الجريد هو منطقة رائدة في اعتزازها بثراها المحلي والحفاظ على تقاليده وممتلكاته في عاداته إذ لا التطور الحضاري ولا أي عامل من العوامل الأخرى استطاعت أن تؤدي إلى اندثار موروثها الشعبي طالما أنّ الجريدية متمسكين به وبأصالة حضارتهم رغم تعاقب الأجيال. والجريد هو ثالث المدن التونسية التي تحتفل بالمولد النبوي الشريف كأحسن احتفال بعد القيروان والعاصمة وقد حافظت الجهة على هذه العادة المتميزة رغم تعاقب الحضارات وهي ما كانت إلا لتزيدها رسوخا وتجذرا وقد انطلقت أشغال الصيانة والتهيئة لمختلف المؤسسات الدينية بهذه الربوع المتمثلة بالخصوص بالترميم والدهن وتأثيثها بالمفروشات لتحتضن الموائد والمجالس وسهرات المدائح والأذكار كما انطلقت العائلات في اقتناء لوازم عصيدة الزقوقو التي دخلت العادات من الباب الكبير بعد أن كانت هذه العائلات تقتصر على إحضار عصيدة المرق. ففي صبيحة يوم المولد كانت النسوة تطهين «العصيدة» في المنازل بطرق مختلفة ومنها عصيدة زيت وسكر وكانت عصيدة المرق هي الطبق المحبذ لأهالي الجريد وكان الصغار يتسارعون صحبة آبائهم إلى المساجد حاملين العصيدة في أوان كبيرة من الفخار فيجدون في انتظارهم جمعا من الناس يقبلون على أكل العصيدة بكل تلقائية متبادلين الأحاديث والذكريات وبذلك يعتبر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف موسما دينيا هاما ينكب الناس على الاهتمام به ويتجدد اللقاء في المساجد باعتبارها منارة دينية وعمرانية واجتماعية هامة كما يعتبر اليوم الذي يسبقه عيد لحم حيث تشتري العائلات كميات كبيرة من لحم الضأن وخاصة لحم الحاشي (جمل صغير) ويقع إحضار الكسكسي ليوزع على العائلات المعوزة والمقيمة بالمساجد ولئن حافظت بعض العائلات على عادة إحضار عصيدة المرق أو عصيدة الزيت والسكر فإن معظم العائلات تعدّ عصيدة الزقوقو مجاراة لموضة العصر. بداية من ال12 ليلة الأولى وقبل ذلك تنطلق الاستعدادات بداية من غرة ربيع الأول لتتواصل إلى غاية يوم 12 منه ويحرص الأهالي على العناية بالمساجد والجوامع وتتولى المصالح الجهوية صيانتها والسهر على تنظيفها وتبييض الجدران ودهن الأبواب ثم في المساء من غرة ربيع الأول يقع إعداد موائد يتحلق حولها مجموعة من الشيوخ والشباب لقراءة بعض القصائد في مدح الرسول الأعظم وأشهر الكتب المعتمدة في هذا الغرض كتاب الشيخ العروسي الذي يحوي مجموعة من المجالس (24 مجلسا) وتقع قراءة مجلسين في كل ليلة طيلة الأيام الإثنى عشر الأولى من الشهر وترتل القصائد بطريقة غنائية منظمة من طرف شخص أو اثنين تتلوها ترجيعات من طرف الحاضرين الآخرين من الصغار خاصة وترتفع فيها الأصوات لتعم أرجاء المسجد وتلك القصائد ثرية من حيث معانيها الدينية وموعد تلك الحلقات يكون إثر صلاة المغرب مباشرة لتتواصل إلى صلاة العشاء. كما تشهد محلات بيع الفواكه الجافة حركية غير عادية كما أضحت الأسواق الأسبوعية قبلة آلاف العائلات للتزود بمادة الزقوقو وبمكونات العصيدة في لهفة لا توصف. مظاهر الزينة في الليلة الأخيرة من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تتجلى الفرحة وتبرز مظاهرها بتزيين المساجد من الخارج والداخل وبوضع أقواس من جريد النخيل حول الأبواب وفي الداخل تبسط الحصر والمفروشات كما يقع أيضا جلب الشموع والمشروبات والبخور وفي ليلة المولد يتولى أحد الشيوخ قراءة السيرة النبوية العطرة تتخللها في بعض الأحيان قصائد في مدح الرسول كالبردة والهمزية وتوزّع المشروبات على الحاضرين وتوقد الشموع في كافة أرجاء المساجد وتنتشر روائح البخور والجاوي ويطول السهر والاحتفال إلى ساعة متأخرة من الليل في أجواء احتفالية رائعة.