عاشت العديد من العائلات التونسية ومن المربين والتلاميذ نهاية الأسبوع على وقع الضجة التي أثيرت حول أمسية نظمها تلاميذ معهد ثانوي بالعاصمة، قام المشاركون فيها برقصة رأى البعض أن فيها «إيحاءات جنسية» وأنها تمثل «خدشا للحياء». ولكن الذي شد الانتباه في هذه المسألة هو قرار وزارة التربية، فتح تحقيق في الموضوع، وتدخل الوزير شخصيا على أمواج إحدى الإذاعات في يوم عطلة ليحمل إدارة المعهد مسؤولية ما جرى، وهو ما اعتبره عدد من التلاميذ، «تجريما» لهم ، وإدانة لإدارة المعهد، لأنها سمحت بإقامة هذه التظاهرة مساء سبت بعد انتهاء الدروس، دون الرجوع إلى الإدارة. ومثلما يحصل غالبا في مثل هذه الحالات، اشتغلت مساء الأحد آلة «الفايس البوك» بسرعتها القصوى، وتهاطلت دعوات التلاميذ من مختلف المعاهد الثانوية، واقترح البعض القيام بنفس هذه الرقصة الشهيرة جدا خاصة في أوساط المراهقين في معاهدهم، تحديا للوزارة، وتضامنا مع زملائهم... في حين حاول «محترفو» المواقع الاجتماعية، كعادتهم «استثمار» هذه الحادثة إما لغايات سياسية، أو لتشويه هذا أو ذاك. وحتى لا تأخذ هذه الحادثة أبعادا أخرى تظل مؤسساتنا التربوية في غنى عنها، خاصة وأن تلاميذنا على أبواب امتحانات الثلاثي الثاني، فإن المطلوب هو التعامل مع ما جرى بكثير من الهدوء وبالاعتماد على الحوار لا العقاب... فليس من مصلحة أي جهة أن نحمل ما حصل أكثر مما يحتمل.... فيكفي ما تعاني منه بلادنا اليوم من مشاكل... ولا حاجة لنا بأن نصدر بعضها إلى مدارسنا ومعاهدنا. لكم كنا نود أن نناقش اليوم العلل الأخرى التي تعاني منها المنظومة التربوية للبلاد وهي كثيرة ومعقدة ومستعصية.. ولكم كنا نتمنى أن تمد مؤسساتنا التربوية جسورا حقيقية للحوار بين المربي والتلميذ والإدارة، وأن نستمع لأبنائنا أكثر، حتى نفهم كيف يفكرون وحتى لا نفاجأ بسلوكيات يعتبرها البعض منا غريبة. فالقطيعة بيننا وبين أبناءنا ما فتأت تتوسع.. لأننا لا نحاول أن نذهب إلى عالمهم، لنفهمه، ونفهم بالتالي كيف يفكرون، ونحاول أن نصلحهم من داخل عالمهم، أو نقتنع بوجهة نظرهم. فنحن غالبا ما نعمل على أن نأتي بهم إلى عالمنا قسرا، ونحكم على أفعالهم انطلاقا من عالمنا ووفق معاييرنا فنصدر عليهم أحكامنا ونفرض عليهم وجهة نظرنا ولنقول لهم أننا دوما على صواب وأنهم دوما مخطئون، وكأننا نملك الحقيقة، كل الحقيقة. أما بخصوص موقف الوزارة فقد كان بالإمكان أن يكون أكثر رصانة وإيجابية، خاصة وأن أحداثا أخرى أكثر خطورة جدت في الفضاء التربوي، من بينها أحداث عنف واعتداءات على المربين والمديرين والقيمين ولم تتخذ الوزارة منها مواقف بنفس السرعة ونفس «الحزم» الذي أبدته بخصوص هذه الحادثة. كما أنها لم تحرك ساكنا عند قيام بعض الأطراف الغريبة عن المؤسسة التربوية باستغلال الفضاء التربوي لغايات غير دراسية. إن جزءا كبيرا من أبناءنا التلاميذ يعيشون كل هذا الحراك الذي تعرفه البلاد، وهذه الاضطرابات التي لا تكاد تتوقف، كل على طريقته ويعبرون عما يختلج في نفوسهم بأشكال مختلفة تبدو أحيانا وكأنها على طرفي نقيض. ويبقى المربون الطرف الأقدر، ليس فقط على فهم ما يجري في أذهانهم، بل لمساعدتهم على تجنب كل سلوك متهور وذلك من خلال الاقتراب أكثر إليهم. ولا نرى سبيلا لذلك غير الحوار البعيد عن كل أفكار مسبقة، أو أي توظيف آخر عدا مصلحة التلميذ. ومن المؤكد أن للإدارة دور أساسي تلعبه في هذا المجال من خلال توفير الإطار الأمثل الذي يقرب المربي من التلميذ، ويبني بينهما جسورا للتواصل والحوار...