كشفت حملة «مناش ساكتين» - التي أطلقتها الهيئة المحلية للهلال الاحمر التونسي بباب البحر - لمساعدة عائلات المفقودين على التوصل لمعلومات يقينية حول مصير أبنائهم عن وجود ثلاثة أنواع من المفقودين: وجود مختفين قصريا وهو ما تمارسه السلطة أو عصابة أو «لوبي» على الفرد. وقد تم الكشف عن وجود حالتين محمد عدلان تقتق الذي خطفه أمن الدولة على خلفية أحداث سليمان منذ 2006 وتوجد عدة شهادات تثبت أنهم شاهدوه في سرايا الإيقاف لكن بدون نتيجة حيث بقي الموضوع غامضا والحقيقة غائبة تماما. نفس الأمر بالنسبة لعبد الحميد المقدم وهو شاب تونسي سافر لدراسة الطب بفرنسا طلبت منه السلطات الفرنسية أن ينخرط في الجيش الفرنسي وقد اعلم عائلته بذلك وراسلها فاجبروه عنوة على ذلك ثم انقطعت أخباره في ظروف غامضة دون أن تتمكن عائلته من الوصول الى أية نتيجة. وجود مختفين آخرين بعد أن غادروا عائلاتهم للقيام برحلة حرقان وسجنهم قاموا بتقديم هويات ببيانات خاطئة وهو ما يعطل عملية الوصول إليهم خاصة مع التعقيدات التي تطرحها عملية القيس وأخذ البصمة. أما النوع الثالث وهو الأكثر شيوعا فهم المفقودين إثر قيامهم بالابحار خلسة ما يعبر عنه ب«الحرقان» وهم شباب قادهم الطموح لمغادرة تونس باتجاه إيطاليا أملا في تغيير ظروفهم الاجتماعية غير عابئين بأهوال البحر والصعوبات التي تعترضهم بعدما اقتنعوا أن حياتهم أصبحت عبارة عن موت بطيء بلا عمل ينتظرون الفرج منذ سنوات وطرقوا جميع الأبواب لكن فرص العمل محدودة ولا ملاذ لهم غير الهجرة. اقترض أغلبهم ثمن السفرة لتسليمه لمنظم الرحلة الذي أقنعهم أن إيطاليا هي الجنة الموعودة وان حياتهم المقبلة ستكون بمثابة الحلم ونجح في الإيقاع بهم في شباكه. تجمّع العديد منهم من منطقة الكبارية وآخرون من سيدي منصور من صفاقس وذلك في شهر مارس الفارط وبالتحديد يوم 29 وانطلقت رحلتهم لكنها كانت رحلة نحو المجهول ذلك انه منذ ذلك اليوم انقطعت أخبارهم وبدأت رحلة عذاب عائلاتهم الذين طرقوا كل الأبواب إذ اتصلوا بوزير الخارجية ورئيس مكتب الهجرة وكذلك برئيس الجمهورية واتصلوا حتى بالسلطات الايطالية التي رفضت الإفصاح عن أية معلومة تخص المفقودين بحجة جهلها للأمر إطلاقا. وقد عمدت والدة احد المفقودين من صفاقس في غمرة الإحباط والعنف إلى حرق جزء من شعرها علها تستجدي عطف المسؤولين لكن دون جدوى. كما أن والدة المفقود فوزي المصمودي تعاني الويلات من اختفاء ابنها فزوجها وابنتها تعرضا إلى حادث مرور أثناء توجههما إلى أحد المستشفيات من أجل معاينة إحدى الجثث التي لفظتها أمواج البحر ومن ألطاف الله أن الحادث لم يكن قاتلا. كما أسرّت لنا والدة فوزي أثناء لقائنا بها أن ابنتها باتت تعاني من حالة نفسية صعبة جراء غياب شقيقها وخوفها في كل لحظة من ورود أنباء قد تكون سيئة عن مصيره الغامض. نفس هذه الأنات لمسناها لدى جميع عائلات المفقودين التي التقيناها والتي كان الحزن والوجوم مرتسمين على وجوه أفرادها الذين ينتظرون إجابة قد تزيح عنهم شبح المجهول. الحملة من أجل مئات الملفات والنتيجة في غياهب المجهول ويؤكد السيد معز الشريف رئيس الهلال الأخضر أن الحملة قد أطلقت من أجل مئات الملفات الحارقة وأن «المشكل في الهيئة المركزية للهلال الاحمر التي تنكرت للموضوع» وأن ذلك دفعه رفقة زملائه الى التقدم بتقرير بالتعاون مع جمعية توحيدة بن الشيخ للسند الطبي تضمن مواصفات كل المفقودين وأنه تمّ توجيه نسخة منه الى الهيئة المركزية للهلال الاحمر التي «تقاعست في القيام بواجبها وهو من صميم مهامها» على حدّ قوله مشيرا إلى أن أضعف الإيمان أن تتوجه بمكتوب الى الصليب الاحمر للسؤال عن المفقودين التونسيين بالرغم من أن الصليب الاحمر على علم بمعطيات الحارقين الذين قدمت لهم مساعدات إنسانية. هذا الغموض المتواصل حول مصير المفقودين جعل اقرباءهم حسب السيد معز الشريف يتحركون على أكثر مستوى وقد توصل البعض الى معطيات خطيرة مفادها وجود اتفاقيات سرية يتم عبرها بيع الشباب الحارق الى معسكرات تدريب قتالية على الحدود التركية حيث يتم استقطابهم من طرف مجموعات ويجبرون على استعمال بعض الحبوب ثم يعدونهم للقيام بعمليات ضد النظام السوري فيما هناك اخبار تروج أن العديد من المفقودين على قيد الحياة وأنهم موجودون في سجون سرية لايمكنهم الاتصال بأي كان اثر ذلك يقع تهجريهم وقد طالب أعضاء البرلمان الايطالي مؤخرا بإلغاء السجون السرية لأنها عار على ايطاليا لما فيها من انتهاكات للكرامة الإنسانية.