عادت الحياة إلى مقر الولي الصالح «سيدي بوسعيد الباجي» بعد أن طالته أيادي العابثين وحولت المكان إلى كومة رماد نتيجة إضرام النار به التي أتت على محتويات المقر مما ولد احتجاجات عارمة خاصة لدى أهالي المنطقة الذين لا يتحملون أي اعتداء على «أبيهم» حسب قولهم، فقاموا بطرد المسؤولين في مقدمتهم «منصف المرزوقي» رئيس الجمهورية و«راشد الغنوشي» زعيم حركة «النهضة».. وقد انهالت المساعدات المالية لتسريع ترميم مقام الولي الصالح الذي احتضن ليلة أول أمس سهرة للاحتفال بالمولد النبوي الشريف حضرها مئات المواطنين أتوا من مختلف أصقاع الجمهورية للمشاركة في هذه المناسبة الدينية العطرة التي سهر على إنجاحها البوسعيديون نكاية في المتطاولين على أضرحة أولياء الله الصالحين ولإثبات أن هذا المقام ليس معزولا وإنما يحميه الجميع حسب تعبيرهم. مقام «سيدي بوسعيد الباجي» أو «رايس الأبحار» كما يحلو لأهالي الجهة تسميته تزيّن بأبهى الحلل وأزهاها إيذانا بعودة الروح للمقام، وتوافد الزائرون على قبر الولي الصالح الذي توشح بقماش حريري يسرّ الناظر، لقراءة الفاتحة على روحه وللتبرك ولأداء صلاة العشاء بجانب القبر الذي تحيط به جدران بقيت شاهدة على هول الكارثة التي حلت بالمقام، إذ مازالت الجدران متصدعة وعليها آثار الحرق لم يتسن طلاؤها بعد. و قد رفع الزائرون أياديهم إلى الله وألقوا بوابل من الأدعية على من طالت يداه مقامات أولياء الله الصالحين ولسان حالهم ينطق «تبت يد كل من تطاول على الأولياء الصالحين». إنشاد ديني وبخور فبالرغم من الظروف السياسية المضطربة التي تعيشها بلادنا، فإن مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، عمت كافة مناطق الجمهورية وخاصة منطقة سيدي بوسعيد أين فاحت روائح زكية وانبعث عطر «البخور» و«الجاوي»من كل مكان ليملأ الأرجاء سعادة، أنست البوسعيديين واقعة إحراق مقام «رايس الأبحار» كما تزينت المساجد والشوارع احتفالا بمولد الرسول الأعظم محمد . وقد كانت الاحتفالات بمولد الرسول الكريم في شكل سهرة روحية مشبعة بمدح خير البريّة خاتم المرسلين، بدأت عند حدود الساعة الثامنة ليلا وانتهت مع بزوغ فجر يوم الخميس وألسنتهم لا تتوقف عن ذكر الله بأسمائه التسعة والتسعين ومدح نبيه المصطفى. رجال ونساء، شيب وشباب، تزاحموا ليلة أول أمس وتوزعوا في شكل حلقات للذكر والإنشاد الديني يتنقل بينهم الصبية من موضع إلى آخر وهم يتبادلون «عصيدة» وحلوى المولد. وقد أشرف بعض الشيوخ على تنظيم الاحتفال بالمولد وقدموا المأكولات وقطعا صغيرة من الخبز في جلسات تبادل فيها الحاضرون التهاني راجين من الله أن يعيد هذه المناسبة باليمن والبركة على البلاد والعباد. رسالة إلى «الفاتحين الجدد» وأشاد الزائرون بأهمية الأولياء الصالحين في حياتهم، معتبرين مقاماتهم إرث الأجداد وتراث البلاد الممتد على مدى قرون من الزمن، مؤكدين أن زيارة قبور الأولياء الصالحين عادة ضاربة في القدم ومتغلغلة في ثقافة التونسي، كما استنكروا عمليات الحرق التي طالت بعض المقامات منددين بالصمت الحكومي. وأبرز البعض أنه لا يمكن السكوت عن الانتهاكات التي لحقت بالمقامات متسائلين: «من أين أتى هؤلاء ؟ (أي المجموعات التي تحرق الزوايا) وماذا يريدون ؟ كما بعثوا برسالة شديدة اللهجة إلى من وصفوهم ب«الفاتحين الجدد» مفادها أنهم لن يمروا ولن يسلموا من فعلتهم. هاجر بورقيبة بالأحضان و قد شهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مشاركة معتمد سيدي بوسعيد الذي ارتدى برنسا أبيض اللون و«هاجر» ابنة الزعيم «الحبيب بورقيبة» و«أحمد ابراهيم» رئيس حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، إضافة إلى حضور بعض الأجانب (سياح من بلدان أوروبية) الذين أبدوا اندهاشهم لهذه العادات التي وصفوها بالجيدة والشيقة. و قد أضفى حضور «هاجر» البهجة والفرحة على قلوب الحاضرين فبادروا إلى احتضانها وتقبيلها، متمنين لها حياة سعيدة، وقد بادلتهم هاجر نفس المشاعر. اشمئزاز وبعد الانتهاء من الإنشاد الديني تلا أحد الشيوخ بعض الأدعية فيما ردد الحاضرون عبارة «آمين» وأعناقهم مشرئبة نحو السماء داعين الله إلى تقبل دعائهم وتحقيق أمانيهم. أحمد ابراهيم مواطن عادي لا يهوى الإعلام وما أن وطأت قدم «أحمد إبراهيم» المكان حتى صوّب الصحفيون والمصورون اهتمامهم نحوه لأخذ رأيه إلا أنه رفض الإدلاء بأي تصريح بتعلة أنه لا يريد الركوب على الحدث وقال إنه مواطن عادي قدم لتقاسم فرحة الاحتفال مع البوسعيديين، وانزعج من أسئلة بعض الصحفيين وقال مبتسما: «في المرة القادمة سأجيء ملثما لكي ابتعد عن الأضواء». من هو بوسعيد الباجي ؟ ولد أبوسعيد بن خلف التميمي الباجي سنة 1156 ه وتوفي سنة 1231 ه وكان صوفيا دافع عن الإسلام ضد حملات المشركين عندما كان من بين الجنود الذين يراقبون السّاحل، و وهب نفسه للتأمل والتمارين الروحية وتفرّغ إلى الصلاة وتقديم الدروس إلى التلاميذ. دفن أبوسعيد في مدينة سيدي بوسعيد التي سميت باسمه تخليدا لذكراه الطاهرة، ولم يقع بناء جامع الزاوية إلا في القرن 18 والذي احتضن ضريحه بأمر من محمود باي والذي شيد لنفسه مسكنا بالقرب من المسجد، ومنذ ذلك الوقت بنت عائلات تونسية عدة منازل على التلة وحول مقام سيدي أبي سعيد لتصبح التلة مكانا للاصطياف ولقضاء إجازات الصيف. منتصر الاسودي