من خلال أغلب العارفين بالشأن السياسي، يبدو أن هناك تغييرا سيحدث في سياسة الحكومة وإدارتها للمرحلة القادمة، صحيح أن التغيير لن يكون كبيرا أو جوهريا لكنه سيكون في إتجاه مزيد الانفتاح على اللآخر وتشريك طرفي «الترويكا» اللذين تم تغييبهما في عديد القرارات الهامة والمصيرية، وحسب بعض الملاحظين فإن «النهضة» بدأت تستشعر أهمية كسب ود شريكيها في الحكم ومخاطر تفردها بالسلطة خاصة أمام الحديث عن نهاية «الترويكا» وتصدع الائتلاف الحاكم. والمتأمل في أغلب تصريحات المنتمين للحزب الحاكم، يلاحظ أن «النهضة» ضاقت ذرعا بالانتقادات التي ما فتئت توجه إليها من جميع الأطراف وبدأت تستشعر مخاطر «إنسحاب» أحد شركائها في الحكم...حيث أكدّ «حسين الجزيري» كاتب الدولة للهجرة أن عديد التناقضات تتحمل تبعاتها حركة النهضة مبينا انها تتحمل مسؤوليتها «لكن على كل طرف تحالف مع «النهضة» او معارض لها تحمل مسؤوليته» ولم يخف بداية نفاد صبر «أعضاء» حركة النهضة من النقد الموجه لهم خاصة من أقرب الناس لهم . وقد زادت حدة الانتقادات في ظل تفاقم بعض الظواهر التي وصلت إلى حد لا يطاق كعنف المتطرفين وبعض المنتمين للسلفية مثلما حدث في دوار هيشر، وبعد التهجم والإعتداء على بعض الوجوه مثل قضية مقتل لطفي نقض رئيس الإتحاد الجهوي للفلاحة بتطاوين. ومما لا شك فيه أنه توجد خلافات جوهرية وصراعات كبيرة قد يصل بعضها إلى ذروة الغضب فيثور الرئيس وينتقد ويهاجم شركاءه في عقر داره أثناء مؤتمرحزبه، وقد يصل الأمر إلى حد تهديد المؤتمر بالإنسحاب من «الترويكا» لأنه يعتبر أن «النهضة» استفردت بالحكم ولم تقم باستشارة شريكيها في الحكم في عديد القرارات والإجراءات ف «محمد عبو» قال في أحد تصريحاته أن حزبه لا يمكن أن يتحمل مسؤولية القرارات التي تؤخذ وهو ما قد يدفع «المؤتمر» لمغادرة «الترويكا» وهي تصريحات خطيرة تكشف عن عدم رضا شريكي «النهضة» بالأداء الحال، وقد بدأ الحديث عن السيناريوهات والتبعات المحتملة لمثل هذا القرار وما قد ينجر عنه خاصة، ولولا «التصويت» الذي رجح في لقائه الأخير بقاء المؤتمر في الترويكا بشروط... (لا تزال غير معلومة)، لكان «الانسحاب» المدوي أو القشة التي ستقسم ظهر البعير. لكن أمام ما يعرف بسياسة التنازلات سواء من الطرف الحكومي أو أحد شركائه في الحكم تمت إعادة «ترتيب البيت» تجنبا للتصدع حيث ان المشاورات الأخيرة بين الأطراف الحكومية قد أفضت إلى الاقتناع بضرورة القيام بتحوير وزاري وإحداث تغييرات أساسية في طريقة تسيير شؤون الدولة وهو الطلب الذي ركز عليه «المؤتمر» وقرر البقاء في «الترويكا» بشروط . ومما لا شك فيه أن «حزب التكتل» بدوره كان يدفع في إتجاه التسريع في إحداث الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال وهو الذي ركز في أحد لقاءاته المنتظمة تحت عنوان «إصلاح قطاع الاعلام في المشروع المجتمعي للتكتل»، على أولوية ضمان اعلام حر ومسؤول قبل تجسيد التعددية السياسية. دون أن ننسى أن «مصطفى بن جعفر» رئيس المجلس الوطني التأسيسي هدد بالإنسحاب من «الترويكا» في صورة تجاوز «النهضة» للخطوط الحمراء وتمسكها بما لا يخدم الديمقراطية. ولسائل أن يسأل، هل أن ضغوطات الشريكين في الحكم وبالأخص «المؤتمر» هي التي دفعت الحكومة إلى تعديل أوتارها أم أنّها اقتنعت أخيرا بضرورة إجراء بعض التعديلات حتى في تعاملها مع معارضيها ممّن بحت أصواتهم من أجل هذه اللحظة التاريخية؟ ثم هل اقتنعت «النهضة» أخيرا بضرورة تطوير أدائها؟ وهل بدأت تستشعر أن المرحلة والأوضاع الحالية دقيقة جدا ولا تحمل مزيد التأزم؟ يبدو أن أسباب التنازل والقبول بإجراء تحوير وزاري أو تغييرات في إدارة المرحلة القادمة هي مزيج من هذا وذاك، فالاقتناع الذي بات راسخا لدى «النهضة» ولدى شريكيها في الحكم هو «الخروج» من عنق الزجاجة بأقل الأضرار والبحث عن مزيد التوافق والوفاق حتى ولو كانت بعض القرارات لا ترضي كبرياء هذا الطرف أوذاك، بعيدا عن المشاحنات والانتقادات التي خرج بعضها من جدران البيوت السياسية وبدأت «رائحة» التململ تفوح من كواليس المطبخ السياسي. فهل ينجح الائتلاف الحاكم في الائتلاف مجددا أم أن قدر الائتلاف أن لا يأتلف؟