منذ إقامتها خارج الوطن، حرصت الفنانة عبير النصراوي على الوصل مع الأرض التي أنجبتها بشكل فني يعكس رؤيتها الخاصة للموسيقى. وهاهي بعد أن أصدرت ألبومها الأول هايمة باللهجة التونسية الصميمة وبروح موسيقية عالمية، وبعد أن قدّمت عرضها "تانجو عربي" الذي سيتم تسجيله في مطلع العام المقبل، ستطل على محبيها مجددا بأغنية تكرم علما من أعلام الغناء التونسي الملتزم هو الراحل الهادي قلة واختارت أشهر أغانيه "بابور زمر" لما مثتله في فترة رؤيتها النور سنة 1974 ولما تمثله اليوم أمام ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تدفع شبابا يانع العمر إلى ركوب قوارب الموت طمعا في حياة أفضل أو في الحياة بكل بساطة. أما عن أسباب اختيار هذه الأغنية فتؤكد عبير أن رحيل الهادي قلة آلمها كثيرا هي التي عرفته واستضافته في برنامجها بإذاعة مونت كارلو الدولية بباريس وكرمته وسلطت الضوء على مشواره الفني الشائك وكان لها معه تبادل فكري راق. في هذا اللقاء الإذاعي، تعرفت عبير عن قرب على قصة أغنية "بابور زمر" وتأثرت بها كثيرا وراودتها فكرة غنائها لكن ذلك تزامن مع صدور ألبومها العام الماضي فتأجل المشروع وقتها وعادت الفكرة بعد رحيل الهادي قلة معبرة عن رغبة في تكريمه واستعجلت تنفيذها مؤخراً تلك الكارثة البشرية التي شهدت وفاة عدد كبير من الشبان التونسيين غرقا، شبان لازالت أمهاتهم تبكيهم بحرقة وأسى المفارق الذي لم تمهله الأقدار لحظة وداع أخيرة... أغنية بابور زمر تطل إذن على المستمع التونسي بعد أيام قليلة في حلة موسيقية جديدة وتصور فني بإمضاء عازف العود والموزع أحمد الجبالي، فنان تونسي وطالب في المرحلة الثالثة في العلوم الموسيقية بباريس وليس هذا أول عمل يجمع الاثنين فقد لحن لها من قبل أغنيتها "حرية " التي كتبت نصها بنفسها كما يشرف على الإدارة الفنية لحفلاتها. تم تسجيل بابور زمر في باريس ورافقها فيها، إضافة إلى عود أحمد الجبالي، موسيقيون فرنسيون هم نفسهم الذين شاركوا في العمل على أغاني ألبومها ويأتي هذا ضمن حرصها على إعطاء بعد عالمي لموسيقاها. تهدي عبير النصراوي هذه الأغنية للإذاعات التونسية إيمانا بأن نجاح الفنان ينطلق من بلده الأم لكنها تنوي في مرحلة لاحقة إيصالها إلى المستمع العربي خاصة وأن بعض الإذاعات في الأردن والجزائر وفلسطين والسودان عبرت عن رغبتها في الحصول عليها، هذا فضلا عن بعض الإذاعات الفرنسية. مرة أخرى تثبت عبير أنها من سفراء تونس الغيورين على ثقافتهم الحريصين على تقديمها في أبهى أشكالها. ومرة أخرى تثبت لنا أنها وفية لما عوّدت عليه جمهورها من التزام بالكلمة البليغة واللحن المتميز. أخيرا يلحّ علي سؤال موجّه للمعنيين بالأمر من مسؤولين ومنظمين، متى نرى عبير النصراوي في مهرجاناتنا وهي الأوْلى من حيث قيمتها الفنية وتقديهما المتواصل للجديد ؟! نضيف على ذلك تشوق الكثير من محبيها إلى رؤيتها أكثر على المسارح التونسية.