هم أشخاص أناروا درب كل طالب علم حملوا على عاتقهم مهمّة رفع الجهل وإنارة العقول. كادوا أن يكونوا رسلا فحق لنا تكريمهم من خلال هذا الركن الذي أرادته «التونسية» جسر تواصل بين خيرة رجال التربية والقرّاء. التونسية (تونس) ضيفنا اليوم هو السيد رشيد الورفلّي معلم ومدير مدرسة متقاعد، متزوج وأب لبنتين وولد. عن التعليم «أيام زمان» وعن ظروف عمل المعلم في فترة الستينات وعن المستوى العلمي للتلميذ ولرجل التربية وعن حبّه وشغفه بالموسيقى تحدث فقال: «التحقت بالتدريس سنة 1966 وعملت بمدارس بالوطن القبلي وبالقيروان ثم بتونس ثم عيّنت مديرا لمدرسة ابن خلدون4 ثم لمدرسة الشابي بالعمران الأعلى بتونس. في أيامنا كان مستوى التلميذ جيّدا، لكن بمرور السنوات بدأ المستوى المعرفي للتلميذ في النزول وربما يعود ذلك للطرق البيداغوجية أو لمحتوى البرامج التي تُدرّس وبحكم تدريسي للعربية والفرنسية فقد اكتشفت عديد التلاميذ المتميّزين أو العباقرة كما يحلو لنا تسميتهم (genies) ومع أنني لا أتذكر أسماءهم بالتحديد، فإنني أتذكرهم كلما اعترضتهم أو كلما مرّوا أمامي. فمنهم من سافر لمواصلة دراسته بأمريكا ومنهم من سافر الى فرنسا أو الى روسيا أو أوكرانيا ومنهم الطبيب والمحامي والبيطري وكلهم كانوا من خيرة التلاميذ الذين درستهم. وبرغم تواضع راتبه لم يكن المعلم في أيامنا تلك يواجه صعوبات مادية أو معنوية فقد كان المعلم يحصل على راتب يساوي 37 دينارا... وكان قادرا على الزواج وعلى تكوين أسرة وعلى إعالة عائلته الموسّعة. ومقارنة بتلك الفترة أصبح للمعلم اليوم راتب محترم لكنه بحكم غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار بات عاجزا عن تحقيق أهم الضرورات. فالمعلم هو بمثابة الشمعة التي يضمحل جزء منها كلما أضاءت على الآخرين. لذا وجب اعطاؤه المكانة التي يستحقها وايلاؤه كل الاحترام. ولم يكن نشاط المعلم مقتصرا على التدريس فقط، بل كان يتجاوز المهمة التقليدية وهي التعليم لينفتح على الموسيقى والألعاب الفكرية. وأنا شخصيا درست الموسيقى وكنت محترفا في المجال وأسست جمعية «التخت العربي» وأنا أرأسها حاليا.