ذكرت مصادر مطّلعة ل»الشروق» أمس أنّ التوجّه العام لدى رئيس الحكومة هو العدول عن فكرة التحوير الوزاري في الفترة الراهنة، وهو توجه أملته اعتبارات ظرفية وكذلك صعوبة الحصول على شركاء جدد. ما يزال الرأي العام ومتابعو الشأن السياسي يتداولون انتظاراتهم وتوقعاتهم بخصوص التحوير الوزاري الّذي بقي الحديث عنه محافظا على نفس الوهج ونفس البريق منذ أشهر وخاصة في أعقاب المؤتمر التاسع لحركة النهضة حينما أشار زعيم النهضة الأستاذ راشد الغنوشي إلى ضرورة العمل من أجل توسيع الإئتلاف الحاكم بما يعنيه ذلك من توزيع لحقائب وزارية لشركاء جدد مفترضين، بالإضافة إلى أنّ رئيس الحكومة المهندس حمادي الجبالي نفسه قد لمّح في أكثر من مناسبة عن وجود تحوير وزاري مرتقب.
لكن المتابعين للنشاط الحكومي وليسر دواليب الدولة أصبحوا مع طول المدّة يستبعدون أن يُقدم رئيس الحكومة على عرض تشكيلة حكوميّة جديدة على أنظار مصادقة المجلس الوطني التأسيسي مثلما ينصّ على ذلك القانون المؤقت المنظم للسلط العموميّة.
توقيت وظرفية
وفي قراءة لتوقيت عرض مقترح التحوير الوزاري يُمكن ملاحظة أنّه جاء في تزامن مع المؤتمر التاسع لحركة النهضة بما يعني ارتباطه بحدث حزبي لافت وهو ربّما ما يُمكن أن يكون قد منح الحديث عن التحوير كلّ ذلك الاهتمام والانتشار، ولكن الحديث عن التحوير الوزاري جاء في قالب سياسي تضمّن أساسا تعبيرا عن الرغبة في توسيع الإئتلاف الحاكم أي الترويكا...فهل بسقوط مساعي توسيع الإئتلاف الحاكم يسقط التحوير الوزاري؟.
أخبار المشاورات بين أطراف الترويكا وبقية أطياف المعارضة لم تكن متواترة بل كانت شحيحة ولم يصدر منها الشيء الكثير بل كان الطاغي في التصريحات الرسميّة للمعارضة هو النفي واستبعاد إمكانية الالتحاق بالترويكا كما أنّ أطراف الحكومة لم تفصح عن أشياء عمليّة في ذلك الحوار.
وبحسب متابعين لمسار الحديث عن التحوير الوزاري المنتظر، فإنّ الترويكا الحاكمة وأساسا طرفها القوي أي حركة النهضة كانت مستعدة للتنازل عن بعض الحقائب الوزاريّة في حال توفّر شركاء جدد، وفي هذا الصدد كانت كواليس السياسيين قد تداولت «أنباء» عن تعيينات لوزراء جدد ثبت في ما بعد أنّها عارية عن الصحّة بعد أن نفى المعنيون بها أيّة واقعية لما يروّج، كما أنّ وزير التجارة الّذي لاحقته الاستقالة أو الإقالة لفترة طويلة اضطرّ في النهاية ليصدر بيانا يكذّب فيه أيّة نيّة لم لتقديم الاستقالة وأنّه يواظب على القيام بمهامه ضمن حكومة السيّد حمادي الجبالي.
لكن الأمر استقرّ في النهاية إلى أن يكون مجرّد حبل لبالونات اختبار ( وهي بطبيعتها كاذبة) في هذا الاتجاه أو ذاك ومن أطراف متعدّدة بل تعدّى أمر الإشاعات أو بالونات الاختبار إلى تسريب إشاعة تولّي السيّد علي العريّض وزير الداخلية رئاسة الحكومة خلافا للسيّد الجبالي وهو الأمر الّذي نفاه الوزير في حينه على صفحة الوزارة على شبكات التواصل الاجتماعي.
أنفاس جديدة
على الرغم من أنّ البعض يرى أنّ التحوير الوزاري قد يعطي الحكومة بعض الأنفاس الجديدة ويضخّ العمل الحكومي باستراتيجيات ورؤى مغايرة لما هو سائد إلاّ أنّ مقربين من الحكومة بدأوا يتهامسون حول عدم جدوى إقرار تحوير وزاري واسع بالنظر إلى ضغط الوقت وأيضا بالنظر إلى أنّ المسألة ليست في الأشخاص بل في تعقّد الملفات والأوضاع التي تعيشها البلاد هذا إلى جانب فشل توسيع التحالف الحاكم وإيجاد شركاء جدد.
ولكن تبقى العديد من المؤشرات دافعة إلى إمكانية انتظار تحوير وزاري طفيف، فقط، يقوم على أساس سدّ الشغور في منصبي الوزيرين المستقيلين أي عبّو والديماسي، من ذلك تعيين كاتب الدولة للمالية سليم بسباس وزير مالية بالنيابة بعد استقالة الوزير حسين الديماسي بما يعني أنّ التحوير ليس أولويّة عاجلة وقد يكون مسألة مؤجّلة فقد تمّ سدّ الشغور في أحد أهم المناصب الحكوميّة أي وزارة المالية بأحد أبرز معاونيه إن لم يكن أبرزهم وهو المعروف بسعة اطلاعه وتكوينه المالي والقانوني والجبائي الواسع.. كما اعتبر المتابعون أن ذكر اسمي وزيرة البيئة ووزير التشغيل خلال اللقاء التلفزي الأخير لرئيس الحكومة وطريقة الحديث عنهما قد تكون أوحت للمشاهدين بوجود عدم رضى عنهما لدى رئيس الحكومة.
شيئا فشيئا إذن يخبو بريق «التحوير الوزاري» الواسع بسبب غياب مرتكزاته السياسيّة في توسيع دائرة الحكم ليحلّ محلّه انتظار بسيط لسدّ الشغور بصفة رسميّة في حقيبتي المالية والوظيفة العموميّة والإصلاح الإداري وذلك بعد أن تمّ تعيين محافظ جديد للبنك المركزي.