أقر الرئيس المنصف المرزوقي، في حوار أجراه معه الموقع الالكتروني «قنطرة للحوار مع العالم الاسلامي» على هامش زيارة الى ألمانيا أن الكثير من الأوروبيين يُساوون بين الإسلاميين والإرهابيين، لكنه اكد مقابل ذلك أنه سيكون من المحتوم على الأوروبيين تغيير إدراكهم هذا، معللاً ذلك بوجود أصناف مختلفة من الإسلاميين، وقال: «كما الحال مع الديمقراطيين المسيحيين في أوروبا، سوف يوجد لدينا ديمقراطيون إسلاميون، محافظون، لكنهم يحترمون الديمقراطية في الوقت ذاته». وفي ما يلي نص الحوار: سيادة الرئيس، سعيتم دائماً إلى الاتفاق والحوار بين مختلف القوى السياسية. ألا تزال لهذه الاستراتيجية فاعليتها في تونس بعد اغتيال المعارض شكري بلعيد؟ بالطبع! بل وأكثر من أي وقت مضى. فإذا أراد هذا البلد التغلب على مشاكله الاجتماعية والاقتصادية، فهو في حاجة إلى استقرار سياسي. أطمح لأن نجد توافقاً ما في ما يتعلق بالدستور والحكومة. نحتاج إلى رسالة تصالحية، من أجل توطيد الاستقرار في البلد، كي تستمر عملية الانتقال إلى الديمقراطية. تونس لم تتجاوز الأزمة. كيف يمكن أن تبدو معالم حل ممكن بتشكيل حكومة جديدة برئاسة علي العريض؟ نواجه في هذا البلد، الذي لا يزال يشهد ثورة، مشكلة توسيع البنى الديمقراطية. ومقارنة بالدول الأخرى يجد المرء فارقاً واضحاً تماماً: احتاجت البرتغال إلى ثمانية أعوام من أجل إحلال الديمقراطية، واحتاجت إسبانيا إلى ثلاثة أعوام. ونحن نحقق ذلك خلال عامين فقط. مرت تونس بأزمات سياسية، لكنها بقيت دائماً مستقرة. أعتقد أن الأمور تسير على ما يرام. في أي المجالات تسير الأمور على ما يرام؟ قبل عامين سيطرت هنا دكتاتورية قمعت حرية الرأي وحق التظاهر وأية إمكانية لتأسيس جمعيات للنفع العام، هذه الحريات حصلنا عليها الآن. الصحافة أصبحت تنتقد الحكومة والرئيس من الصباح حتى المساء. تم تأسيس أكثر من ألف منظمة غير حكومية وأكثر من مائة حزب. في هذا الجانب اكتملت عملية الانتقال. في المجال الاقتصادي - الاجتماعي يوجد تلكؤ، اكتشفنا أن الوضع أكثر سوءا مما كنا نعتقد ونعمل على تحسين ذلك، لكن لا توجد لدينا عصا سحرية. إضافة إلى ذلك، فإننا بصدد بناء مؤسسات الدولة من جديد. نعمل على أن تكون مؤسسة تنظيم وسائل الإعلام وهيئة الإشراف على الانتخابات وقانون استقلال القضاء مستندة إلى توافق واسع قدر الإمكان. وهذا أمر متعب ومعقد ويبعث على الإحباط ويحتاج إلى الكثير من الوقت والقدرة، لكنها عملية التعلم الحقيقية للديمقراطية. تؤكدون أن الثورة في تونس قامت لأسباب اقتصادية واجتماعية، لكن المتابع للنقاشات في المجلس الوطني التأسيسي ووسائل الإعلام، يجد أنها تتعلق قبل كل شيء بمسائل تخص الهوية؟ يوجد نوعان من التطرف في تونس: ديني وعلماني. وينتمي للنوع الأول السلفية، التي لا تمثل سوى واجهة لمشكلة اجتماعية. البروليتاريا الرثة الفقيرة ولاؤها متذبذب تجاه حزب النهضة، إذ تعتبره حزباً برجوازياً إسلامياً. من جانب آخر يوجد أيضاً المتطرفون العلمانيون، الذين يثورون غضباً حين يسمعون عن الإسلاميين أو حتى كلمة «إسلام». لكن بالنسبة إلى غالبية التونسيين فإن المسائل المهمة هي الخبز والماء والكهرباء والتطور الاقتصادي. قلتم أمام البرلمان الأوروبي مؤخراً إن مرحلة ما بعد الثورة أصعب من الثورة نفسها. أين يكمن التحدي الأكبر؟ إنه تحدٍ نفسي. الناس يعتقدون أن من السهل التغلب على المشاكل بعد حدوث ثورة، لكن المشاكل تتغير فحسب: في السابق كانت لدينا مشاكل تتعلق بدكتاتورية، والآن لدينا مشاكل تتعلق بديمقراطية. من الطبيعي أن توجد على الفور نتائج ملموسة للديمقراطية: تخلي الناس عن مخاوفهم أمر رائع، لكن سقف التوقعات الاقتصادية في المقام الأول لا يزال كبيراً لدرجة أنها تنتهي بخيبات أمل أيضاً. ولا يمكن تحقيق مطلب القضاء على الفساد وتوفير فرص العمل بين ليلة وضحاها. الكثير من دول الاتحاد الأوروبي دعمت الرئيس السابق زين العابدين بن علي لزمن طويل. واليوم يدعم الاتحاد الأوروبي الحكومة الجديدة، لكنه ينتقد في الوقت ذاته قوة شوكة الإسلاميين. ألا تزال أوروبا بالنسبة أليكم شريكاً يمكن الوثوق به؟ الاتحاد الأوروبي أهم شريك لنا ونريد أن يبقى الأمر كذلك. صحيح أن الكثير من الأوربيين يساوون بين الإسلاميين والإرهابيين، لكن سيتحتم عليهم تغيير إدراكهم هذا وتعلمين أنه يوجد أصناف مختلفة من الإسلاميين. وكما هو الحال مع الديمقراطيين المسيحيين في أوروبا، سوف يوجد هنا ديمقراطيون إسلاميون، محافظون، لكنهم يحترمون الديمقراطية في الوقت ذاته. ماذا تنتظرون من أوروبا؟ لألمانيا تجربة غنية في إقامة المحكمة الدستورية، ويمكنها أن تساعدنا في هذا المجال. ونحن سعداء للغاية أن ألمانيا قبلت تحويل جزء من الديون التونسية إلى مشاريع تنموية. إضافة إلى ذلك نريد تأسيس جامعة ألمانية - تونسية والتعاون في مجالات مهمة كالطاقة على سبيل المثال. السؤال عن أهمية الأقاليم يُطرح لأكثر من مرة في تونس منذ اندلاع ثورتها. هل يمثل النظام الفيدرالي الألماني موضع اهتمام تونس؟ بالطبع. اقترحت مشروعاً لتقسيم تونس إلى سبعة أقاليم مستقلة اقتصاديا عن بعضها البعض إلى حد كبير. ونتمنى لو اضطلعت ألمانيا بنوع من الرعاية للمشروع على جميع الأصعدة: المجتمع المدني والأقاليم والدولة.