التونسية (تونس) لازالت تطالعنا حكايات عن أطفال ولدوا وترعرعوا وكبروا في الشوارع بين الانحراف والفقر وسط تجاهل غريب للمجتمع والدولة اللذين يجعلان منهم فقط ظاهرة للدرس في المنتديات والأعمال الدرامية ... سالمة رجب واحدة من هؤلاء قضت أكثر من اربعين سنة في الشارع وهي فتاة يتيمة تربت في قرى الأطفال وعندما غادرتها لم تجد مأوى أو عملا يوفر لها قوت حياتها فحادت عن الطريق السوي وترددت مرارا على السجن -المكان الوحيد الذي تجد فيها لقمة «مضمونة»- حسب قولها. وأدمنت شرب الكحول لبؤس وضعها لأنها تعتقد أنها بذلك تنسى معاناتها وعوزها الذي جعلها تمل الحياة. سالمة قالت إنه لولا قدرة الله التي جعلتها تواصل العيش لما اختارت أن تبقى بين أرصفة الشوارع والذئاب الآدمية التي تنهش لحمها دون شفقة او رحمة, وتجعلها وعاء لنزواتها وأكدت انها لم تنعم يوما بالراحة ولا تعلم شيئا عن السعادة ولا أمل لها في هذه الحياة ولم تنم يوما على فراش داخل بيت إلا حين استقبلتها صديقة لها هي طفلة شوارع بدورها لكن الله انعم عليها بأسرة أوتها. وفي لحظة ضيم كبير وأمام انسداد الآفاق والسبل أمامها قررت في إحدى المرات وضع حد لحياتها فقامت بذبح نفسها لكن مرة أخرى تشاء الأقدار أن تظل سالمة على قيد الحياة حيث تم إسعافها وكتبت لها النجاة معلقة على ذلك بقولها «أعمار الكلاب طويلة» وفي خضم كل ذلك تحصلت على وعود بالمساعدة تنتظر التجسيم... امرأة أخرى في عقدها الثالث - عاشت لسنوات في الشوارع- توفيت والدتها وهي لاتزال رضيعة تبلغ من العمر 3 اشهرفعجز والدها عن رعايتها فسلمها لإمرأة عاقر لتقوم بتربيتها وكانت ظروف هذه المرأة صعبة وتعيش من إحسان الغير, وعندما بدأت الفتاة تفقه ماحولها أحست بالأوضاع المزرية وعجزت عن مواصلة مشوارها الدراسي وتأزمت نفسيتها لأنها تشاهد ما حولها قاتما فتعرفت على مجموعة من أبناء منطقتها انساقت وراءهم في عالم الإجرام وأصبحت تسرق لكي توفر الأكل لها ولوالدتها لان الجوع أنهكهما فعوقبت عدة مرات وأودعت بالإصلاحية ثم تزوجت وانجبت ابنا فتفاقمت مسؤوليتها وسعت إلى الحصول على مورد رزق يقيها الخصاصة ويبعدها عن عالم الانحراف لكنها عجزت عن ذلك فواصلت نفس المسار ثم انفصلت عن زوجها الأول واقترنت بغيره وانجبت بنتين وسعت لتنشئة أبنائها الثلاثة تنشئة سليمة رغم فقرها وتعليمهم علها بذلك تحقق ما تصبو إلى تحقيقه لكن ظروفها الاجتماعية أجبرتها على قطع تعليم ابنتها –سنة سادسة –لعجزها عن توفير مصاريفها... هذه الظروف القاسية التي عاشتها محدثتنا جعلتها تعمد في لحظة انهزام بعد أن يئست من كل من هم حولها الى تسلّق عمود إنارة عمومي هي وأبناؤها بعد أن بات الموت والحياة سيان لديها لان لا احد تعهد بوضعيتها وقدم لها إعانات وحلولا. وتضيف أنه عندما بلغ النبأ إلى السلط تدخلت وتم إنقاذها من الموت ووعدتها بمساعدتها وهي الآن تنتظر الفرج الذي طالما تمنته لسنوات علها بذلك تحيى حياة كريمة هي وأبناؤها لتقطع مع الألم وضنك الحياة وتواصل رسالتها معهم حتى تحميهم من الانحراف وحتى لا تضطر للعودة واياهم إلى الشارع...