أصدر قسم الدراسات والتوثيق التابع للاتحاد العام التونسي للشغل قراءة أولية في مشروع قانون المالية 2013 بعنوان «أين الثورة من ميزانية 2013؟» حصلت «التونسية» على نسخة منها جاء فيها: يعبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن استيائه من تعمد الحكومة المؤقتة عدم مده بمشروع الميزان الاقتصادي وقانون المالية لسنة 2013 والإصرار على عدم إشراكه في اقتراح التصورات الإستراتيجية وتمكينه من إبداء الرأي حول إعداد قانون المالية 2013 باعتباره شريكا اجتماعيا وطرفا أساسيا في الحوار الاجتماعي. وعلى الرغم من ذلك فان الاتحاد العام التونسي للشغل من منطلق مسؤولياته وحرصه على مصلحة البلاد فانه توصل بنسخة من مشروع الميزان الاقتصادي وقانون المالية 2013 وقام بصياغة الملاحظات الأولية التالية : ملاحظات جوهرية 1- يتضح من خلال قانون المالية والميزان الاقتصادي ان هدف الحكومة كان بالأساس الحفاظ على التوازنات الاقتصادية العامة دون ضبط خطة تنموية واضحة ودقيقة لتحقيق استحقاقات الثورة والاستجابة لتطلعات الشعب وانتظاراته. إذ لا معنى للحفاظ على التوازنات الاقتصادية في ظل تعدد الاستحقاقات الاجتماعية التي تتطلب اقرار خطة واضحة وروزنامة محددة لتلبيتها. ويجدد الاتحاد تأكيده بأن خيار المحافظة على التوازنات الاقتصادية لن يمكن من تحسين المناخين الاجتماعي والاقتصادي خاصة بعد ان ثبت فشل هذا التمشي الذي اعتمدته الحكومة المؤقتة في الميزانية السابقة (2012) وتجاهلت اولويات العمل التنموي. ويشدد الاتحاد على «ان الوضع الراهن والتوازنات الاقتصادية الحالية تسمح للحكومة بإقرار اعتمادات اضافية محترمة توظف للاستحقاقات الهامة والعاجلة وفي مقدمتها التشغيل والتنمية الجهوية وذلك في اطار توجهات واضحة تقوم على التقليص التدريجي للعجز الذي سيترتب عن هذه المصاريف خلال السنوات القادمة». كما ينبه الاتحاد الى «ان هامش التحرك سيتقلص خلال السنوات القادمة اذ من المؤكد أن تشهد البلاد خلال سنتي 2013 و2014 صعوبات اقتصادية اكبر». 2- وتجدر الاشارة الى استمرار تغييب الاصلاحات الجدية لدفع الاستثمار وإصلاح النظام الجبائي ما من شأنه أن يحد من امكانات البلاد وقدرتها على تحقيق الانتعاشة الاقتصادية المرجوة وتوفير موارد اضافية للسنوات القادمة وقد سبق وأن حذر الاتحاد العام التونسي للشغل من اعتماد هذا التمشي منذ السنة الفارطة. 3- كما نلاحظ عجز الحكومة الحالية على الإيفاء بالتعهدات التنموية ومواصلة الإصلاحات المعلن عنها بقانون المالية التكميلي لسنة 2012 اذ لم تتجاوز نسبة انجاز المشاريع المبرمجة لسنة 2012 وفي أحسن الحالات 67% وذلك على الرغم من التأكيدات المتكررة من طرف الحكومة على تحسن الوضع الأمني والمناخ الاقتصادي (إقرار بنقص الاحتجاجات الاجتماعية). ويعتبر هذا البطء من العوامل التي أدت الى مزيد من الاحتقان الاجتماعي داخل الجهات المحرومة، وما يحدث الان في بعض الجهات الداخلية «سليانة» ماهو إلا دليل على هذا الفشل. 4- وفي ما يتعلق بالتشغيل فان حجم مواطن الشغل المزمع احداثها تفتقد الى آليات تجسيم جيدة حيث يتواصل الاعتماد على نفس البرامج القديمة والمرممة التي استنفدت فاعليتها ولم يتم تقييم جدواها الى اليوم، كما نلاحظ من جهة أخرى مواصلة الاعتماد على الطريقة الشكلية للتشاور مع الإصرار على تجاهل مقترحات الاتحاد وعدم تشريكه. إن القراءة الاولية للميزان الاقتصادي تبرز مواصلة انتهاج نفس السياسات التنموية القديمة والتقليدية مع اعتماد نفس الخطاب «المتكلس» حيث ستشهد سنة 2013 المحافظة على مستوى منخفض لنسبة الاستثمار اذ لن تتجاوز 22.6% وهو ما يقيم الدليل على غياب رؤية إستراتيجية وسياسة واضحة لدفع الاستثمار العام والخاص والذي سيكون في حدود 46.2% من مجموع الاستثمارات المنتظرة. أما بخصوص استحقاقات الثورة وفي مقدمتها التشغيل فقد اقتصرت الإجراءات المعلن عنها على المواصلة في نفس التمشي القائم على محاولة إصلاح السياسات النشيطة للتشغيل في ظل غياب مجهود واضح لدفع الاستثمار وخلق مواطن الشغل خصوصا في المناطق الداخلية. ومن خلال قراءتنا للميزان الاقتصادي نلاحظ وجود خلط منهجي بين دور سياسات التشغيل كأداة لتعديل اخلالات سوق الشغل وتحسين نسب الادماج ودور الاستثمار في خلق مواطن الشغل. اذ ان خلق مواطن الشغل يعتمد اساسا على الاستثمار وعلى خلق مناخ اقتصادي واجتماعي سليم في حين ان دور السياسات النشيطة يبقى تعديليا أساسا. وباعتبار مشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل في المؤتمر الوطني للتشغيل فقد لاحظنا انه تم تجاهل ما تمخض عن هذا المؤتمر من توصيات مقابل تكليف مجموعة جديدة من الخبراء لبلورة إستراتيجية جديدة، وهو ما يطرح أكثر من تساؤل لدى الأطراف الاجتماعية حول جدية تمشي الحكومة الحالية في معالجة الملفات الوطنية وعلى رأسها ملف التشغيل. في المجال الاجتماعي وبرامج الحد من الفقر نلاحظ غياب التجديد في مقاربة الحكومة لهذا الاشكال خصوصا في ما يتعلق باستهداف الفئات المنتفعة وتطوير البرامج الاجتماعية ويخشى ان تظل هذه السياسات عاجزة عن الارتقاء بهذه الفئات من وضعية الاحاطة الاجتماعية الى الادماج كما نستغرب برمجة انخفاض في نسبة الاستثمارات العمومية المباشرة من الميزانية العامة من 14.2% سنة 2012 الى % 12.9 سنة 2013 مما ينم عن تجاهل للانتظارات المشروعة واستحقاقات التنمية الجهوية من جهة وعن عجز جهاز الدولة عن تدعيم الموارد الذاتية للميزانية وخصوصا في ما يتعلق بمراجعة النظام الجبائي من جهة أخرى. ملاحظات حول قانون المالية: غياب خطة واضحة لتعبئة الموارد ومواصلة نفس الحلول الترقيعية والبحث عن الموارد غير المضمونة اذ كما سبق وأن حذرنا خلال السنة الماضية فان الاعتماد على الموارد غير المضمونة من شأنه أن يعطل انجاز المشاريع وتحقيق الاهداف المنتظرة حيث شهدت سنة 2012 عجز الحكومة على تعبئة 400 مليون دينار كمساهمة طوعية، كما ان العفو الجبائي لم يحقق ارتفاعا في المداخيل. غياب أي نية لدى الحكومة في إعادة النظر في المنظومة الجبائية في سبيل تدعيم الموارد الذاتية وتحقيق العدالة الجبائية والاقتصار على اعلان نوايا حول الاصلاح الجبائي دون تحديد توجهات واضحة وروزنامة محددة، اضافة الى تواصل تأجيل مراجعة النظام الجزافي (التقديري) تعتبر كلها عوامل من شأنها ان تكون لها عواقب وخيمة على التوازنات الاقتصادية خلال السنوات القادمة اذ ان الحكومة قد استنفدت استغلال عدة مجالات لتعبئة الموارد الجبائية ولن يكون بإمكانها مستقبلا توفير الموارد الكافية والإضافية وخاصة مع مواصلة تجاهل اعادة النظر في تمتع عدة فئات مهنية بالنظام الجبائي التقديري وعدم مساهمتها في المجهود الجبائي الوطني. مزيد إثقال كاهل المواطنين وبالأخص الأجراء بالاداءات التي تمس خاصة الطبقة الوسطى في ظل الارتفاع المهول للأسعار ما من شأنه ان يؤدي الى استنزاف المقدرة الشرائية للمواطن والرفع من درجة الاحتقان الاجتماعي وزعزعة الثقة في المستقبل وفي مدى تقبل المجتمع للسياسات الاجتماعية التوزيعية. مواصلة التكتم على تواصل انتفاع الفئات غير المنتجة بالنظام التقديري. وفي ما يتعلق بتعبئة 1000 مليون دينار من الموارد عن طريق الصكوك الاسلامية لتمويل استثمارات عمومية فان الاتحاد ولئن لا يرى مانعا من تنويع مصادر التمويل فانه يؤكد على ضرورة ان توفر هذه الآليات الجديدة شروط ميسرة للبلاد وكلفة منخفضة مقارنة بما توفره مصادر التمويل التقليدية. كما يشدد على ضرورة ان تكون الكلفة معروفة مسبقة ولا تكون متغيرة بما قد يثقل كاهل الدولة مستقبلا.