كوني خليجيا لا يعني أن أكون على هامش ما يحدث في العالم.. أبو ظبي- من مبعوث «التونسية»: محمد الصادق الأمين
يعتبر نواف الجناحي من أبرز السينمائيين الشبان في الإمارات العربية المتحدة، ويعد فيلمه الروائي الطويل الأول «الدائرة» منعرجا حاسما في مسار السينما في هذه الدولة الخليجية التي تنظم أبرز المهرجانات السينمائية في الشرق الأوسط ويتعلق الأمر بمهرجاني أبو ظبي ودبي. ولد نواف سنة 1977 لأم مصرية وأب إماراتي، بدأ التمثيل في السابعة من عمره، درس في مصر ثم انتقل إلى كاليفورنيا . قدم عدة أفلام قصيرة من أهمها «مرايا الصمت» الذي شارك في 22 مهرجانا دوليا، أما شريطه الروائي الطويل الأول «الدائرة» فقدمه سنة 2009 وأردفه ب«ظل البحر» الذي شارك في مهرجان أبو ظبي السينمائي العام الماضي وحقق نجاحا تجاريا كبيرا في دول الخليج العربي. يختلف نواف الجناحي عن تلك النظرة «التقليدية» التي نحملها كتونسيين عن المجتمع الخليجي، شاب وسيم بلباس «إفرنجي» يتقن الحديث بالعربية والإنقليزية، بسلاسة ولا تغفل عن فطنته وذكائه. في مهرجان أبو ظبي حيث شغل عضوية لجنة تحكيم مسابقة «آفاق جديدة» كان لقاؤنا.. تختلف عن النموذج الذي رسخ في ذهني كصحفي تونسي عن شاب إماراتي بلباسك الحديث وبتفرغك للعمل مخرجا سينمائيا في بلد دون سينما تقريبا فما هي مبررات هذا الاختيار الذي لا يقدم عليه عاقل؟ - وهل هناك عاقل يمتهن السينما؟ كل الممتهنين للسينما ناس مجانين، وهل نحتاج العقل لنحقق فنا؟ في ندوة «بدايات المخرجين» التي نظمها مهرجان أبو ظبي تحدثت عن الصعوبات التي واجهتك رغم أن أباك ممثل فهل مازالت تلك الصعوبات تواجهك اليوم؟ - الصعوبات مازالت موجودة وإن كانت أقل وطأة لأننا اليوم أمام وجود فعلي لما كنا نتحدث عنه إفتراضيا وهو الأفلام الإماراتية، حين كنت أتحدث مع والدي لأقنعه بوجهة نظري ، كنا نتحدث عن شيء غير موجود فعليا «شو هي السينما» في الإمارات؟ كانت مجرد توقعات وخيال كنت أتخيل أنني سأنجز سينما وأتخيل أنني سأنجح، اليوم تغيرت المعادلة، صار الشاب الإماراتي قادرا على القول، هذه هي الأفلام الإماراتية ويبقى الجدل حول مدى تناسب الاختيار مع هذا الشاب أو تلك الشابة أي أن النقاش تغير وهذا يسر المهمة لجيلنا. ما هي مرجعياتك السينمائية كمخرج شاب؟ هل ما أنجزه سينمائيو الخليج مثل خالد الصديق وبسام الذوادي جزء من مرجعياتك؟ - طبعا، لا يمكن أن تكون سينمائيا وأنت غير عارف بتجارب الذين عملوا قبلك، هذه معرفة ضرورية لتحقيق وعي أساسي، نحن في بلد ظل بلا سينما إلى غاية 2001 وتربينا على السينما الأمريكية والهندية والمصرية وكنت محظوظا بدراستي في أمريكا ولكني أطلعت على كل المدارس السينمائية الروسية والواقعية الإيطالية والألمانية أي أن دراستي في أمريكا لم تكن مقتصرة على السينما الأمريكية بل أتاحت لي فرصة الإطلاع على عديد التجارب في العالم، وهذه مرجعية مهمة تجعلك تكتشف أن السينما لها تاريخ ضخم تحتاج إلى معرفته لتتمكن من الإستفادة منه، أن أكون خليجيا لا يعني أن أكون على هامش ما يحدث في العالم، نحن جزء من الإنسانية نتفاعل أخذا وعطاء مع مختلف التجارب. هويتك كسينمائي خليجي هل تعطي طابعا خليجيا لأفلامك؟ - المبدأ أن المخرج قاص، المهم أن يتقن سرد الحكاية بلغة سينمائية جيدة ليس مهمّا ما هي الحكاية وأين تدور وبأي لغة، أنا مؤمن بهذا . يمكنني كمخرج أن أقدم قصة تونسية تحدث في تونس، بطبيعة الحال يحبذ ألا تكون مغرقة في المحلية ولكني كسينمائي قادر على تقديم أي قصة في أي بلد في العالم، أنا أنظر إلى السينما من هذه الزاوية. هل أنت مطلع على السينما التونسية؟ - هي فكرة بسيطة لأننا في العالم العربي نعاني مشكلة أساسية هي التوزيع. نحن بصدد تجاوز مشاكل الإنتاج بفضل العناد والإصرار، نجحنا في صناعة أفلام عربية أما التوزيع فهو معضلة حقيقية وبقيت المهرجانات هي السبيل الوحيد للتعرف على سينماءات الدول العربية، المشكل أن جمهور المهرجانات محدود. كنت أتوقع قبل مشاهدة فيلمك «ظل البحر» أن تكون أجواء الفيلم عن الإمارات العصرية ولكني فوجئت بتقديمك لمناخ تقليدي وبيئة قديمة؟ - أنا قدمت فيلما مختلفا عن الصورة النمطية المرتبطة بالإمارات «فلوس وبترول وناطحات سحاب».. وهي صورة قد تكون جيدة ولكنها ليست الصورة الوحيدة عن الإمارات وأنا أتضايق كثيرا عندما أجد أن هذه الفكرة هي التي تختزل بلادي عند الآخرين وأكثر ما يزعجني أن بعض الإماراتيين لا يعرفون أنه توجد أماكن تقليدية في وطنهم وهذه مشكلة حقيقية فالإمارات فيها تنوع كبير وحيوات كثيرة جدا من حقها أن تأخذ نصيبها من رواياتنا وحكاياتنا. هل تتوفر في الإمارات الكفاءات التقنية والممثلون لإنجاز أفلامكم؟ - الصعوبات كثيرة والطاقات متوفرة ولكن بشكل محدود عدديا، أنا مثلا اضطررت لجلب مصورين من الخارج لأننا نفتقر إلى خبرة الأفلام الطويلة لا خبرة الإعلانات أو المسلسلات التلفزيونية. رغم صغر سنك تعددت تجاربك فقد اشتغلت كممثل وكاتب فكرة ومصور فوتوغرافي ومصمم تترات، هل استقر رأيك على الإخراج في النهاية؟ - أنا سعيد لأني أتحدث إلى صحفي يعرفني ومطلع على تجربتي ، هناك أشياء قمت بها لأننا كنا في بداياتنا كأبناء جيل واحد نساعد بعضنا البعض في أفلامنا، كنا نقوم بأدوار ليست في الأصل أدوارنا ، سنة 2004 كنت ممثلا في فيلم طويل لأحد أصدقائي ولم يكن عدد فريق العمل يتجاوز السبعة، أما مهنتي الأصلية فهي ممثل ومخرج سينمائي فقط، أنا مثلت وكتبت بعض أفلامي ولكني لست كاتبا ورغم ما يقوله لي بعض الأصدقاء أني كاتب ناجح فربما أفاجئك بأني أرغب في التوقف عن الكتابة بشكل نهائي. هل من الوارد ان تتولى رئاسة مهرجان ابو ظبي؟ - ليس واردا بتاتا ، لا يدور بخلدي مطلقا ان اشغل خطة إدارية ولاتهمني مثل هذه المسؤوليات. هل تعتقد أن علي الجابري قادر على النجاح كأول مدير إماراتي لمهرجان ابو ظبي؟ - نحن في الإمارات بصدد خلق شيء من لاشيء في ما يتعلق بصناعة السينما ولكننا نواجه ايضا مجتمعا جله لا يعي معنى ان تكون سينمائيا وما هي السينما أصلا حين بدأنا لم يكن أحد يفهم معنى فيلم قصير كما أن الإعلام لم يكن يأبه بنا، فالجهود موزعة على كل هذه المجالات، أنا إشتغلت في ثلاثة مهرجانات حين كنت موظفا لكني لم أنس يوما أن هدفي الأساسي هو أن أكون مخرجا سينمائيا وأصنع أفلاما ولذلك لم أستمر في الإدارة ، وعلي الجابري خاض نفس التجربة كإبن جيل واحد، وأعتقد أنه يدرك مقتضيات المرحلة وما تتطلبه ومادام هو رأى في نفسه القدرة على أن يفيد في جانب الإدارة فهو أدرى بإمكاناته وهو مؤمن بمستقبل السينما في الإمارات ويبذل مجهودا طيبا في سنته الأولى على رأس المهرجان. كانت مسابقة أفلام الإمارات مستقلة بنفسها ثم أدمجت في مهرجان أبو ظبي فكيف ترى مستقبل هذه المسابقة؟ - علاقتنا بهذه المسابقة كانت علاقة خاصة جدا إلى غاية سنة 2007 تاريخ إدماجها في مهرجان أبو ظبي. هل تشعر بأنه تم اختطاف هذه المسابقة بإدماجها في مهرجان كبير؟ - لا أريد أن أقول هذا ، أقول فقط إن علاقتنا بمسابقة أفلام الإمارات انتهت عاطفيا سنة 2007، مشاعرنا بالمسابقة تغيرت منذ ذلك التاريخ ، نحن في النهاية فخورون بما حققته المسابقة ورأيي أنه كان من الأفضل أن تستمر المسابقة مستقلة على الأقل للتاريخ. ما هو فيلمك القادم؟ - أمامي أكثر من سيناريو لكتاب مختلفين ولكن علينا أن نتدبر مسألة التمويل. هل تواجه مشكل تمويل أفلامك رغم الاحتفاء الواضح بك في الإمارات؟ - أريد تجاوز الحديث عن الأفراد إلى الحديث عن المبادئ والأفكار العامة هناك غياب لشركات الإنتاج التي تضمن استمرارية الإنتاج السينمائي على مدار العام، هناك رغبة عند بعض الجهات ولكن واقعيا لا شيء يضمن إنتاج فيلم إماراتي سنويا وأنا أستغرب من الذين يتحدثون عن صناعة سينما في الإمارات ، والحال أن الحد الأدنى غير مضمون الوضع غير مستقر ماديا والغريب أنه عربيا ودوليا ينظر إلينا على أننا عندنا فلوس ولا نحتاج كسينمائيين إلى الدعم ويظنون أننا مدللون ولا يصدقون انه قد نضطر للإقتراض لننجز أفلامنا، ربما نجحنا في تجاوز مشكلة تمويل الأفلام القصيرة لتعدد الجهات الداعمة ولكن مشكلة تمويل الفيلم الطويل في العالم العربي مازالت قائمة وهذا ينطبق على الإمارات في غياب مؤسسات إنتاجية. هل سيكون فيلمك القادم جاهزا لمهرجان ابو ظبي 2013؟ - السؤال يوجه إلى المنتج ، ولكني أتمنى ذلك. هل ستكون مشاركا في أيام قرطاج السينمائية؟ - أنتظر بالفعل دعوة من الأيام، ويشرفني أن أكون في تونس.