بعد «شركة النقل» قريبا التفويت في «كييا» للسيارات مؤسسة قطر للاتصالات عرضت 800 مليون دينار لشراء نصيب الدولة في «تونيزيانا» والحكومة تطلب ألف مليون دينار. أعلنت الحكومة قبل ثلاثة أيام عن بيعها لنسبة ال13 في المائة التي تمتلكها من رأسمال البنك التونسي بمبلغ 217 مليون دينار لصندوق استثماري أجنبي، وكانت قد أعلنت قبل ذلك عن تفريطها في شركة النقل لمجموعة تونسية بمبلغ 231 مليون دينار تونسي في انتظار استكمال بيع مؤسسات أخرى مصادرة قبل نهاية السنة على الأرجح. ويبدو واضحا أن الحكومة قد حرصت على القيام بعمليات البيع هذه، وبرمجة عمليات أخرى قبل نهاية السنة لسبين اثنين على الأقل، أولهما الإيفاء بالتزامات الميزانية التكميلية لسنة 2012، وكذلك البحث عن موارد إضافية لميزانية 2013 . سد عجز ميزانية 2012 أولا ومعلوم أن الحكومة وظفت في ميزانية 2012 ما قدره 1200 مليون دينار ستتأتى من عمليات بيع بعض المؤسسات المصادرة. وهو مبلغ رصد أساسا لمشاريع تنموية ولمجابهة أعباء الزيادات في الأجور والمنح والترقيات التي حصلت عليها بعض الشرائح العاملة في الوظيفة العمومية. وبعد نجاح الحكومة في جمع ما قدره 450 مليون دينار من عمليتي بيع شركة النقل وحصتها من البنك التونسي، فإنها تعول على بيع حصتها في شركة «تونيزيانا» لتحصيل ال800 مليون دينار المتبقية. وهذا المبلغ تحديدا هو الذي عرضته شركة قطر للاتصالات لشراء «تونيزيانا» وفق ما يتردد من أخبار من أوساط مطلعة. وقد أفادت نفس هذه المصادر العليمة والمطلعة ل«التونسية» أن الحكومة تمسكت بمبلغ 1000 مليون دينار، وأن المفاوضات لا تزال جارية لإتمام هذه الصفقة في أقرب الأوقات، لتكون الحكومة بذلك قد جمعت ال1200 مليون دينار التي رصدتها في ميزانية 2012 تحت هذا العنوان، وحتى أكثر من ذلك. ويرجح أن تذهب الأموال التي ستفوق هذا المبلغ إلى ميزانية 2013 وهو ما يمكن التأكد منه عند عرض أبواب ميزانية 2013 التي لم تخرج بعد تفاصيلها للعموم. البداية بأفضل الشركات ونظرا للالتزامات الاجتماعية والتنموية العديدة للدولة السنة المقبلة، فمن المرجح أن تفرط الدولة قريبا في عدد آخر من الشركات. ويبدو وفق ما علمته «التونسية» أن أول الشركات المرشحة للبيع في أقرب الفترات عدا شركة «تونيزيانا» شركة «كييا» للسيارات. ما يمكن ملاحظته أن الحكومة بدأت ببيع أفضل ما لديها من مؤسسات مصادرة، وأن عوائد عمليات البيع هذه ذهبت أو ستذهب إلى تمويل الميزانية أساسا. والسؤال الذي يطرح من أين ستأتي هذه الحكومة أو التي ستأخذ مكانها، بالأموال التي تعودت جمعها من عمليات التفريط في الشركات بعد بيع أفضل ما لديها.. بعد ميزانية 2013 خاصة وان ميزانيات السنوات المقبلة ستواصل في الارتفاع، وفق كل المؤشرات، واعتمادا على الزيادات في الأجور التي تمت وعلى الانتدابات المعلن عنها للفترة المقبلة في الوظيفة العمومية وهي بالآلاف، وخاصة تمويل مشاريع التنمية والبنية الأساسية في الجهات الداخلية التي ما فتئت تتضاعف فيها الاحتجاجات المطالبة بالتنمية والتشغيل وهي مشاريع غير هينة من حيث الكلفة. بين الظرفي والاستراتيجي التداين سيكون بالطبع أحد الحلول المطروحة....ولكن وبالنظر إلى وضع مديونية تونس اليوم، وخاصة تراجع تصنيفها في مؤسسات الترقيم العالمية من حيث قدرتها على السداد فإن عمليات التداين ستكون مكلفة جدا .. وفي كل الأحوال فإن التداين، ومن ناحية إستراتيجية يجب أن يرصد للتنمية ولخلق الثروات بالدرجة الأولى، وليس لسداد عجز الميزانيات. أما الحل الآخر فيتمثل في توظيف أعباء جبائية جديدة على الأشخاص أو على المؤسسات وإقرار المزيد من التقشف وهو ما يمثل خطرا اجتماعيا له تأثيره على استقرار البلاد. وبالنظر إلى ملامح قانون مالية 2013 التي استعرضها السيد سليم بسباس وزير المالية بالنيابة يوم الثلاثاء الماضي أمام ممثلي وسائل الإعلام، يبدو أن هناك توجها لتجنب توظيف أعباء جديدة على الفئات الضعيفة، وإقرار إتاوات على شرائح أخرى لها قدرات أكبر على الاستهلاك خاصة لما أطلق عليه الوزير صفة المواد الكمالية، من مشروبات كحولية واستهلاك في المطاعم الراقية وعلى المنتجات السياحية وغيرها... ولكن هذا لن يجلب الكثير للدولة بالنظر لتراجع الاستهلاك وتواصل ارتفاع الأسعار... وعموما فإن المطلوب اليوم من هذه الحكومة أو من غيرها أن تكون لها نظرة استراتيجية لحل معضلات العجز في الميزانية والدين والتمويل، وعدم اعتماد حلول ظرفية قد تحل المشاكل آنيا، ولكنها تفاقمها على المدى البعيد، وان تتقاسم كل الشرائح والفئات الأعباء والتضحيات حسب طاقاتها .