهرة البغاء العلني في تونس قد ظهرت منذ 1941 أين أصدر المستعمر الفرنسي قانونا منظما لهذه المهنة وأجاز فتح المواخير في المدن التونسية ثم تم ضبطها في عهد الحماية وفق قرار مؤرخ في 30 أفريل 1942 وهو الإطار القانوني الأساسي الذي ينظم هذا القطاع ويحفظ حقوق وواجبات العاملين داخله.
ويوجد في تونس حاليا ما يقارب ال20 ماخورا موزعين على ولايات مختلفة، وقد وقع مؤخرا إغلاق ماخور بولاية القيروان وآخر بولاية باجة، وذلك بعد احتجاجات الأهالي أما في مستوى عدد المومسات، فقد ناهزن ال5400 مومس أغلبهن من المطلقات وهن يخضعن للمراقبة الصحية بشكل دوري، كما أن المصالح المختصة تسخر إمكانيات كبيرة لمنع ظهور الأمراض المنقولة جنسيا. لذلك نقول اليوم إن الإطار القانوني قد وجد ومنذ سنوات عدة وهن قد امتهن هذه المهنة على مر السنين، فهن لا يملكن حياة اجتماعية ولا يغادرن مقرات عملهن إلا نادرا، علاوة على ذلك فقد لمسنا مؤخرا رغبة من السلطات المسؤولة في حصر هذه الظاهرة تفاديا للفتنة والمشاكل وذلك من منطلق أنه من الصعب التخلص من ظاهرة متواجدة منذ مئات السنين ويمكن أن نلمس ذلك من خلال ما جد من أحداث في ولاية سوسة، ومحاولة السلطات في الوقت الراهن تغيير مكانه وانتزاعه من مكان تواجد فيه منذ ما قبل الاستقلال.
صدى غلق المواخير داخل الشارع التونسي

قد تتباين الآراء وتختلف وجهات النظر في موضوع مماثل لكن يبقى القانون هو الفيصل بين الجميع، ومن جهته أقر السيد«فوزي البوذري » يعمل بسلك التكوين في ولاية سوسة، أن هذه الشريحة موجودة في مجتمعنا منذ القدم ويقول في هذا المستوى: «صراحة أنا أتعاطف معهم خاصة بعد تعرضهم إلى تعسف واضح من قبل السلطات التي لم تؤمن لهن الحماية وأنا أحمل المسؤولية للسيد خالد بالحاج علي، رئيس المجلس البلدي بالنيابة الخصوصية الذي أمر بهدم باب الماخور وللأسف فقد قام والي سوسة بتنفيذه رغم خطورة الوضع ورغم المشاكل، وشخصيا أستنكر كيف بقضية مدنية أن تسيّس في أيامنا هذه؟ لقد كنت من بين الحاضرين في المحكمة وكان الحاضرون يهتفون «الله أكبر»، وكانت لحظة ذهول للجميع. لنتساءل جميعنا، إذا ما قمنا بإغلاق الماخور هل فكرنا في تداعيات ذلك على العاملات داخله، هل فكرنا في تقديم البديل لهن، أو المشاكل التي سيعرفنها خارجا خاصة أن مجتمعنا يرفضهن اليوم؟؟
ظاهرة لا يمكن إلغاؤها بقرار
وفي سياق متصل يشاطر أمين مكي، طالب بكلية الهندسة بنابل، الرأي مع السيد فوزي البوذري ويقول: «أظن أن هذه المواخير موجودة منذ فترة طويلة في بلادنا بمعنى آخر أن الآلاف يمتهن هذه المهنة وحياتهن مبنية عليها، فقد لا يتماشى ذلك مع تعاليم الدين الإسلامي لكن لنفكر سوية «إذا ما أغلقنا المواخير اليوم سنزيد الطين بلة وسيؤدي ذلك إلى انتشار وتفاقم ظاهرة البغاء السري، وبالتالي سيساعد على انتشار الأمراض وخاصة المنقولة جنسيا، إلى آخره من النتائج الوخيمة التي سيكون لها تأثير سلبي ومباشر على مجتمعنا، لن أقول إنني متضامن مع هذه الشريحة من المجتمع لكنني أقول إنها جزأ منه ولا يمكن إلغاؤها اليوم بقرار لأنها استفحلت وعدد المومسات يزداد كل يوم. علاوة على ذلك فقد لاحظنا أن مستوى الجريمة قد ارتفع في مجتمعنا وحالات الاغتصاب والاختطاف تتوالى يوما بعد يوم، فما بالك الآن بقرار مماثل كفيل بأن يحول حياتهن وشوارعنا إلى جحيم».
وجوب الإلغاء والتوبة
ومن جانبه أبدى السيد وائل حنبلي (بائع للعطورات الرجالية) امتعاضه من هذه الظاهرة، مشيرا إلى أنها ممارسات تتنافى مع تعاليم وقيم الدين الإسلامي، ويقول: «هي مخلة بالأخلاق الحميدة، كما أنها السبب الرئيسي في تفشي الأمراض وتكاثر الأطفال دون نسب ومثلنا في ذلك كثرة جثث الأطفال الرضع الملقاة مؤخرا دون أن ننسى عزوف الشباب عن الزواج وبالتالي إذا ما قمنا بإلغاء هذه الظاهرة ستكون «التوبة» وسيحكم شرع الله وبالتالي ستغلق هذه «المحلات الكافرة» وأريد أن أقول إن هذه العملية ستساعد على حفظ كرامة المرأة وصون عرضها.. ونحن اليوم نريد أن نرتقي بها إلى أرقى ويرفع من شأنها ونتمنى «الهداية» للجميع، كما نتمنى كذلك أن تكون الداخلية أكثر صرامة وأن تتخذ موقفا نهائيا من هذه المسألة. وهو ما أكدته بدورها السيدة «هاجر س» موظفة التي قالت: «لا لبؤرة الفساد ولا للفساد في تونس، لقد حان الوقت لكي نتحد ونقف جنبا إلى جنب لكي نتصدى لهذه الممارسات، فالدين الإسلامي ينهى عن الفحشاء والمنكر وعن الرذيلة وهذه المواخير مخلة بالأخلاق الحميدة وساهمت في تفشي ظاهرة الفساد في بلادنا».
وتضيف محدثتنا: «نحن نتمنى أن نعيش في فضاء نظيف نقي لنطمئن داخله على أطفالنا، فضاء تبنى أسسه على الفضيلة والقرآن وسنة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لقد عشنا لسنوات عدة نرى الفساد ولا نستطيع النقد أو الاحتجاج، لكن اليوم والحمد لله وبعد ثورتنا أصبحنا نتحدث بكل حرية هذه الثورة التي قامت أساسا من أجل نصرة الإسلام داخل تونس، إن الشعب هو من طالب بذلك وانتفض لنصرة دينه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.