قررت الحكومة التونسية بيع أسهم وحصص الشركات المصادرة بعد 14 جانفي 2011 لكن ثم عدد هذه الشركات وما قيمتها المالية الحقيقية وإلى وأين ستصرف الأموال المتأتية من البيع؟ حسب تقارير اللجنة الوطنية للتصرف في الأموال والأسهم والممتلكات الثابتة والمنقولة المعنية بالمصادرة لفائدة الدولة (CNGFBCCE) بلغ عدد المؤسسات التي صادرتها الدولة التونسية والمعنية بالبيع 114 سند ملكية وهو نفس عدد الأشخاص الواردة أسمائهم في قائمة عائلة وأصهار وأتباع وشركاء الرئيس السابق بن علي.
هؤلاء الأشخاص يتصرفون في 568 قيمة ثابتة في شكل عقارات وأراضي و 25 ألف قيمة منقولة و 168 سيارة فاخرة و 7 مراكب بحرية ترفيهية وحسابات بنكية بقيمة 120 مليون دينار وأسهم في عديد الشركات دون إعتبار بقية الممتلكات والحسابات البنكية التي لم تتمكن هيئة المصادرة من الوصول إليها.
وإن لم تتمكن الدولة إلى حدّ الآن من تحديد القيمة المالية لهذه الممتلكات فإن عديد الخبراء الماليين يعتقدون أن الدولة يمكن أن تجني أرباحا بقيمة 4 مليار دينار تونسي بعد سداد ديون تلك الشركات وتسوية وضعياتها القانونية والمالية أي أن خزينة الدولة التونسية ستنتعش بما يعادل خمس ميزانية الدولة وهي سيولة نقدية قادرة على امتصاص العجز في ذات الميزانية والمقدر الى حد الآن ب 6 ٪ بقي أنه والى حد الآن لا أحد في تونس بإمكانه التكهن، بالقنوات التي ستصرف فيها هذه الأموال ناهيك وأن أعلى هرم السلطة الجديدة في تونس تحدث على لسان مسؤوليه في كل شيء إلا في الإستعمالات المرتقبة لهذه الأموال المتأتية من بيع الممتلكات المصادرة.
هذه المعطيات كانت سببا مباشرا في بروز عديد التخمينات لدى خبراء الاقتصاد في تونس حول وجهة الأرباح التي ستجنيها الدولة من بيع الممتلكات المصادرة والتي تزمع بيعها في القريب العاجل بل وقد شرعت في ذلك منذ شهر ماي الماضي لما عرضت للبيع بثكنة العوينة بتونس العاصمة أكثر من 150 سيارة فاخرة في بتة عمومية لم يعلن على نتائجها الى حد الآن الى ذلك لازال الأمل قائما لدى شرائح عديدة من الشعب التونسي في رؤية الأموال المتأتية من بيع الممتلكات المصادرة تذهب الى التنمية الجهوية والى التشغيل وهي مطالب انبثقت من رحم الثورة التي اندلعت أساسا بسبب الفقر في الجهات الداخلية واستفحال البطالة في صفوف الشباب.
وحسب عديد المختصين فإن مبلغ 4 مليار دينار قادر على خلق أقطاب صناعية كبرى في كل من جهات الوسط الغربي والشمال الغربي والجنوب الغربي بإمكانها تشغيل آلاف المعطلين عن العمل بل وتأمين مداخيل قياسية للدولة وهو رأي يتعارض مع بعض المعلومات التي بدأت تتسرب حول نيّة الحكومة في تخصيص جزء من هذه الأموال لتمويل مشاريع أخرى بعيدة كل البعد عن التنمية الجهوية والتشغيل.
هذه التسريبات تتمحور أساسا حول تمويل الصندوق الذي تزمع الحكومة إنشاءه لتعويض المساجين السياسيين في فترة حكم الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وبن علي وإن صحت هذه المعلومات فإن أكثر من مليار دينار وهو المبلغ الذي استقال من أجله وزير المالية السابق السيد حسين الديماسي سوف تصرف لتعويض الأشخاص الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن بسبب مواقفهم السياسية ونضالاتهم منذ الاستقلال وبلغة الأرقام فإن ربع الأرباح التي ستحققها خزينة الدولة من عملية بيع الممتلكات المصادرة ستذهب في شكل تعويضات في ذات السياق يرى عديد المراقبين الاقتصاديين أن الحكومة الحالية مطالبة في خلال شهرين بتوفير مبلغ هام تتراوح قيمته بين 400 و 600 مليون دينار لتمويل عمليات الزيادة في الأجور التي اتفقت عليها خلال مفاوضاتها مع الاتحاد العام التونسي للشغل كما أنها مطالبة بتوفير 100 مليون دينار لخلاص أجور عملة الحضائر الذين أصبحوا يشكلون عبئا سياسيا واجتماعيا على الحكومة الحالية وما الأحداث الأخيرة التي شهدتها ولاية سيدي بوزيد الا دليلا على ذلك هذا ويبلغ عمال الحضائر في تونس أكثر من 50 ألف عامل موزعين على كافة ولايات الجمهورية بمرتب شهري قدره 120 دينار.
هذه العمليات الثلاثة أي تعويض المساجين السياسين وتمويل الزيادة في الأجور وخلاص مرتبات عمال الحضائر تمثل لوحدها أقل بقليل من نصف الأموال المتأتية من بيع الممتلكات المصادرة أي ما ستوفره عملية بيع (حصة الدولة) في شركتي تونيزيانا والنقل المملوكة في جزء منها لكل من صهر الرئيس السابق صخر الماطري ورجل الأعمال التونسي حمدي المدب وهو ما يفسر ربما تعجيل الحكومة في طرح أسهم هذه الشركات للبيع حتي تجد السيولة اللازمة لتمويل عملية التعويضات والزيادة في الأجور وخلاص مرتبات عمال الحضائر.