أياد قذرة قد تكون وراء اتهام الهيئة السابقة للانتخابات القانون الانتخابي الجديد أعادنا إلى نقطة البداية ...ولهذه الأسباب يمكن اعتباره لاغيا الأستاذ «عياض ابن عاشور» خبير في الشؤون القانونية والسياسية' وبحكم تجربته الطويلة في القانون وبوصفه رئيسا سابقا للجنة الخبراء في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي سابقا فقد تمكن من تمهيد الإنتقال الديمقراطي في تونس مباشرة بعد الثورة ' سألناه عن رأيه في قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا صلب المجلس التأسيسي' وعن الإتهامات الموجهة إلى الهيئة السابقة ورأيه في طريقة تعيين رئيس الهيئة' فقال إن القانون الحالي يخدم التعيين «الحزبي»وإنتقد المنهج المتّبع في إختيار تركيبة لجنة الفرز وقال أنه «لا يضمن استقلاليّة الهيئة الانتخابيّة» لعدّة أسباب شرحها في هذه الدردشة الخاطفة. تمت المصادقة على قانون هيئة الإنتخابات' فما رأيك مبدئيا في هذا القانون؟ - في انتظار القانون الانتخابي والاتفاق على طريقة الاقتراع، والمصادقة على الدستور ثمّ إنجاز العمليّة الانتخابيّة على المستوى الإداري والمالي، يشكّل هذا القانون خطوة أولى نحو تحقيق الموعد الانتخابي الذي سيفتح لنا باب الاستقرار بالنسبة للدولة وللمجتمع كلّه. إلا أنّ هذا القانون، فضلا عن بعض النقائص التقنيّة والقانونيّة، وفضلا عن كونه لم يحظ إلا بحضور محتشم جدّا من قبل النواب، فإنّه تجاهل تماما التجربة المكتسبة من خلال انتخابات 23 أكتوبر 2011 وما أعدّته وأنجزته الهيئة الانتخابيّة السابقة. لم أفهم شخصيا هذا السعي إلى إرجاعنا إلى نقطة الانطلاق الأولى وكأنّ شيئا لم ينجز من قبل أو كأننا ما اكتسبنا رصيدا يذكر... هذه إضاعة طاقة وتبديد ثروة' وإضافة عضو من الهيئة السابقة لم يف بالحاجة. زد إلى ذلك أنّ المعارضة صرّحت بأنّها لم تتحصّل على نصّ المشروع المعدّل قبل التصويت. إن صحّ ذلك فإن القانون يصبح لاغيا لإخلال إجرائي جسيم، مما يلزم رئيس الجمهورية أن يرفض ختمه ونشره وأن يرجعه إلى المجلس لقراءة ثانية. أثار الفصل السادس المتعلق بتركيبة لجنة الفرز جدلا واسعا وكان من النقاط الخلافية.. لماذا حسب رأيك؟ - تركيبة اللجنة لاختيار المترشحين ثمّ عرض أسمائهم للتصويت عليها من قبل الجلسة العامة وكيفيّة انتخابهم لعضويّة الهيئة الانتخابيّة هما المسألتان الجوهريّتان في هذا المجال. من هذه الناحية يبدو أنّ المنهج المتّبع لا يضمن استقلاليّة الهيئة الانتخابيّة وذلك لثلاثة أسباب على الأقلّ: 1. لأنّ تعيين أعضاء الهيئة الانتخابيّة وُضع كلّه تحت سلطة المجلس التأسيسي دون سواه من السلط الدستوريّة كرئيس الجمهوريّة أو رئيس الحكومة. وفي ذلك خرق لفصل السلط وتوازنها. لقد كان من المستحسن' في نظري، أن تساهم الرئاستان في ترشيح رئيس الهيئة أو حتى في تعيينه. أرى في هذا التغييب، «تحزيبا». 2. لأن اللجنة الخاصة المكلّفة بالتّرشّحات تخضع لمبدإ التمثيليّة النّسبيّة للكتل النيابيّة، مما يكرّس هيمنة أحزاب الأغلبيّة ويجعل هذه اللجنة أداة طيّعة بين أيديها. 3. لأن طريقة انتخاب أعضاء الهيئة الانتخابيّة معقّدة للغاية وسوف تتسبّب في مشاكل عدّة فيما بعد عند إجراء العمليّة الانتخابيّة. ما رأيك في الإتهامات الموجهة إلى الهيئة السابقة والتي تتحدث عن تجاوزات مالية ؟ - صدر هذا الاتهام على أساس وثيقة داخليّة لدائرة المحاسبات غير منشورة رسميّا ولا عن تقرير كما يدّعون. ثمّ تولّت النيابة العموميّة القضيّة بطلب غريب جدّا صادر عن المكلّف العام بنزاعات الدولة بواسطة محام وهو أمر أغرب. فإن كان هناك تجاوزات فإنّها يجب أن تستند على تقرير نهائي وأن يضمن حقّ رئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات في الردّ على هذا التقرير، وهو ما لم يحدث. فالإشكال، في نظري، يكمن في تسييس القضيّة من جهة وفي جهل هؤلاء مبادئ فقه المرافعات الإدارية والماليّة. ولعلّ بعض الأيادي القذرة تتخفى وراء هذه القضيّة. وماذا عن مشروع تحصين الثورة ؟ - تحصين ماذا؟ الثورة ليست في حاجة إلى مثل هذه الخزعبلات. الإقصاء كان له تبرير في المرحلة الانتقاليّة الأولى، وجميع الأطراف التّي كانت وراء هذا الإقصاء تعهّدت على انّه يقتصر على المجلس التأسيسي. فالرجوع إلى الإقصاء خيانة لهذا العهد. أما اليوم فإنّ الإقصاء وخاصّة بالشكل المبتذل الذي ورد به من ناحية الصياغة ومن الناحية القانونية والسياسية، في «قانون التحصين»، فإنّه سيبقى وصمة عار ستسم تاريخنا ما بعد الثورة إن صادق عليه المجلس. وهذا أمر محزن حقّا. المبدأ المشرف في هذه المسألة هو الذي عبّر عنه السيّد لطفي زيتون مستشار رئيس الحكومة عندما قال في حوار صحفي «لا إقصاء بلا قضاء». ولئن كنت لا أستغرب ذلك من بعض نواب غير مسؤولين في المجلس التأسيسي، فإنّني استغرب أن يصدر ذلك عن حزب «النهضة». يجب أن يشعر هذا الحزب بمسؤوليته التاريخية، بمسؤوليته «التأسيسية» في توحيد البلاد لا في تفريقها، في أنّه أصبح حزبا جرّارا، لا يليق به أن يكون حزبا «كركارا» في المسار الانتقالي. فلا ينبغي لحركة «النهضة» أن تضع نفسها في مستوى السفاسف السياسوية وعليها أن ترتقي إلى المستوى المنتظر منها، كحزب يساهم بقدر كبير في التأسيس لدولة ديمقراطيّة ستصالح نهائيا بين الإسلام والحداثة. مع شديد الأسف هذا الحزب إلى حدّ الآن لم يفهم ذلك جيّدا، حيث نراه يوميّا، وتحت تأثير قيادة عمياء «ماضويّة» يرجع تفكيرها إلى ما قبل الكهف، ولم ترتق إلى مستوى «مسؤول الدولة»، قلت نراه يواصل سياسة بثّ الفتن والمحن، مكرّرا الخطأ بعد الخطإ، غير مكترث بحجم مسؤوليّته أمام التاريخ والوطن. وبسلوك هذه السياسة سيكون من أوّل الخاسرين. فلتتخلص القيادة العاقلة هي ذاتها قبل غيرها من «أزلام النظام السابق». أقف عند هذا الحدّ ، لأن الحديث عن هذا القانون قد يطول مع العلم أن «جمعيّة البحوث قي الانتقال الديمقراطي» ستنظّم حلقة نقاش حول الموضوع في الأيّام القريبة.