زين الدين زيدان يكشف عن حقيقة تدريبه لنادي بايرن ميونيخ الألماني    عاجل/ إحباط عملية 'حرقة' وإنقاذ 20 تونسيا    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    التحديث الجديد من Galaxy AI يدعم المزيد من اللغات    التيار الشعبي : تحديد موعد الانتخابات الرئاسية من شأنه إنهاء الجدل حول هذا الاستحقاق    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    كرة اليد: المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري من 6 إلى 8 ماي الجاري بالحمامات.    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة.    عاجل : القاء القبض على السوداني بطل الكونغ فو    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    تعرّض أعوانها لإعتداء من طرف ''الأفارقة'': إدارة الحرس الوطني تُوضّح    عاجل/استدعاء مدير وأستاذ بمدرسة إعدادية للتحقيق: محكمة سوسة 2 توضح..    بداية من مساء الغد: وصول التقلّبات الجوّية الى تونس    عاجل/حادثة اعتداء تلميذة على أستاذها ب"شفرة حلاقة": معطيات وتفاصيل جديدة..    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    ناجي جلّول يترشح للانتخابات الرئاسية    جندوبة: تعرض عائلة الى الاختناق بالغاز والحماية المدنية تتدخل    تقلبات جوية منتظرة خلال اليومين القادمين (وثيقة)    الرابطة الأولى: البرنامج الكامل لمواجهات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة تفادي النزول    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    سليانة: حريق يأتي على أكثر من 3 هكتارات من القمح    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مصر تكشف حقيقة إغلاق معبر رفح..    العاصمة: القبض على قاصرتين استدرجتا سائق "تاكسي" وسلبتاه أمواله    عاجل/ حزب الله يشن هجمات بصواريخ الكاتيوشا على مستوطنات ومواقع صهيونية    البرلمان: النظر في تنقيح قانون يتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الاطفال    مطالب «غريبة» للأهلي قبل مواجهة الترجي    ثورة الحركة الطلابية الأممية في مواجهة الحكومة العالمية ..من معاناة شعب ينفجر الغضب (1/ 2)    إسرائيل وموعظة «بيلار»    «فكر أرحب من السماء» بقلم كتّاب ((شينخوا)) ني سي يي، شي شياو منغ، شانغ جيون «شي» والثقافة الفرنسية    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب هذه المنطقة..    أنباء عن الترفيع في الفاتورة: الستاغ تًوضّح    منافسات الشطرنج تُنعش الأجواء في سليانة    القيروان ...تقدم إنجاز جسرين على الطريق الجهوية رقم 99    طقس اليوم: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    مصادقة على تمويل 100 مشروع فلاحي ببنزرت    جندوبة .. لتفادي النقص في مياه الري ..اتحاد الفلاحين يطالب بمنح تراخيص لحفر آبار عميقة دون تعطيلات    عمر كمال يكشف أسرارا عن إنهاء علاقته بطليقة الفيشاوي    تونسي المولد و النشأة... ترك تراثا عالميا مشتركا .. مقدمة ابن خلدون على لائحة اليونسكو؟    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة السابعة    طولة ايطاليا : جوفنتوس يتعادل مع روما ويهدر فرصة تقليص الفارق مع المركز الثاني    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    اليوم: لجنة الحقوق والحرّيات تستمع لممثلي وزارة المالية    أهدى أول كأس عالم لبلاده.. وفاة مدرب الأرجنتين السابق مينوتي    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بورقيبة» و «سيلة»:قصة عشق وصفاء... انتهت بالجفاء
نشر في التونسية يوم 06 - 04 - 2013

كيف تسلّلت سعيدة ساسي الى القصر ومهدت الطريق إلى بن علي؟
هكذا غادر الأمين باي العرش حافي القدمين!
لماذا ناصب بورقيبة مشائخ الزيتونة العداء؟
قالت عنه رئيسة وزراء اسرائيل السابقة غولدا مائير: «اخاف هذا الرجل» قبل ان تضيف: «انه ساحر».. فالرجل هزم كل خصومه السياسيين في حياته ...لم تنفع كل الاتهامات والتشكيكات لتنال من اسطورته وحفظ التاريخ نضالاته وتبصره السياسي... حمل في قلبه وطنا ولم يهدأ له بال حتى وضعه على سكة الحرية والتطور... هذا هو بورقيبة في عيون الفرنسيين. ولاتزال الى اليوم «نبوءة» احد الشعراء الشعبيين منقوشة في ذاكرة جانب كبير من التونسيين يوم قال: «يولد دبّير من المنستير فيه الدول تحير»....وقد صدقت هذه النبوءة حيث جاء بورقيبة فملأ الدنيا وشغل الناس بمواقفه في القضية الفلسطينية والمرأة ....وفي الشأن العربي ...احترمته أقوى دول العالم واستقبله كيندي استقبال العظماء إلى درجة أن الصحافة الأمريكية كتبت وقالت إن كيندي بدا قزما سياسيا أمام عظمة بورقيبة.
اليوم ونحن نستحضر الذكرى 13لوفاة الزعيم الراحل تقدم «التونسية» رحلة في أعماق هذه الشخصية وفي مختلف اسرار جوانب حياته الخاصة و«عشقه للوطن ولوسيلة» الى جانب رصد بعض مواقفه في علاقاته مع البايات وخصومه السياسيين وفي لحظات عجزه وتمويته قطرة قطرة من طرف المخلوع ....
انطلقت علاقته بوسيلة «كليوباترا تونس» او «تاتشر التونسية» كما كان يحلو للبعض تسميتها حسب بعض المصادر في 12افريل 1943عندما تحول بورقيبة إلى مدينة حمام الأنف لزيارة بعض أقاربه واصدقائه بعد اطلاق سراحه من سجن «سان نيكولا»بفرنسا ببيت الدكتور الصادق بوصفارة وقد كانت السيدة وسيلة بن عمار من بين النساء اللاتي جئن لاستقباله ... كانت تلك هي لحظة ميلاد علاقة «الماجدة بالزعيم» التي استمرت لاربعة عقود وقال عنها حرفيا «ان فيها شيئا ما يذكرني بفطومة» –والدته – كما قال عنها أنها «تونس بأسرها»....وقد استقرت صورتها في ذهنه ولم يكف عن التفكير فيها طوال عبوره للصحراء الليبية أثناء توجهه للاستقرار بمصر لكن يبدو أن الاعجاب كان متبادلا حيث وبعد أن اشتعل فتيل العشق في نفسها استعملت ذكاءها كانثى لتقنع زوجها بالقيام بمناسك الحج لأنه بامكانها التوقف في مصر أين يقيم بورقيبة لكنها لم تنجح في الالتقاء به وهو ما آلم بورقيبة الذي صرح لبعض المقربين منه من اصدقائه بانه «لم يظفر حتى بمجرد قبلة منها» ....لكن ارتباطها بزوجها لم يمنع وجود علاقة روحية بينهما حيث كثيرا ما تراسلا حتى وهو في المنفى ووجد بورقيبة في جالطة التي نقل إليها في 21 ماي 1952 الكتابة الى عشيقته «وسيلة» خير ملاذ للتخفيف من أعباء البعد عن الأهل والأصدقاء وقسوة المنفى. «تطلبين مني أن أمزّق رسائلك.. إن مسودّاتك اللطيفة تؤثرّ فيّ الى درجة أنه من الصعب عليّ الابتعاد عنها وإذا ما نشرت يوما ما فإن الناس سوف لن يجدوا فيها سوى حبّ نزيه نقيّ وجادّ، حبّا كبيرا لم يثنني البتة عن واجبي تجاه» بما يقيم الحجة على متانة العلاقة الغرامية بينهما و كثيرا ما ربط بورقيبة بين حبه للوطن وحبه لوسيلة واعتبر حبه لها شمعة تنير درب حياته وانه لا يوجد عشق في كامل التاريخ البشري يوازي عشقه لوسيلة واكثر من ذلك فقد اسر لأحد اصدقائه انه مستعد لتنفيذ كل ما تطلبه منه وسيلة بما في ذلك تخليه عن العمل السياسي والحياة العامة. وإمعانا من وسيلة في إثبات جدارتها للفوز بقلب بورقيبة شاركت في عديد الاحتجاجات لتثبت ايمانها بالحركة الوطنية ولتفند ما روج حولها من اشاعات بانها عميلة فرنسية وضعت عن طريق المخابرات الفرنسية ليسهل مراقبة تحركات وقرارات بورقيبة ونشاطاته ....
ويعتبر الاستاذ عادل بن يوسف أنه ومنذ ارتباط بورقيبة الرسمي بوسيلة سنة 1962 وطلاقه من زوجته الاولى الفرنسية ماتيلد (التي اصبح اسمها مفيدة) التي كانت سند بورقيبة في فرنسا والتي اكرم بورقيبة وفادتها حتى بعد طلاقه منها (وحسب بعض المحللين السياسيين فان بورقيبة لم يقدم على هذه الخطوة الا بعد أن استشار الدوائر المقربة له واطمان أن هذا القرار لن يؤثر سلبا على المصالح الحيوية لتونس مع فرنسا) أصبحت وسيلة بورقيبة سيدة القصر، ونظرا لعديد الخصال التي توفرت فيها كالذكاء وقوة الشخصية ودرايتها الجيدة بنفسية الرئيس وبالاوساط السياسية بتونس وطموحها... باتت عنصرا فاعلا في المشهد السياسي اليومي للبلاد، وانشأت حولها كتلة سياسية ما فتئت تتسع من يوم الى آخر بحكم انصات الرئيس لها ولارائها ومواقفها في عديد القضايا والملفات المتصلة بالسياسة الداخلية وحتى الخارجية للبلاد، فأصبحت تراقب كل تحركات وتصرفات الرئيس وتقترح عليه تسمية وعزل الوزراء وكبار الموظفين في الدولة والحزب. ويضيف الاستاذ عادل بن يوسف انه مع تقدم بورقيبة في السن وكثرة مرضه، تفاقمت مخاوف هذه المرأة من امكانية الاطاحة بزوجها وهو ما يعني زوال مصالحها ومصالح المقربين منها. لذلك كثفت من التدخل في الحياة السياسية الوطنية وذلك عبر الاطاحة بالوزراء اللامعين وغير الموالين لها مثل الوزير احمد بن صالح والوزيرين الأولين، الهادي نويرة ثم خلفه محمد مزالي... وذلك بالمراهنة على بعض الوزراء المنتمين الى كتلتها والمؤتمرين بأوامرها وفي مقدمتهم وزراء الداخلية، ولبلوغ اهدافها لم تتخلف سيدة قرطاج عن التحالف مع النقابات وحتى مع حكام بعض الدول المجاورة للاطاحة بالوزراء الذين كان يختارهم بورقيبة، فكانت بشكل أو بآخر ضلعا في عديد الأزمات والهزات السياسية التي شهدتها البلاد وفي مقدمتها أحداث الخميس الاسود لسنة 1978، وأحداث الخبز سنة 1984 وطرد العمال التونسيين من ليبيا في صيف 1985. كما أن السياسة الخارجية لم تخرج عن دائرة اهتمام هذه المرأة بما أنها سعت الى توجيه الدبلوماسية التونسية وفق مصالحها وتطلعاتها وذلك بالحيلولة دون قيام الوحدة بين تونس وليبيا بتحقيق تقارب بين تونس والجزائر وتنقية الملفات الشائكة بينهما، وتشجيع بورقيبة على احتضان الجامعة العربية سنة 1979 ثم مقر القيادة الفلسطينية بتونس سنة 1982. وفي نفس السياق لا يشكك النقاد والملاحظين في دور وسيلة في التأثير على الزعيم بورقيبة ودفعه الى القيام بالخطوة الريادية الهامة في المجال الاجتماعي بإعلانه في 13 أوت 1956 عن مجلة الأحوال الشخصية أشهرا قليلة فقط بعد حصول البلاد على استقلالها. ويفسر بعض المحللين ذلك بالطابع التحرري لكل من شخصية بورقيبة ووسيلة وهو ما اثر على اختيارات مجلة الاحوال الشخصية في ما يتعلق باحكام الزواج والطلاق وخاصة حرية اختيار الزوجة لشريك حياتها وامكانية الانفصال عنه متى شاءت .....
سعيدة ساسي بطلة دسائس القصر
قصة عشق انتهت بالطلاق سنة 1986بعد أن فقدت «الماجدة» ثقة الزعيم إذ ظلت سعيدة ساسي تدبر المؤامرة ضد وسيلة عمار، حتى قرر الرئيس الحبيب بورقيبة تطليقها لترث سعيدة ساسي النفوذ الواسع الذي كانت تتمتع به وسيلة عمار، ليس ذلك فحسب، بل سعت الى تفتيت كل نفوذ أسرة وسيلة الارستقراطية التي ظلت ترفل في رغد من العيش في العاصمة ومنذ ان دخلت سعيدة ساسي الى قصر قرطاج اصبحت الآمرة الناهية في كل شيء، من تعيينات المناصب العليا الى وجبات الطعام التي تقدم الى خالها الحبيب بورقيبة, كانت مسؤولة النهار.. والليل داخل قصر قرطاج, لم تشغل اي منصب رسمي ...وقيل إنها تلاعبت بحياة الرئيس في نوبات مرضه, كانت ترى انها ابنة الاخت المفترض فيها ان تقف الى جانب خالها في كل الاوقات. تبوأت سعيدة ساسي مركزاً متقدماً في دائرة نفوذ قرطاج، في وقت كانت فيه تونس تعيش حيرة شاملة وصعبة, ظهرت وساوس وشكوك كبيرة من ان الرئيس لم يعد يحكم الوزارات بل انها كانت تعين ثم تقيل لأتفه الاسباب، وادى ذلك الى تفتت الطبقة السياسية التي تحلقت حول «الزعيم».ويذكر أن الحبيب بورقيبة الابن كان يبدي استياءه من تصرفاتها وقد عبر عن ذلك. ولا تنفي نفس المصادر أن تكون هذه المرأة وراء توتر العلاقة بين الحبيب الاب والحبيب الابن وهي وراء مساندة بن علي الذي مهدت له لتنفيذ مخططه ... وملأت ساسي صدر خالها على مزالي ، فاقيل من منصبه، وعندما حاول مرة دخول قصر قرطاج بمناسبة عيد ميلاد بورقيبة طرد من الباب، على الرغم من ان دعوة وجهت له، ثم استمرت سعيدة ساسي في الانتقام، من رجل «صالح خصومها»، كما كانت تقول, القي القبض على نجل مزالي الاكبر ويدعى مختار، ولم يبق امام مزالي من مخرج سوى ان يفر من البلاد، ثم اعتقل بعد ذلك ابنه رفيق وهو طبيب واستاذ جراحة وتعرض لتعذيب وحشي لاجبار مزالي على العودة، بعد ان انتقل من الجزائر الى سويسرا، ثم اعتقلت ابنته وزج بها في السجن ويؤكد مصدرنا أن بورقيبة كان لا يتاخر عن مغازلة وسيلة علنا وهي في فرنسا حيث حاولت استرجاع امجادها من عاصمة النور لكن في كل مرة كانت سعيدة بالمرصاد وحالت دون عودة المياه لمجاريها ...وقد صرح الاستاذ علالة الرجيشي أن بورقيبة أثناء اقامته الجبرية كان يذكرها كثيرا وقد بكى يوم وفاتها وانهمرت دموعه غزيرة قبل أن يعلم بذلك ...
بورقيبة في منفاه الأخير
جرح بورقيبة هو اقل تعبير عن مأساته التي عاشها بعد أن هندس المخلوع على طريقة المافيا سرقة السلطة منه صحبة بطانته وحبس بورقيبة بعد افتكاك السلطة منه بدار الوالي بالمنستير قهرا ثم طوقوه بعدد كبير من رجالهم المسلحين واعوانهم المأجورين وعومل بشكل سيئ وتعرض للضرب من بعض الاعوان وتواصلت الاساءة له بشتى الطرق طيلة مدة حبسه إلى أن فارق الحياة اذ كانت تقدم له وجبات غير صحية مما تسبب له في العديد من المشاكل الصحية كما اصيب بألم شديد في احدى رجليه نتيجة انغماس ظفر احد الاصابع في اللحم مما ادى إلى تعفن الاصبع لبقائه دون علاج فضلا عن المهانة التي لا تليق بزعيم سابق ورئيس. ففي احدى المرات اخذه احد الاعوان المكلفين بالحراسة ورماه داخل السيارة بالقوة مما تسبب له في ألم شديد. ومن مظاهر سوء معاملة الزعيم عدم الاستجابة لطلباته البسيطة ومنها شرب الماء حيث كان يصيح ويصرخ ويضرب على الطاولة بعصاه لكن لا احد يلبي طلبه ويروي ظمأه .
فصول معاناة الزعيم الراحل في منفاه تنوعت اشكالها فقد ألبسوه بالي الثياب ,حذاء قديما وقميصا أكل عليه الدهر وشرب وكل ذلك موثق بشهادات حية. وقد افادنا الأستاذ علالة الرجيشي انه تقدم بقضيتين ضد الرئيس المخلوع في عهده أولهما من اجل القبض والسجن دون إذن قضائي لمدة تتجاوز الشهر تبعهما الموت بواسطة الإيذاء طبقا للفصل 251 من الفقرة الأخيرة من المجلة الجزائية اذ أن الحبيب بورقيبة عندما تم القبض عليه وسجنه كان رئيسا للجمهورية أي موظفا عموميا سجن دون إذن قضائي وثانيهما السرقة عملا بالفصل 260من المجلة الجزائية حيث تمت سرقة الهدايا التي تسلمها من الرؤساء والملوك والتي كان وضعها بالمتحف بدار حومة الطرابلسي بالمنستير ويضيف محدثنا أن اتهام بورقيبة بالعجز افتراء .
ويستند الأستاذ علالة الرجيشي لاثبات زيف ادعاء عجز بورقيبة إلى تصريح الهادي البكوش المنشورة في جريدة «لوموند» بتاريخ 11 نوفمبر 1987 ذكر ضمنه انه «لا يمكن أن نتركه يخرج لكي يصفق له» مما يعني أن الهادي البكوش كان يصر على حبسه .كما يستند إلى شهادة الكاتب والصحفي الفرنسي «جان دانيال»في كتابه «الجرح» في الجزء المتعلق بزيارته لبورقيبة حيث سأله «هل ينقصك شيء فاجابه الرئيس بورقيبة انه في «المقصلة» كذلك شهادة طبية للدكتور عمر الشاذلي تؤكد عدم صحة ما ورد بالبلاغ الطبي الذي اعتمده قادة انقلاب 7 نوفمبر وقد دوّن ذلك في كتابه «بورقيبة كما عرفته وتصريح الزعيم لطبيبه أن ما تعرض له هو غدر وليس خيانة وقد طلب منه الزعيم الحبيب بورقيبة أن يتصل بسفراء فرنسا وانقلترا وامريكا لاعلامهم بوضعه السيئ كما ارسل عدة رسائل لبن علي والى الوكيل العام للجمهورية طلب ضمنها اطلاق سراحه وأنه مستعد أن يمثل أمام المحكمة أن كان هناك وجه لمؤاخذته غير أن ردة فعل المخلوع ومن معه في 15فيفري 1988 تمثلت في تشديد الخناق عليه أكثر واعتمادا على كل هذه المعطيات الواقعية المتظافرة يتأكد أن الاطباء الذين اصدروا البلاغ الطبي سلموا شهادة مجاملة تتضمن امورا غير حقيقية وكانت مقابل منافع .
تاريخ نضالي لكن ..
مات بورقيبة و ظلت الاتهامات تطارده فمن واقعة «صباط الظلام» الى مقتل صالح بن يوسف الى اهانة البايات, الى صراعه مع مشائخ الزيتونة وغيرها من التهم التي اعتبرها البعض نقاطا سوداء في الملحمة البورقيبية.
وحسب بعض المراجع فإنّ محمد الأمين باي حاول الاستفادة من الانشقاق الذي دب في صفوف مناضلي الحزب الحر الدستوري اذ يبدو انه كان هناك اتفاق سري او تحالف مع صالح بن يوسف الذي قد يكون وعده بان يسعى اذ مالت الأمور لصالحه الى ان يتولى العرش الشاذلي اكبر أبناء الأمين باي سنا وهذه الفرضية قد تستقيم واقعا من خلال الظروف القاسية التي قضى فيها الأمين بقية عمره اذ ان هذه الخلفيات ظلت تتحكم لاحقا في علاقة بورقيبة مع البايات عامة .
الأمين باي خرج حافي القدمين ...
حسب ماورد بكتاب «بورقيبة: سيرة محرّمة فان الأمين باي أظهر مهارة فائقة في نسج علاقات ناجحة مع جميع الأطراف الصاعدة سواء مع زعيم المقاومة الفرنسية ديغول أو مع زعماء الحركة الوطنية لا سيما الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف اللذين كانا قد أصبحا نجمين سياسيين في البلاد. كان الأمين باي يعتقد أن بن يوسف سيجعله أكثر قبولا داخل الحركة الوطنية أما بورقيبة فقد نظر إليه على أنه محارب ضد عدد من الأعداء المشتركين, وأنه محارب من أجل دعم الحوار والتعاون مع فرنسا الحرة وإذا حظي الباي بكثير من الاحترام لدى الحركة الوطنية، فإنه لم يحصل على لقب «رفيق تحرير» الذي حصل عليه سلطان المغرب, ورغم أنه واصل تحالفه مع بورقيبة، الأمر الذي أدى إلى اختياره رئيسا لوزرائه. إلا أن هذا الأخير، كان ناجحا في إخفاء نواياه الحقيقة تجاه الحكم الحسيني الى ان قرعت طبول النهاية. وفي 25 جويلية 1957 ألقى بورقيبة خطابه الذي أعلن فيه عن ميلاد الجمهورية وتم اختياره رئيسا للجمهورية بإجماع جميع أعضاء المجلس التأسيسي لخطة رئيس الجمهورية. حينها عرف الباي من خلال الراديو انه أصبح رجلا عاديا من عامة الشعب وعهد لإدريس قيقة مدير الأمن وعلي البلهوان نائب رئيس المجلس التأسيسي بمهمة إبلاغ الباي قرار العزل. وقد صرح الباي إبان إعلامه بهذا القرار حرفيا انه .... «مستعد للرحيل ولكنني غير مستعد للتوقيع على قرار التنازل ,تعرفون جيدا انني غير قادر على إنهاء عرش لست فيه الا خادما سيلقى وجه ربه قريبا ...»
غادر الأمين باي حسب شهادة ابنته زكية ضمّنتها في كتاب «نساء وذكريات» القصر في ظروف مهينة اذ اخرج عاري الرأس وحافي القدمين لايحمل فوق جسده سوى جبة ومعه زوجته «جنينة» وابنته صوفية وأبناؤه الثلاث, الشاذلي ومحمد وصلاح الدين وزوج ابنته الدكتور بن سالم نقلتهم سيارات البوليس الى منوبة حيث وضعوا تحت الإقامة الجبرية كل على حدة بينما بقيت ابنته زكية وأبناؤها والبعض من إخوتها في القصر الى ان اخرجوا منه والقي بهم في الشارع بعد ان انتزعت كل أملاكهم. ذاق الأمين باي المهانة بأنواعها حتى ان زوجته توفيت كمدا اذ لم تتحمل اهانة الاستنطاق حول قضية المصوغ وقد بكى الأمين باي رحيلها ولم يتحمل فراقا طويلا والتحق بها بعد أشهر.
ويبقى نضال بورقيبة وزعامته محل اخذ وردّ اذ ان هناك من انتقد عنجهيته ورغبته في الظهور على حساب غيره ممّن ساهموا في إرساء تونس الحديثة واتهموه بانه خان رفاقه في الحركة الوطنية اذ انه نسب الى نفسه مفاوضات الاستقلال التي قامت بها حكومة الوزير الاكبر بن عمار وصرح انه ابتدع تعليم المرأة حسب ذكرهم باطلا لان الزيتونيين هم أول من انشؤوا مدرسة الفتاة المسلمة قبل الاستقلال ونسب مجلة الاحوال الشخصية لنفسه في حين انها كانت بأمر من الأمين باي كما ورد في مقدمتها وقد صاغها ثلة من العلماء الزيتونيين ,كما يتهمه خصومه بأنه غرّب التعليم وأنه تصدى الى مبادرة مزالي لتعريب التعليم وكانت من اكبر المأخذ على بورقيبة اتهامه بنزعة «تغريبية اجتثاثية للحضارة العربية الإسلامية ومحاربته للدين الإسلامي» .
وحسب بعض المصادر المطلعة فان اختلاف بورقيبة مع مشائخ جامع الزيتونة سببه اعتقاد الزعيم انهم اصطفوا الى جانب صالح بن يوسف خاصة مع الخطاب الشهير الذي القاه هذا الأخير في 7اكتوبر 1955بجامع الزيتونة وتهجّم فيه بشدة على سياسية الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وهو ما اعتبره بورقيبة تجاوزا لكل الخطوط الحمراء ثم جاء مؤتمر صفاقس الذي كان بمثابة مؤتمر الحسم حزبيا وسياسيا وثقافيا وحضاريا لصالح رؤى وأطروحات بورقيبة التي انتقدت بشدة التعليم الزيتوني واعتبرته تعليما عتيقا لا صلة له بالعصر. وتم إلغاء التعليم الزيتوني فيما تواصلت علاقة الجفاء إزاء الزيتونة اذ ألقى في الستينات الزعيم بورقيبة ثلاث خطب اتسمت بانتقادات لاذعة وتهجمات صريحة على كبار المشائخ حسب بعض المصادر و ذلك راجع الى امتناعهم عن الإفتاء بالإفطار في شهر رمضان لكن يبدو اليوم ان هناك اتجاها نحو مراجعة هذه النظرة او على الأقل تنسيبها لان بورقيبة ولان كان معجبا بكمال أتاتورك الذي حارب الدين لاعتقاده انه سبب تخلف تركيا فإنه لم يحارب الدين بل حاول محاربة نظرة معينة للدين او بالتحديد نوعا معينا من التدين الذي يشل الأفراد والمجتمعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.