لا حديث هذه الأيام في الوسط الفلاحي بمدينة حاجب العيون سوى عن انحباس الأمطار التي تأخرت وبدأت تلقي بظلالها على القطاع الفلاحي خاصة في ما يتعلق بالأعلاف التي اكتوت بأسعارها جيوب صغار الفلاحين إذ تشهد مع بداية موسم دخول العديد من السماسرة على خط البيع الذي يشتد عادة في مثل هذه الفترات الحرجة من السنة. وفي مدينة يوجد بها ما يزيد عن 50 ألف رأس من الأغنام إلى جانب الآلاف من رؤوس الأبقار التي اعتادت أن تقتات من المراعي يُوجد أكثر من 700 فلاح كانوا إلى وقت قريب يتزودون بالعلف من ديوان الحبوب مباشرة. وكانت حصة حاجب العيون تصل إلى حدود 1200 قنطار شهريا قبل أن يقع تمكين أحد الخواص التابعين لعمادة الغويبة من نيابة مختصة في الغرض تعمل على تزويده بكميات محتشمة وفي أوقات متباعدة نسبيا لم تعد تفي بحاجيات الفلاحين من العلف لإنقاذ ما تبقّى من المواشي. ولمواكبة انعكاسات هذا الوضع على صغار الفلاحين استغلت «التونسية» يوم الثلاثاء موعد السوق الأسبوعية بحاجب العيون لتحاور مجموعة من الفلاحين الذين تحدثوا عن أهمية العلف في منظومة تربية الماشية والذي أصبح صعب المنال نتيجة ارتفاع أسعاره. وقال السيد الصحبي السعيدي فلاح شاب من عمادة القنطرة أن سعر الكيس الواحد من مادة «الدكاكة» أو المعبر عنها ب«النخالة» يتراوح بين 23 و25 دينارا وهو مبلغ مرتفع جدا لم يعد يشجعه على تربية نعاجه الخمس عشرة وأنه أصبح يجد نفسه مضطرا لبيع نعجة مع بداية كل أسبوع حتى يتمكن من توفير العلف لبقية النعاج الأخريات. أما السيدة هنية بنت عمارة اللواتي التي كانت بصدد شراء بالة من التبن ب«الكريدي» فذكرت أن «الزوالي» لم يعد باستطاعته مسايرة نسق الحياة في ظل ارتفاع أسعار العلف التي لم تعد تطالها جيوب ضعاف الحال. وأشارت لنا بأصابعها المتورمة نتيجة العمل في قطاع جني الزيتون وذكرت أن أسعار العلف أصبحت من نار وتساءلت عن مستقبل الثروة الحيوانية التي قد تضيع في المستقبل القريب. أما السيد محمد الصالح بن عبد العزيز العنيزي فلاح من منطقة الغويبة فقد ذكر أنه نتيجة لعدم قدرته على توفير العلف لمجموعة الخرفان والأبقار التي يمتلكها أصبح يفكر في التخلص منها نهائيا منبّها إلى إمكانية انقراض الثروة الحيوانية وذلك في الوقت الذي يتصارع فيه مع ارتفاع الأسعار وعمليات سرقة المواشي التي تكاثرت بالجهة في المدة الأخيرة. وختم تدخله بالقول «في النهار سارح وفي الليل نبات انعس». وفي محاولة للتعرف على أسباب ارتفاع أسعار الأعلاف كان لنا لقاء مع السيد الصحبي بن محمد الطاهر الحاجي تاجر أعلاف بحاجب العيون فذكر أنه إلى زمن قريب قبل أن يستفحل انحباس الأمطار كانت بالة التبن تباع ب2500 مليم فقط قبل أن تصل اليوم إلى حدود خمسة دنانير. فيما كانت بالة «القرط» ما بين 6 و7 دنانير قبل أن تقفز إلى سعر العشرة دنانير في الوقت الراهن وذلك نتيجة انحباس الأمطار التي أثرت في الموسم الفلاحي حيث غابت المراعي إلى جانب المصاريف التي يتكبدها تجار العلف لنقل المواد من جهات الشمال الغربي مثل السرس والكاف والتي عادة ما تكون مثقلة بمصاريف التنقل وكراء المحل وخلاص «الباتيندة» مشيرا إلى أن هامش الربح لدى التاجر بسيط جدا ولا يتجاوز في أقصى الحالات 500 مليم ودينار واحد للكيس الواحد من العلف أو بالة القرط والتبن. وأضاف أنه يشعر بمعاناة مربّيي الماشية وما يتكبّدونه من مصاريف إضافية باعتباره هو الآخر من صغار الفلاحين وذكر أن سعر الكيس الواحد من العلف المركب قد قفز من 28 دينارا إلى حدود 37 دينارا وذلك في الوقت الذي تستهلك فيه البقرة الواحدة قرابة العشرين دينارا من العلف يوميا يصعب استرحاعها من منتوج حليبها اليومي. واستشهد على ذلك بتجربته الخاصة التي دفعت به إلى الفشل في مشروعه الفلاحي الذي كان من تداعياته أن باع جميع ممتلكاته من الأبقار. فهل تشهد الأيام القريبة القادمة تدخل الحكومة لإنقاذ هذا القطاع الحيوي والهام في حياة الفلاحين؟