مصطفى قوبعة في أقل من سنة ونصف، تحصد الأستاذة راضية النصراوي ثلاثة جوائز حقوقية هي حسب الترتيب الزمني جائزة «رولاند بيرجي» من أجل الكرامة الإنسانية (نوفمبر 2011) فجائزة «كمال جمبلاط» لحقوق الإنسان في الوطن العربي (مارس 2012) فجائزة «أولف بالم» للدفاع عن حقوق الإنسان (جانفي 2013). وبذلك تكون الأستاذة راضية النصراوي قد حققت في وقت وجيز رقما قياسيا من التتويجات لم يسبق تقريبا لشخصية حقوقية تونسية أن بلغته، علما وأن الجهات المسندة لهذه الجوائز هي جهات ذات مصداقية وذات إشعاع عربيا ودوليا وهي على التوالي رابطة الحقوقيين العرب أصدقاء كمال جمبلاط، ومؤسسة رولاند بيرجي الألمانية ومؤسسة أولف بالم السويدية الشهيرة. لا تربطني بالأستاذة راضية النصراوي أية علاقة من أي نوع كان، مهنية أو عائلية أو جهوية، ولكن هذا لا يمنعني من أن أجاهر كتونسي بفخري وباعتزازي بتتويجات الأستاذة راضية النصراوي، قناعة مني بأن هذا السّيل من التتويجات المسترسلة في المجال الحقوقي هو أصعب بكثير من أي تتويج آخر علمي أو فني أو رياضي يناله باحث أو رياضي أو فنان أو مبدع أو إعلامي تونسي. وكأن الحاضر يستحضر ماضي هذه السيدة الصامدة الصابرة ومسيرتها فيقدر نضالها حق قدره ويعوض لها بعض معاناتها سنوات الجمر كما عاشتها هي، فسنوات جمرها هي غير سنوات الجمر التي عاشها مثلا السيد مصطفى بن جعفر رئيس الملجس التأسيسي الذي لا تفوته مناسبة دون الاستشهاد بسنوات الجمر التي عاشها!! ومن المؤلم حقا أن ينصف غيرنا من العرب ومن الأجانب الأستاذة راضية النصراوي بشكل أفضل من إنصاف تونس الرسمية والإعلامية والشعبية لها وهي التي سخرت حياتها من أجل خدمة القضايا العادلة من موقعها وأسقطت من حساباتها كل الاعتبارات السياسية الضيقة فاتسع صدرها للجميع دون انتقاء أو إقصاء سواء كمحامية أو كمؤسسة للجمعية التونسية لمناضهة التعذيب أو كعضو في فريق المحامين الدوليين المشهّرين بالجرائم الصهيونية المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني.. فمن جملة ما يحسب للأستاذة راضية النصراوي أنها توفقت كأفضل ما يكون في إعلاء دورها كحقوقية على صفتها كزوجة لمناضل ولزعيم حزب يساري بما قد يتولد عن هذا الارتباط من انحياز سياسي ما لطرف على حساب طرف آخر.، فاحتضنت قضية زوجها ورفاقه بنفس حماس احتضانها قضية غيرهم من المضطهدين ممن يخالفونهم الفكر والرأي. وما يحسب كذلك للأستاذة راضية النصراوي أنها تحملت المسؤولية بشجاعة نادرة لا كحقوقية فقط بل وكذلك كزوجة لزعيم سياسي قضّى معظم حياته في الماضي إما في السجن أو في السرية بعيدا عن أفراد أسرته فكانت في نفس الوقت الأم العطوف والأب الحنون لبناتها الثلاثة.. ومع اختلاف الزمان والمكان، ما أشبه راضية النصراوي الأم هنا بشخصية «الأم شجاعة» «la mère courage» في رواية تحمل نفس العنوان لماكسيم غوركي والتي تعدّ من روائع الأدب العالمي إلى يومنا هذا. ومن زاوية أخرى، تتقدم الأستاذة راضية النصراوي كمثال صادق ومعبّر عن تحدي المرأة التونسية في نجاحها وتألقها الدراسي والمهني وفي مسارها النضالي وفي صمودها الاجتماعي وفي صبرها على الشدائد وهي بذلك تعكس الصورة الناصعة للمرأة التونسية في موقعها الطبيعي كطليعة القوى الحية لهذا الوطن وكحاملة للواء الحرية والكرامة والتقدم الإنساني والاجتماعي فيه على نفس الدرب الذي رسمته نساء تونس منذ بدايات القرن العشرين وفي مقدمتهن بشيرة بن مراد رائدة الحركة النسائية في تونس والدكتورة توحيدة بن الشيخ أول طبيبة عربية في شمال إفريقيا التي كرست حياتها لنشر الثقافة الصحية والوعي الاجتماعي في أوساط المرأة التونسية الرازخة آنذاك تحت كل أشكال الجهل والتجهيل. إن في تكريم الأستاذة راضية النصراوي بهذا الشكل في النهاية تكريم لتونس عموما وللمرأة التونسية خصوصا، فهنيئا لتونس، وهنيئا للمرأة التونسية وهنيئا للأستاذة وهنيئا ل«الرفيق» حمة الهمامي برفيقة دربه «للّة النساء».