ياسين ابراهيم سياسي ورجل أعمال تونسي فرنسي شغل سابقا منصب امين عام حزب «آفاق تونس» ووزير النقل والتجهيز في تونس. عين وزيرا للنقل في حكومة محمد الغنوشي ثم قدم استقالته من منصبه في 17 جوان 2011 ليتفرغ للعمل السياسي. اليوم يشغل ياسين ابراهيم منصب الأمين التنفيذي للحزب الجمهوري. «التونسية» التقته في حوار تطرق فيه الى موقفه من الحراك السياسي بالبلاد واحداث تطاوين وقضية العنف السياسي والتطرف الى جانب موضوع ملفات الفساد صلب وزارة النقل سيما أنه على اطلاع بكافة دواليب هذه الوزارة. بداية ماهو تعليقكم على مقتل عضو من «نداء تونس» في تطاوين والى مدى يمكن الحديث عن تفشي ظاهرة العنف السياسي؟ ما حدث بتطاوين نوع من التصعيد وكنا قد اعربنا عن تخوفنا من انتشار ظاهرة العنف السياسي في الفترة الأخيرة. وللإشارة فإن مظاهر العنف انتشرت في الخطاب السياسي على غرار الاقصاء والتهميش وهو ما يساهم في تكريس التشنج على الساحة السياسية. أما بالنسبة للجان حماية الثورة فإني أستغرب مواصلة عملها الى حد الآن وأتساءل عن سبب وجودها ما دامت الشرعية قائمة فنحن لسنا بحاجة الى هذه اللجان والرابطات ولا يمكن تشبيهها الا بالمليشيات (لجان حماية الثورة). أما في ما يتعلق بظاهرة العنف السياسي فقد آن الأوان لتحديد المسؤوليات في اطار تكريس المسار الانتقالي. ومهما يحصل فإن ما حدث في تطاوين لا يمكن ان نجد له تبريرا ولذلك فإننا طالبنا في عدة مناسبات باستقالة وزير الداخلية، بسبب وجود تأثير سياسي على تسييره وأدائه ويمكن القول ان نجاح المسار الانتقالي يقتضي بالضرورة حياد مؤسسات الدولة وذلك من اجل تأمين نجاح المرحلة الانتقالية، وللأسف فإننا نلاحظ سوء تسيير فظيع في وزارة الداخلية ولنا ان نسوق مثال ما حدث مؤخرا بجامع الفتح وأحداث السفارة الامريكية وغيرها من الأحداث التي شهدتها بلادنا. وخلاصة القول اننا نعيش حالة قلق سياسي. ماذا عن العنف السلفي؟ هناك تيارات سلفية متشددة تمارس العنف لكن يبقى الاشكال قائم الذات وهو هل هناك فعلا ارادة سياسية لمواجهة هذه التيارات المتشددة؟ لو نتحدث قليلا عن الحزب الجمهوري وأهم استعداداته للمرحلة الانتخابية المقبلة؟ بالنسبة للمحطة الانتخابية المقبلة فإن الحزب الجمهوري يسعى الى خدمة المجتمع. ولا بد من الاشارة الى ان شواغل المجتمع ليست سياسية بالاساس وانما اجتماعية على غرار التشغيل وغلاء الاسعار واضطراب مستوى المعيشة لذلك لا يمكن ان نجد حلا لهذه المشاغل الاجتماعية الا من خلال تحريك دواليب الاقتصاد اذ ان 50٪ من الاقتصاد ثقة في المستقبل وإذا غابت هذه الثقة فإن الحزب الجمهوري يركّز كثيرا على البرامج فالانتخابات المقبلة ستكون انتخابات برامج ويمكن الاشارة إلى أن موقع تونس الجغرافي يسمح بتحقيق انجازات كثيرة التي يجب ان يكون للتونسي دورا في تكريسها من خلال التخلي عن عقلية (مسمار في حيط) وامتهان أية وظيفة كانت. إن الحزب الجمهوري يسعى الى تكريس خطاب جدي وتقديم برامج واقعية سواء بالنسبة للاقتصاد او للتشغيل. ماذا عن أداء الحكومة؟ إنّ أداء الحكومة ضعيف وقد أصبحت صورة تونس سيئة سواء في الداخل او الخارج، فهذه الحكومة تريد ان تعوض جهاز الدولة بسرعة غريبة. بالاضافة الى ذلك نلاحظ ان التعيينات اصبحت خاضعة للولاءات وقد أثارت هذه المسألة حفيظة العديد من التونسيين. فطريقة التسيير التي تخضع لمبدإ الانتماء والولاء تخلق نوعا من غياب الثقة بين المواطن والحكومة. وبصفة شاملة يمكن اعتبار اداء الحكومة سيئا كما ان اغلب الاخطاء الفظيعة كانت مرتبطة بوزارات السيادة ولهذا السبب نطالب بتعيين اشخاص مستقلين لهذه الوزارات ولا ينتمون الى أي حزب سياسي حتى نضمن مواصلة المسار الانتقالي على احسن وجه. تحدثتم عن فقدان الثقة بين المواطن والحكومة في حين ان تصريحات بعض الوزراء من حركة «النهضة» جاءت عكس كلامكم ونذكر هنا ما أكده وزير الخارجية مؤخرا «أن التونسي انتخبنا وسينتخبنا من جديد» ما هو تعليقكم؟ هذا رأي نحترمه ولكن يبقى الحكم في نهاية المطاف للشعب التونسي ان الثقة في النفس من الممكن ان تكون إيجابية او سلبية ودورنا كسياسيين هو اقناع التونسي ببرامجنا حتى نكون قوة سياسية قادرة على المنافسة. كيف تقيمون المشهد السياسي الحالي؟ المشهد السياسي الحالي لا يخلو من الايجابيات والسلبيات بالنسبة للنقاط الايجابية فإنه يمكن القول إن نصاب الشمل السياسي اكتمل اذ نلاحظ وجود جبهة شعبية تضم اليسار الأقصى وأحزاب سلفية (اليمين الأقصى) بالاضافة الى احزاب وسطية على غرار الحزب الجمهوري الذي ضمن 9 أحزاب و15 قائمة مستقلة و25 شخصية سياسية، وكذلك «نداء تونس» بالإضافة الى «المؤتمر» و «التكتل» وحزب حركة «النهضة». ويمكن القول ان الصورة اتضحت للمواطن التونسي من خلال هذه الاتجاهات كما ان المرحلة المقبلة تفرض بروز موازين قوى سياسية حتى تخول للتونسي امكانية اختيار البديل. أما بالنسبة للنقطة السلبية فتتمثل في انتشار العنف السياسي من خلال الاقصاء ورفض الحوار ورفض تشريك الأحزاب في اتخاذ القرار السياسي ويمكن القول انه لا يمكن بناء مسار ديمقراطي بهذا الشكل. اما بالنسبة لموضوع العدالة الانتقالية فإننا وللأسف نلاحظ توظيفا سياسيا لهذا الجهاز اذ نرى ان المحاسبة تقتصر على فئة من الاشخاص دون آخرين. هل تعتبرون ان إضراب قطاع الإعلام ناجح؟ فعلا ناجح جدا، اذ لاحظنا حضورا دوليا وشخصيات سياسية عديدة ويمكن القول انه لدينا اعلام يؤدي واجبه على الوجه الأكمل. إن الإعلام كان يخدم السلطة في العهد السابق ثم انقلب على السلطة وهو أمر طبيعي وللإشارة فإننا لاحظنا محاولات للسيطرة على الإعلام من خلال الرغبة في توجيه شريط الأنباء وتخصيص وقت كبير للحديث عن الأداء الحكومي وهو أمر مرفوض لا بد من تفاديه. ويمكن القول ان حرية الإعلام والتعبير مكسب من مكاسب الثورة لا بد من المحافظة عليه والدفاع عنه. كما أن الإضراب الذي نفذه الصحفيون يعتبر حدثا تاريخيا وفي غياب استقلالية وحيادية السلطة الرابعة لا يمكن الحديث عن الديمقراطية. تزامن الإضراب مع الإعلان عن بعث قناة تلفزية حكومية ماهو تعليقكم؟ من حق الحكومة بعث قناة سواء حكومية او وزارية ويبقى ذلك في نهاية المطاف مجرد اختيار. هناك من اعتبر أن تغيّب بعض الأطراف عن اجتماع الحوار الوطني الذي جاء تكريسا لمبادرة الاتحاد يعدّ من باب ممارسة النفاق السياسي ما هو تعليقكم؟ هذه وجهة نظر ويمكن هنا التذكير بأن الوفاق الوطني غير ممكن مادامت هناك ممارسات تكرّس الاقصاء والاستبداد والتهميش. ألا تلاحظون بطءا في فتح بعض الملفات؟ فعلا نلاحظ بطءا كبيرا في فتح بعض الملفات سيّما المرتبطة بالأحداث الأخيرة. برأيكم هل ان ميزانية الدولة قادرة على تحقيق نسبة نمو اقتصادي يتماشى وأوضاع البلاد الحالية؟ إنّ الميزانية مجرد حبر على ورق اذ أنه ليس بإمكاننا تحقيق نسبة نمو تقدر ب26٪ في ميزانية الدولة. هل أنتم متخوفون من المستقبل؟ فعلا خوفي كل الخوف ان تؤثر احداث 14 سبتمبر 2012 (حرق السفارة الامريكية) على مجريات الأحداث المقبلة (2013) لأن أمريكا لن تتسامح مع ما حدث لسفارتها بتونس بالاضافة الى حرق المدرسة ونهب معداتها. إن كل هذه «الفواتير» سنسددها سنة 2013 وبالتالي يمكن القول إننا سنشهد حالة اقتصادية واجتماعية أسوأ من التي نحن عليها اليوم فنحن «طايحين في حفرة وباش نزيدو نغرقو». ونحن نعوّل على وعي المواطن التونسي في الانتخابات المقبلة الذي يجب أن يثق جيدا في الحزب الذي سيختاره. لو نتطرق الى أداء وزير النقل ولماذا تأخر فتح ملفات الفساد صلب هذه الوزارة حسب رأيك؟ فعلا ان الفساد ينخر قطاع النقل كالعديد من القطاعات ولكن هذا لا يمنعنا من القول ان هذا القطاع يحتوي على ملفات فساد عديدة ولنا ان نسوق مثال ميناء رادس حيث عاينّا خلال ترؤسنا لهذه الوزارة مواطن خلل عديدة ورصدنا كذلك 17 بؤرة فساد ورشوة والدليل على ذلك طول مدة مكوث البواخر بالموانئ ومع امتداد ساعات توقف البواخر فإن مئات الملايين تتبخر ونفقدها وهو ما يؤثر على المنظومة الاقتصادية ولهذه الأسباب لا بد من مقاومة الفساد والقضاء عليه. اما بالنسبة لأداء وزير النقل فأنه ليس لديّ تقييم دقيق لأدائه ويمكن القول ان القضاء على الفساد يتطلب الكثير من الوقت بل سنوات طويلة. بالنسبة لملف العدالة الانتقالية ماهو موقفكم من كيفية التعاطي معه؟ لا بدّ من مصارحة الشعب بكل الحقائق ونقترح في هذا الصدد هيئة تعنى بملف العدالة الانتقالية. على ضوء الحراك الحاصل على الساحة السياسية ماهي السيناريوهات المحتملة خلال المرحلة القادمة؟ لتجنب كل صدام او توتر على الساحة السياسية لا بد من تكليف شخصيات مستقلة بتسيير وزارات السيادة من اجل ضمان الاستقرار السياسي وينبغي التأكيد في الختام على ضرورة تحديد روزنامة سياسية واضحة من اجل انجاح هذه المرحلة اذ لا يمكن انجاح هذه المرحلة بممارسة العنف والتطرف وتسييس المساجد. ونودّ ان نشير الى ان تحديد التواريخ من شأنه أن يثبت الطمأنة في قلوب التونسيين وكذلك يخلق نوعا من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.