إدريس أستاذي وقنّون حبيبي.. تونس هي مائي المسرحي.. الفن يبني والسياسة تهدم.. أنا محبط وخائف من المستقبل
يعدّ غسان مسعود أحد أبرز الفنانين السوريين خلال العشرية الأخيرة، فقد تمكن أستاذ المسرح القادم من طرطوس من اقتحام السينما العالمية بأدوار متنوعة أبرزها دور صلاح الدين الأيوبي في «مملكة السماء»لريدلي سكوت و«قراصنة الكاراييبي:في نهاية العالم» و«وادي الذئاب فلسطين». ..وقد جسد مسعود شخصية أبي بكر الصديق في المسلسل المثير للجدل «عمر». ومنذ انطلاق ما يسمى بالثورة السورية حاول غسان مسعود النأي بنفسه عن المواقف المؤيدة أو الرافضة لما يحدث في بلاد الأمويين. غير أن البعض صنفه ضمن مناصري النظام باعتبار دفاعه المستميت عن الجيش السوري الذي اعتبره ضمانة البلد. حين لاقيناه في مهرجان دبي السينمائي وعرضنا عليه محاورته، لم يرفض ولكنه اشترط بلطف أن يكون حديثنا بعيدا عن السياسة فلا شيء في نظره يمكن قوله امام هول ما يجري. .. حاول غسان مسعود المستقر حديثا ببيروت، ان يبدو هادئا متماسكا ولكن السيجارة التي لا تكاد تفارق شفتيه كشفت توترا عميقا بداخله.. في ما يلي حوارنا مع غسان مسعود.. بعيدا عن السياسة، كيف تعلق على استبعاد مهرجان دبي لثلاثة أفلام سورية في دورته الأخيرة؟ - لا تعليق، ولو أني ناشدت كل المؤسسات الثقافية العربية في إحدى إطلالاتي الإعلامية النادرة خلال سنتي الأزمة في سوريا أن تترك مسافة بين الفن والسياسة لأنني أعتقد أن الفن يبني ما بين الشعوب والسياسة تهدم ما بين الشعوب وما تبنيه الشعوب عادة، لذلك كنت أتمنى على كل المؤسسات الثقافية والفنية والإعلامية العربية أن تنأى بنفسها عن أحابيل السياسة وجنونها. موقفك فيه كثير من الطهر والنقاء حتى لأنه يصلح للمدينة الفاضلة؟ - أنا أريد أن أؤكد نقطة يعرفها الكثيرون عن الفن، وهي أن الفن يتوخى الحياة الفاضلة، من قال لا ؟ نحن إستمدينا كل الفن من «فن الشعر» عند أرسطو ونعتمد على أرسطو كثيرا في مستوى القيم. موقفك كمن يريد الغوص في البحر دون أن يبتل؟ - لا هذا غير صحيح، أنا لا اوافق على أن السياسة هي بحرنا ؟ أنا مواطن في هذا العمر لم أشتغل يوما بالسياسة، أنا أشتغل على قاعدة نعوم تشومسكي الذي فهم المثقف على أنه حامل حقيقي وربما الوحيد للحقيقة بمعاييرها الأخلاقية، ومن يريد الحقيقة بمعاييرها الأخلاقية ؟ دلني عليه كي أسمح له أن يرجمني بحذائه؟ كيف وجدت مهرجان دبي السينمائي؟ - كعادته، هم اصدقائي وهناك إحترام متبادل، منذ إطلالته الأولى في الحياة السينمائية تعودت أن أكون ضيفا عليه. هل هو أفضل المهرجانات السينمائية في المنطقة؟ - لا يوجد تقييم بهذا المعنى، لكل مهرجان خصوصيته ولكل مهرجان ظروفه. هل المهرجانات السينمائية الخليجية قادرة على تغيير البنية الثقافية في مجتمعات يندر فيها التعبير السينمائي إنتاجا وتوزيعا؟ - مهرجانات الخليج تكاد تكون الملتقى الأساسي للفنانين العرب ،وهذا أمر ضروري جدا للوسط الثقافي العربي. شاركت في فيلم «رسائل الكرز» للجميلة سلاف فواخرجي، هل هي مخرجة كما نعرفها ممثلة؟ - كل مخرج بدأ الإخراج وكل ممثل بدأ التمثيل، هناك من بدأ وأضاف وإستمر وقدّم صوته وهناك من سحب صوته في اليوم التالي، دلني على الذي بدأ من القمة؟ وسلاف؟ هل هي من النوع الذي سيستمر أو الذي سينسحب في اليوم التالي لميلاده؟ - هذا يعود لها هي التي تستطيع أن تحدد حسب نتائج عملها الأول. هل يمكن أن نراك يوما ما مخرجا سينمائيا؟ - لا، يكفي أني مخرج مسرحي منذ أواخر الثمانينات وأخذت الجائزة الأولى كممثل في أيام قرطاج المسرحية. هل أبعدتك التلفزة عن المسرح؟ - لا أبدا، ظروف الإنتاج المسرحي غير موجودة، المسرح لصيق بالثقافة أكثر من الفنون الأخرى وطالما أن لا أحد ينتصر للثقافة أو نادرا ما ينتصر أحد للثقافة فطبيعي أن يتراجع الفعل المسرحي. من بين نجوم الصف الأول في الدراما السورية بتّ الوحيد الذي لم تطأ قدماه الدراما المصرية؟ لماذا؟ - أنا أوصدت الباب دوني، جاءتني عروض كثيرة جدا. رفضتها كلها؟ - نعم. كلها دون المستوى؟ - نعم وهناك من يرضى أن ينجز أعمالا دون المستوى، أنا جاءتني عروض غير لائقة بي فرفضتها ولم أعمل سوى في فيلمين. هل رفضت العمل مع يحيى الفخراني بسبب ضعف المستوى أيضا؟ - مع يحيى الفخراني لا، «منيح» أنك سألتني هذا السؤال، كان خلافا ماديا مع الشركة المنتجة. أنت متطلب ماديا؟ - لا، كل ما في الأمر أني أطلب ما أستحق، هناك من يشتغل كيفما إتفق، هناك من يعتقد أن الفرصة أهم من المال، أنا أرى أن هذا مهم وهذا مهم، الشركة لم تقدم لي العرض اللائق بي فإعتذرت، لا أتقاضى في سوريا ما أتقاضاه في مصر أو ما أتقاضاه في فرنسا أو تركيا أو إيران أو أمريكا.. في كل أرض عليك ان تعرف مدى صلابة الأرض التي تقف عليها، لا يوجد قانون سابق هل تطرب لسماع الآخرين يصفونك بالممثل العالمي؟ - لا ولم أطلبها يوما ولم أذكرها عن نفسي يوما، راجع تصريحاتي ولقاءاتي. هل تعتبر نفسك ممثلا عالميا؟ - لا، لا، لا.. هل يوجد ممثل عربي يستحق وصفه بالممثل العالمي؟ - طالما لم أصف نفسي فلماذا أصف الآخرين ؟ أنا ممثل، الألقاب لا تساوي مثقال ذرة عندي، هي لا تعني شيئا وهذا ليس تواضعا قد يكون عبثا او استهتارا ولكن الألقاب لا تعنيني ولا أقف عندها على الإطلاق، أنا أهرب من القيود وارفض أن اوضع في خانة أو قالب ما. هل تُدعى للأعمال العالمية لقيمتك كممثل أو لأداء شخصية العربي دون غيرها؟ - أعتقد لقيمتي كممثل ليس لأنني عربي أو لأمثل دور العربي. هل شعرت بأي تمييز في التعامل معك في الأعمال العالمية التي شاركت فيها؟ - لم أشعر أبدا بأي تمييز، كانت هذه الصورة موجودة في ذهني قبل أن أذهب إلى هوليوود، هناك إكتشفت أنهم يتعاملون معك كفنان وقيمة. هل تعتقد ان مسلسل «عمر» فتح الباب بشكل نهائي امام الدراما والسينما لتناول هكذا مواضيع وشخصيات كان يمنع تداولها فنيا؟ - ممكن. هل أنت مع تجسيد شخصيات من التراث الديني الإسلامي؟ - شوف، نحن نعيش في زمن حراك الإسلام السياسي فلا تدخلني في عاصفة الإسلام السياسي، هناك عاصفة تنتصر وتنجح لا تدخلني في جدل مع فقهائهم.. أرجوك لأن المزاج القادم سينتج فقهاءه ومنظريه ورقاباته ورموزا اجتماعية وثقافية ربما هي التي ستتحكم في طريقة عملنا في الدراما. أشعر بأنك متوتر خلافا لطبعك الهادئ؟ - أنا كثير خايف من المستقبل وقلق جدا ولا أعرف ماذا ينتظرني. ما الدور الذي يمكن أن يقوم به المثقف العربي في هذه المرحلة؟ - لم يقم المثقف بدور ولن يقوم به، المثقف العربي عاطل عن العمل. المثقفون هم الذين يبشرون بالثورات؟ - أنا لم أبشر في حياتي بثورة، أنا أؤمن بأن الفعل الثقافي فعل تراكمي يتحول إلى وعي جماعي وليس إلى حالة فردية، ما عاينته خلال تجربتي أن حالة المثقف تحولت إلى حالة من الخلاص الفردي إلى جهة الانكفاء إلى الظل، لا مكان للمثقف الحقيقي وحده المثقف المرتبط سياسيا سواء كان مع السلطات او المعارضات، له مكانة ومكان، وهو أردأ أنواع المثقفين ولا أحترمه. من اصدقاؤك في تونس؟ - تونس هي مائي المسرحي، كلهم أصدقائي، أذكر من شئت. محمد إدريس؟ - أستاذي «أبو أحمد» سلملي عليه، وعز الدين قنون حبيبي وصنوي والفاضل الجعايبي الكبير وصاحبنا المجنون الأخر توفيق الجبالي وعبد الحليم(يقصد المسعودي) وزينب (زينب فرحات) وفتحي الهداوي.. ورطتني بالأسماء.. هم كلهم أصدقائي.. منذ كنت صغيرا تعودت أن أحب تونس، هناك سرّ بين تونس وبلاد الشام.. هل تهمك المشاركة في إنتاجات فنية مغاربية؟ - إذا توفرت ظروف التجربة فستكون شيئا رائعا، المسائل مرهونة بظروفها هل هي مواتية أو لا. ..أكيد أنه يهمني أن أكون طرفا في مشروع تونسي أو مغاربي عموما. كيف تختم الحوار؟ - أنا محبط جدا وغير متفائل، نحن نستطيع أن نعيش رغم كل شيء، آمل أن نعيش، أما ما أراه وما اشعر به على مستوى الحياة الثقافية فأخشى أن نسبة كبيرة من مثقفي اليوم يشبهون المثقفين في ادوارهم كمثقفين. فتحت على نفسك ابواب الجحيم؟ - أنا جاهز للسّب. إلى هذه الدرجة أنت يائس؟ - إلى حد كبير، ولكن ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. هل تخشى هذا المشيب (مشيرا إلى البياض الذي غزا شعره)؟ - لو خشيته لكنت لوّنته، نحتاج قليلا من البياض في ظل هذا السواد الطاغي..