جلول: أفكر جديا في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.    عاجل/ تعطل الدروس بالمدرسة الإعدادية ابن شرف حامة الجريد بعد وفاة تلميذ..    خطير/بينهم تونسيون: قصر يتعرّضون للتعذيب في أحد السجون الإيطالية..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواصل التحضيرات بجنوب إفريقيا    اليوم النظر في شرعية القائمات الثلاث المترشحة لإنتخابات جامعة كرة القدم    كانت متّجهة من العاصمة الى هذه الجهة: حجز مبلغ مالي على متن سيارة اجنبية    شكري الدجبي يطالب بمواصلة العمل بالإجراء الاستثنائي لفائدة الفلاحين    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة بقطاع غزة..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأربعاء 24 أفريل 2024    مفزع/ حفل زفاف يتحول الى مأساة..!!    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    الاتحاد الأوروبي يمنح هؤلاء ''فيزا شنغن'' عند أول طلب    جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة    التمديد في مدة ايقاف وديع الجريء    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: ثنائي مولودية بوسالم يتوج بجائزة الأفضل    ماذا ستجني تونس من مشروع محطة الطاقة الكهروضوئية بتطاوين؟    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    قفصة: الاطاحة بمروجي مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    اختناق عائلة متكونة من 6 أفراد بغاز المنزلي..    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    %39 زيادة رصيد الخزينة العامة.. دعم مكثف للموارد الذاتية    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة و513 إصابة خلال 24 ساعة.    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    أمطار غزيرة: 13 توصية لمستعملي الطريق    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    الطقس اليوم: أمطار رعديّة اليوم الأربعاء..    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي    أريانة: إزالة 869 طنا من الفضلات وردم المستنقعات بروّاد    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    رئيس مولدية بوسالم ل"وات": سندافع عن لقبنا الافريقي رغم صعوبة المهمة    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" التونسية"تنشر مرافعة وكيل الجمهورية لدى المحكمة العسكرية بصفاقس في قضية شهيد صفاقس "عمر الحداد" وطلب تسليط حكم الشعب على الرئيس المخلوع
نشر في التونسية يوم 29 - 04 - 2013

مرافعة وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية العسكرية الدائمة بصفاقس العقيد قاضي احمد الجبال الاثنين29 افريل 2013 في الجلسة الاخيرة من المحاكمة المتعلقة بشهيد صفاقس عمر الحداد واثنين من الجرحى في احداث 12 جانفي 2011 بصفاقس وهي القضية عدد 12096 والمتهم فيها بحالة فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وبحالة نزيل بالسجن رفيق الحاج قاسم وزير الداخلية الاسبق وعلي السرياطي مدير الامن الرئاسي الاسبق وبحالة سراح بدر الدين خشانة مدير امن اقليم صفاقس الاسبق وماهر الفقيه أمر فوج وحدان التدخل بصفاقس وحسن النوي عون الامن ... هي مرافعة كانت طويلة ومهمة استعرض فيها ملابسات قضية الحال والادلة والاثباتات والشهادات لاطراف القضية والشهود وافادات جهات اخرى من بينها افادات الوزير الاول الاسبق محمد الغنوشي والذي جاء من ضمن تصريحاته ان الرئيس المخلوع زين العابدين بنم علي قال يوم 14 جانفي 2011 انه ينبغي ان يسيطر على الوضع وانهاء الاحتجاجات الشعبية السلمية ولو اقتضى الامر قتل الف والفين ليخلص الى طلب تسليط حكم الشعب على المخلوع زين العابدين بن علي وبالنسبة لبقية المتهمين طلب المحاكمة طبق فصول الإحالة وانزال عقوبات مشددة على مستحقيها والحكم بالتعويض العادل والشامل للمتضررين وأهالي الضحايا تعويضا يتناسب مع جسامة ما لحقهم من ضرر بدني ومعنوي
' التونسية ' كانت حاضرة واستمعت الى كامل تفاصيل هذه المرافعة التي ننفرد بنشرها بحذافيرها وفيها عديد التفاصيل والشهادات :
بسم الله الرحمان الرحيم
سيدي الرئيس جناب المجلس المحترم
إنّني أقف في هذا اليوم في رحاب هذه القاعة وأمام محكمتكم الموقرة محملا شأني شأنكم بأمانة على عاتقي أرجو من الله عزّ وجل العون في تبليغها على الوجه الأكمل . إنّها أمانة المجتمع والحق العام الذي نالني شرف تمثيله في هذه القضية وهذا شعار القضاء العسكري الشرف والأمانة هذه القضية التي ذاع صيتها في الداخل والخارج لأنّها قضية الشعب والوطن قضية تونس قضية الثورة التي كانت منطلقا لربيع الثورات العربية بعد أن خطت دماء التونسيين الطاهرة الزكية معاني الحريّة والكرامة ومقاومة الفسق والفساد والقهر والإستبداد .
سيدي الرئيس
إن أجل ما أستهل به مرافعتي هذه قوله تعالى : " ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " . وقوله أيضا : " يا أيّتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية وادخلي في عبادي وادخلي جنّتي " .
وقوله أيضا : " من قتل نفسا بغير حقّ أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعا " صدق الله العظيم . فحقّ الحياة أهمّ حقوق الإنسان على الإطلاق ضرورة أنّه لايمكن أن تنشأ بقية الحقوق الأخرى إلاّ بوجود هذا الحق . الذي رغم قداسته فإنّنا للأسف الشديد نجد أنفسنا اليوم أمام وقائع تمتد بين الفترة الزمنية المتراوحة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 وتشمل 30 شهيدا و340 مصابا وجريحا في الولايات الراجعة بالنظر ترابيا لهذه المحكمة وهي 09 : صفاقس المهدية توزر تطاوين سيدي بوزيد قفصة قبلي مدنين قابس .
جناب المحكمة
وقائع القضية يعرفها القاصي والداني بإعتبارها ليست قضية قتل أو سرقة ... عادية إذ أن أحداثها تختزل ثورة الحريّة والكرامة التي عرفتها البلاد التونسية وتصارع فيها الخير والشرّ وزهق فيها الباطل إن الباطل كان زهوقا .
فقد وجهت فوهات البنادق إلى صدور شباب تونس في سنة ادعى النظام أنها سنة الشباب فكانت بحقّ سنة الشباب الواعي الذي لم تخدره الوعود الكاذبة .
هذا النظام الذي طلع علينا فجر يوم من أيام شهر نوفمبر 1987 ببيان معكوس ظاهره يبشر بالعدل والإنصاف والعدالة الإجتماعية والقسطاس وإعطاء القانون حرمته والإنسان حقوقه وكرامته وحريته ... وباطنه يضمر الظلم والقهر والفساد والفسق والإستبداد واستغلال النفوذ والعبث بأموال المجموعة الوطنية ونهبها وسرقة قوت الشعب وخيرات البلاد .
ذلك أنّه منذ أن تربّع هذا الحاكم الظالم المستبد عدو الشعب عدو الحياة على العرش بالحديد والنّار وبالتزييف والخزعبلات حتى سخّر كلّ آليات حكمه لخدمة مصالحه ومصالح عائلته وأصهاره ونزواتهم ... فعمّت الفوضى والتسيب واستغلال النفوذ والإستلاء على خيرات وثروات البلاد وقهر وظلم المعارضين والعباد .
لقد نخر الفساد مفاصل الدولة وأدت السياسة المنتهجة من قبل النظام الحاكم إلى شعور العامّة بالإحباط واليأس وكنت لاتسمع إلا الزفرات والتأفف ولا ترى إلا الوجوه المتألمة والعابسة . وكان لابد لهذا الظلام أن يتجلى ولهذا القيد أن ينكسر لأنّ الكيل قد طفح والقلوب قد تنافرت ودميت .
وإنّ القلوب إذا تنافر ودها
مثل الزجاج كسرها لا يجبر
كما قال الشاعر .
وكانت القطرة التي أفاضت الكأس
فبداية من 17 ديسمبر 2010 وعلى إثر إقدام المرحوم محمد البوعزيزي على إضرام النّار بنفسه بسبب تعاظم القهر والإضطهاد عمّت البلاد حركة احتجاجية شعبية رفعت خلالها شعارات تنادي بالحريّة والكرامة والعدالة الإجتماعية والتشغيل للعاطلين ... وتطورت المطالب الشعبية إلى المناداة بإسقاط النظام ومحاسبة رموز الفساد من عائلة وأصهار وحاشية رئيس الدولة السّابق وصرنا نسمع تكرر شعار " خبز وماء وبن علي لا " و " ارحل DEGAGE " ورغم علم المتهم الرئيس السابق زين العابدين بن علي بسقوط قتلى وجرحى بالرصاص الحي من بين المتظاهرين في منزل بوزيان بالخصوص الذي سقط فيها أول شهيد في الثورة في أواخر ديسمبر 2010 لم يعر الأمر اهتماما وقابله باللامبالاة وعدم الإكتراث وواصل رحلة الإستمتاع بعطلة نهاية السنة بدبي بالإمارات العربية المتحدة مع أفراد عائلته ولم يكلف نفسه عناء قطع عطلته ضاربا عرض الحائط بمصلحة الوطن والشعب . وحتى عند عودته إلى أرض الوطن لم يفكر في معالجة الأوضاع معالجة سلمية بالإنصات إلى هموم الشعب ومشاغله ومشاكله وخيّر استعمال القوّة للتصدي للمحتجين واتجهت نيّته إلى قمع المتظاهرين لوأد الإنتفاضة الشعبية . فمرّر تعليماته لوزير داخليته المتهم رفيق قاسمي بإستعمال الرصاص الحي ضدّ المتظاهرين وهو خيار سبق له انتهاجه أثناء أحداث الحوض المنجمي معتبرا أنّه يمكن استعمال الذخيرة الحيّة طالما أنّ وقف تيار الإحتجاجات يستوجب ذلك حتى لا تستفحل الأمور مستبيحا دماء التونسيين بلا رأفة ولا رحمة ولا شفقة في سبيل بقائه في السلطة معتبرا أنّ أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين ضدّ مصالح بلادهم لجؤوا إلى العنف والشغب في الشوارع وتوعد المحتجين في الخطاب الذي ألقاه يوم 28 ديسمبر 2010 بأنّه سيقع التصدي لهم " بكلّ حزم وبكلّ حزم " .
إنّ هذا الخطاب إلى جانب التعليمات التي مررها لوزير داخليته المتهم رفيق القاسمي تسطر مشروعه الإجرامي المتمثل في انتهاج أسلوب القمع واستعمال القوّة المفرطة بالسّلاح بإطلاق النّار على المتظاهرين وهو الذي يعلم جيدا بحكم خبرته الأمنية بأنّ إستعمال الأسلحة النّارية من قبل قوات الأمن الداخلي تجاه المواطنين الثائرين سيؤدي حتما إلى إزهاق أرواحهم واعتبر أنّ ذلك أقصر وأقوم المسالك لمعالجة الأزمة وإجهاض المظاهرات والإحتجاجات .
وتنفيذا لتعليمات القائد الأعلى لقوات الأمن الداخلي المتهم بن علي ثمّ بعث خلية أزمة صلب وزارة الداخلية أشرف على تسييرها أنذاك وزير الداخلية المتهم رفيق قاسمي بتنافس شديد مع المتهم علي السرياطي المدير العام لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية سابقا الذي كلّفه المتهم بن علي بمواكبة اجتماعات اللجنة ومراقبة الأوضاع والتنسيق بين مختلف أجهزة الأمن من ذلك أنّه لما لاحظ نقصا في العتاد اتصل بالنظام الليبي آن ذاك وطلب 1500 قنبلة مسيلة للدموع فكان له ذلك وأصبح بالتالي بمثابة حلقة الربط بين خلية الأزمة والمتهم بن علي إلى جانب اتصالاته المباشرة مع القادة الأمنيين الميدانيين والجهويين وكان جميعهم يتواصلون لمتابعة الأوضاع الأمنية يوميا ويسدون التعليمات بواسطة الهاتف القار والمحمول دون المرور عبر قاعة العمليات المركزية كما تقتضي ذلك التراتيب المعمول بها في المجال وذلك لتجنب ترك أي أثر كتابي أو مسموع للتعليمات كما تولوا إرسال التعزيزات الأمنية اللازمة لجميع مناطق البلاد والتي كانت مدججة بالأسلحة النّارية في غياب شبه كلي لوسائل التصدي غير القاتلة التي نصّ عليها القانون عدد 4 لسنة 1969 المتعلق بالإجتماعات العامّة والمواكب والمظاهرات والتجمهر وهو ما يعكس النيّة والرغبة في إجهاض المظاهرات والإحتجاجات بقوة السّلاح .
فخلال الفترة الممتدّة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 تاريخ هروب المتهم الرئيس السابق زين العابدين بن علي عرفت البلاد التونسية حركة احتجاجية شعبية شاركت فيها معظم فئات الشعب التونسي بتنظيم مسيرات ومظاهرات وأمام تصاعد الإحتجاجات توخى السياسيون والأمنيون المعالجة الأمنية الصارمة تنفيذا لتعليمات المتهم زين العابدين بن علي فقد عمد عدد من أعوان قوات الأمن الداخلي أثناء تصديهم للمظاهرات إلى الإفراط في استعمال القوة تجاه المتظاهرين العزل بدون مبرر مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا والجرحى بكامل تراب الجمهورية ومن بينهم شهداء وجرحى الولايات والمدن التابعة لمرجع نظر هذه المحكمة وصفاقس وقرقنة موضوع قضية الحال.
فالثابت أنّه رغم المعالجة الإجرامية للأحداث فإنّ الوضع ازداد تأزما لذلك أوصى المتهم بن علي بالتعتيم الإعلامي على عدد القتلى والجرحى بكامل تراب الجمهورية وأذن بدفع مبالغ مالية لفائدة عائلات الضحايا .
وفي محاولة يائسة منه للسيطرة على الوضع وامتصاص غضب الشارع وتهدئة الرأي العام بادر يوم 12 جانفي 2011 بعزل وزير الداخلية المتهم رفيق قاسمي . وفي ذات اليوم سقط عدد كبير من الشهداء والجرحى نتيجة للتعليمات الصّادرة بإستعمال السلاح والتي بقيت نافذة المفعول حتى بعد مغادرة الوزير المقال لمهامه :
من ذلك أنّه في يوم 12 جانفي 2011 شارك كلّ من عمر الحداد ونجيب خشارم في مسيرة سلمية بمدينة صفاقس والتي بوصولها إلى مفترق 07 نوفمر حصلت بعض المناوشات بين المتظاهرين وأعوان الأمن الذين كان يشرف على تأطيرهم وقيادتهم المتهمين بدرالدين خشانة مدير إقليم الأمن الوطني وماهر الفقي الذي كان ينوب آمر فوج حفظ النظام العام آلت إلى اطلاق النّار من قبل أحد أعوان الأمن بقي مجهولا صوب المتظاهرين أدى إلى اصابة عمر الحداد برصاصة في جنبه أدت إلى استشهاده مساء نفس اليوم رغم محاولة اسعافه بمصحة السلامة القريبة من الموطن كما أصيب نجيب خشارم برصاصة على مستوى فخذه الأيسر لما كان بصدد قطع الطريق وكادت الإصابة أن تؤدي إلى ازهاق روحه لولا التدخل الطبي والعناية الإلاهية .
ورغبة منه في النأي بنفسه عن كلّ مسؤولية أو تتبع أطلّ المتهم رئيس الدولة السابق على الشعب وألقى خطابا عبر وسائل الإعلام زعم فيه أنّه أعطى تعليماته لوزير الداخلية بوقف إطلاق الرصاص على المحتجين بقوله حرفيا : " يزي مالكرطوش الحي الكرطوش موش مقبول ماعندوش مبرر " .
ومع ذلك تأزمت الأوضاع الأمنية بالبلاد وبلغت ذروتها يوم 14 جانفي 2011 وفي حدود الساعة العاشرة من صبيحة هذا اليوم خاطب المتهم بن علي أثناء مكالمة هاتفية وزيره الأول الأسبق محمد الغنوشي بقوله : " الأمن لا بد أن يستتب ولو تطلب الأمر سقوط ألف أو أكثر من ضحايا " . وفي عصر نفس اليوم جابت مسيرة سلمية بلدة الرملة من جزيرة قرقنة أطلق خلالها أعوان الأمن الرصاص الحي على المتظاهرين فأصاب المتهم حسن النوي برصاص سلاحه المتضرر مكرم بوعصيدة برقبته ونجى من موت محقق .
النيابة العسكرية كسابق عهدها بإعتبارها تمثل الهيئة الإجتماعية والحق العام ستتولى في مرحلة أولى بإختصار استعراض الحجج والأدلّة والقرائن التي تقيم الدليل على اقتراف المتهمين للجرائم المنسوبة إليهم ثمّ وفي مرحلة ثانية إضفاء التكييف القانوني على الأفعال وتقديم طلباتها في الأصل :
I الحجج والأدلة والقرائن :
1) سمير الحداد : والد الشهيد عمر ذكر أنّه علم بأن أحد الأعوان كان جاثما على ركبة ونصف ومحاطا بعدد من زملائه في شكل دائري وجه سلاحه نحو ابنه وأصابه برصاصة بالجهة اليسرى من بطنه فنتج عن ذلك حصول نزيف أدى إلى وفاته . وأضاف أنّ الجاني كان مرتديا زيا أسود .
2) الشاهد علاء الدين بلحاج لطيف : أيد تصريحات والد الشهيد وأدلى بأوصاف القاتل .
3) الشاهد العباس الحداد ابن عم الشهيد عمر : أكد أنّه كان صحبة هذا الأخير بمسرح الجريمة يختبئان خلف مسجد صغير لمّا كانت مجموعة من قوات التدخل تطلق القنابل المسيلة للدموع في اتجاه المتظاهرين وفي الأثناء غادر الهالك المكان هاربا ثمّ فوجئ به يسقط فسارع مع بعض المتظاهرين لنجدته رغم إطلاق النّار الحي وإدخاله إلى مصحة السلامة وكان ينزف دما من جنبه الأيسر . وحقق أنّ الهالك كان أعلمه أثناء اختفائهما أنّ عون أمن بزي أسود بصدد إطلاق النّار وهو جاثما على ركبة ونصف وسط حماية زملائه في شكل دائري لإخفائه على الأنظار .
4) المتضرر نجيب خشارم : ذكر أنّه كان زمن الواقعة وبموطنها بصدد شق الطريق حين أصيب بطلق ناري على مستوى فخذ رجله اليسرى من سلاح أحد أعوان قوات التدخل الذين كانوا متمركزين بالمفترق .
5) الشاهدة جميلة كريدة : والدة المتضرر مكرم ذكرت أنّها لمّا كانت واقفة مع ابنها المتضرر مكرم وزوجها أمام منزل قريبتهم نجاة الحليوي الذي لايبعد عن مركز الأمن بالرملة إلا مسافة قصيرة شاهدت عون أمن تعرفت عليه لاحقا وهو المتهم حسن النوي يمسك بيده سلاحا ويوجهه نحوهم فوجئت بإبنها مكرم ينزف دما بغزارة من رقبته .
6) المتضرر مكرم بوعصيدة : أيد تصريحات والدته جميلة كريدة وأكد أنّه أصيب بطلق ناري برقبته .
7) غلام بوعصيدة : والد المتضرر مكرم أيد تصريحات زوجته المذكورة قبله .
8) الشاهد محمد الغنوشي الوزير الأول الأسبق : صرّح أنّ المتهم الرئيس السابق بن علي أخبره هاتفيا صباح يوم 14 جانفي 2011 موافقته على إطلاق سراح المعارض حمة الهمامي وأردف قائلا : " ما عندهم وين يوصلوا والأمن مستتب ولو أدى الأمر إلى مقتل ألف أو ألفين " وأكد أنّ المتهم بن علي كان يعطي تعليماته الأمنية مباشرة إلى الوزراء المعنيين .
9) الشاهد محمد بن سالم والي صفاقس السابق : أكد أنّ قوات الأمن يخضعون إلى رؤسائهم المباشرين وصولا إلى وزير الداخلية . وحقق أنّه يعلم بأنّ وزير الداخلية المتهم رفيق القاسمي كان يتعامل في بعض الأحيان مباشرة مع مدير إقليم الأمن بصفاقس ويمرّر له التعليمات الأمنية .
10) الشاهد العادل التويري المدير العام للأمن الوطني سابقا : ذكر أنّ المتهم رفيق القاسمي حيّده عن ممارسة مهامه ومسك المهام الأمنية بيده تحت الإشراف المباشر للمتهم بن علي الذي كان يتلقى التعليمات منه وخاصّة المتعلقة بإطلاق النّار لأنّها من خصائص رئيس الجمهورية .
11) الشاهد عبدالقادر بن موسى : رئيس الإدارة الفرعية للطريق العمومي والإسناد بإدارة أمن اقليم صفاقس صرّح أنّه وجد بمفترق 7 نوفمبر أي بمسرح الجريمة زمن الواقعة المتهمين بدرالدين خشّانة والمقدم ماهر الفقيه بصدد التحادث وعددا من أعوان النظام العام واقفين في شكل هلال بدائرة المفترق .
12) الشاهد أنيس عمار : رئيس مصلحة العمليات بإدارة حفظ النظام الجهوي بالجنوب بصفاقس صرّح أنّ أعوان حفظ النظام توزعوا زمن الواقعة بمفترق 07 نوفمبر طبق تعليمات المتهمين بدرالدين خشانة والمقدم ماهر الفقيه .
13) الشاهد محمد الأمين العابد : المدير العام آمر الحرس الوطني سابقا صرّح أنّ المتهم رفيق القاسمي كان أمره في 20 ديسمبر 2010 بتعيين العميد شرف الدين الزيتوني مشرفا على الميدان بولاية سيدي بوزيد بمساعدة العقيد صالح العيساوي وأكد أنّ المتهم المذكور كان يتعامل مع هذين الأخيرين دون الرجوع إليه .
14) حجز شظية رصاصة معدنية أخرجت من جسد الهالك عمر الحداد وبعرضها على الإختبار الفني تبين أنّها رصاصة حربية عيار 56 ، 5 مم وتستعمل في عدد من الأسلحة منها بندقية شتاير المستعملة من قبل جميع الأجهزة الأمنية بالبلاد .
15) تقرير الطبيب الشرعي : أكد إصابة الهالك عمر الحداد برصاصة بالبطن أحدثت نزيفا غزيرا أدى إلى الموت .
16) تقرير الطبيب الشرعي : الأستاذ سمير معتوق المؤرخ في 11 أفريل 2011 يؤكد أنّ المتضرر مكرم بوعصيدة يحمل فوهة دخول طلق ناري برصاص بالجهة الأمامية اليمنى للرقبة وندبة بالظهر .
17) القرص المضغوط : المضاف لملف القضية الحاوي لخطابات المتهم بن علي في المدّة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 يتضمّن خطابه المشهور الذي ألقاه يوم 13 جانفي 2011 والذي تضمّن قوله " وعطيت التعليمات كذلك لوزير الداخلية وكررت واليوم نؤكد يزي من اللجوء للكرتوش الحي الكرتوش موش مقبول ما عندوش مبرر " . يؤكد بما لا مجال للشك فيه بأنه كما أعطى التعليمات بالكف عن إطلاق النّار والكرتوش الحي فقد سبق أن أعطى تعليماته بإطلاقه .
18) المتهم بدرالدين خشانة : أنكر ما نسب إليه وأقر أنّه كان يوم 12 جانفي 2011 المشرف على الخطة الأمنية بصفاقس وقد توجه إلى شارع 07 نوفمبر أين وجد المتهم المقدم ماهر الفقي فأشار عليه بتجميع أعوانه بالمفترق الدائري قرب مبنى الأروقة . وحقق أنّ أعوان النظام العام الذين كان يشرف عليهم المتهم الفقيه هم وحدهم الذين كانوا مسلحين بأسلحة فردية وجماعية نوع شتاير وأنّ مصدر الطلق النّاري لا يمكن أن يكون إلا من أعوان التدخل .
أمّا بالنسبة لواقعة إصابة المتضرر مكرم بوعصيدة يوم 14 جانفي 2011 بقرقنة فقد علم بها من رئيس منطقة الأمن بالمكان مدعيا أنّه لم يعط أية تعليمات لإطلاق النّار وإن حصل ذلك فمرده تصرفات شخصية من الأعوان .
19) المتهم المقدم ماهر الفقي : أنكر ما نسب إليه وذكر أنّه لم يكن يضطلع بمهمة آمر فوج حفظ النظام العام بصفاقس زمن الواقعة وإنّ غياب المسؤولين الأوائل جعله يتحمل المسؤولية بإعتباره الأعلى رتبة . وادعى أنّه لا يعرف هوية مطلق النّار على الشهيد الحداد . وأكد أنّه كان يتبع إرشادات المتهم معه بدرالدين خشانة ويأتمر بأوامره وتعليماته على الميدان .
20) المتهم رفيق قاسمي : أنكر ما نسب إليه زاعما أنّه خالي الذهن من الأحداث الحاصلة بصفاقس مضيفا أنّه يوم 12 جانفي 2011 تمّ إعفاؤه من منصبه لأنّه لم يكن منسجما مع توجهات وتعليمات المتهم بن علي .
21) المتهم علي السرياطي : ذكر أنّ المتهم معه القاسمي اتصل به هاتفيا عندما كان في رحلة استجمام مع المتهم بن علي وعائلته في 27 ديسمبر 2010 بدبي ليطلب منه إعلامه بسقوط قتلى بسيدي بوزيد ( وهنا نتساءل لماذا يتصل به في هذه الحالة لو لم يكن في الحلقة الأمنية ؟ ) .
وفي خصوص الإجتماعات الأمنية بوزارة الداخلية ذكر أنّه حضرها في ثلاث مناسبات أيام 09 و11 و12 جانفي 2011 . وأكد أنّه اقترح استعمال خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين خصوصا أنّه تبيّن له أنّه لم تبقى لدى قوات الأمن الداخلي إلا أربعمائة (400) قنبلة مسيلة للدموع . لذلك تولى هو التنسيق مع السلط الليبية لإحضار كمية منها على سبيل السلفة وفعلا تمّ إحضار 1500 منها . وحقق أنّ التعليمات الأمنية تمرّر مباشرة من المتهم بن علي إلى المتهم القاسمي .
وأضاف أنّ المتهم زين العابدين بعد أن كان أمره بإعداد الطائرة الرئاسية لنقل عائلته إلى العمرة وأشار عليه بمرافقتها أعلمه لما كان جميعهم بمطار العوينة بأنّه هو شخصيا من سيرافق عائلته إلى السعودية ... عندها أخذ حقيبته التي كان وضعها داخل الطائرة .
وهذا يتناقض تماما مع ما صرّح به بجلسة القضاء من كونه هو الذي دفع المتهم بن علي إلى مغادرة البلاد وأنقذها من حمام دم . وبالتالي يجعل تصريحاته في هذا المجال محل تساؤل واستفهام عن مدى صدقيتها .
I I في القانون :
سيدي الرئيس جناب المجلس
إذن تهديدات المتهم بن علي بإستعمال القوة بكلّ حزم ووعده ووعيده بإستتباب الأمن ولو تطلب الأمر سقوط ضحايا لم يثن الشعب على المضي في ثورته ثورة الكرامة والحرية مرددا نشيد الوطن لشاعر تونس الكبير أبو القاسم الشابي :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر
واستجاب القدر وانهار نظام الظلم الإستبداد والقهر والفساد ولاذ المتهم بن علي بالفرار خارج الوطن بعد أن تهاوى نظامه وأصبح غير آمن خاصّة بعد أن انسحبت عدّة قوات أمنية من مقراتها .
سيدي الرئيس
لئن كان صحيحا أنّ المتهم زين العابدين بن علي حوّل الأمن الذي من المفترض أن يكون جمهوريا إلى أمن نظام وبطش وقهر وظلم وصحيح أن من لا يأتمر بأوامره وينصاع إلى قراراته يستبعده لكن المبدأ القانوني كما جاء بالفصل 41 من المجلة الجزائية ينصّ على أنّ : " طاعة المجرم بسبب شدّة تعظيمه لمن يأمره بإرتكاب جريمة لا تنجر له منها صفة الجبر " .
لقد انصاع المتهمون القياديون إلى أوامر الرئيس السابق ولم يستقيلوا للتبرئ من الجرائم المرتكبة أو ليعربوا عن حسن نيتهم وعدم الرغبة في المشاركة في مشروعه الإجرامي بل تحركوا وسعوا لتطويق الإحتجاجات الشعبية وقمعها .
فماهي المسؤولية الجزائية التي يمكن أن يتحملها الآمر الأول والرئيسي لقوات الأمن الداخلي والمسؤولون الأمنيون تبعا للإستعمال المفرط للقوة من قبل مرؤوسيهم ؟ حسب منطوق الفصل الثاني من القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرخ في 06 أوت 1982 المتعلق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي فإنّ رئيس الجمهورية وهو هنا المتهم بن علي هو الآمر الأول والرئيسي لقوات الأمن الداخلي وله سلطة عليهم وهو الذي يأذنهم ويأمرهم إمّا مباشرة أو عن طريق الوزير الأول أو عن طريق وزير الداخلية قصد تنفيذ الأوامر والقرارات التي يتخذها شخصيا ويرتئيها مناسبة في المجال الأمني .
وإنّ قوات الأمن الداخلي تخضع لنظام رئاسي تسلسلي هرمي يوجد بأسفله الأفراد المكلفون بتنفيذ مختلف المهام تحت إشراف مسؤولين أمنيين على عدّة مستويات وصولا إلى القيادة الجهوية والمركزية العليا التي هي على اتصال مباشر بالمتهم بن علي .
بالنسبة لجرائم قضية الحال أو الجرائم الواقعة في مرجع نظر هذه المحكمة في قضايا أحداث الثورة لا يمكن تبرير عدد الضحايا والمصابين بسوء تعامل بعض قوات الأمن مع المتظاهرين أو التعلل بأنّ الأمر لا يعدو أن يكون هفوات شخصية انحصرت في بعض الأعوان . ذلك أنه يوجد فاعلون أصليون معنويون مثلما كرست ذلك قوانين بعض الدول وهم الأشخاص الذين في أعلى هرم الدولة واللذين لهم سلطة القرار وتجاوزوا سلطاتهم ونفوذهم ورغم علمهم علم اليقين بإنعدام الوسائل المعتادة لتفريق المتظاهرين وفروا الأسلحة النارية لأعوان قوات الأمن الداخلي لإعانتهم على تنفيذ المشروع الإجرامي لإزهاق أرواح المتظاهرين وسهلوا لهم ذلك ثمّ أعانوهم بإخفاء الحقيقة وعدم اخطار السلطات العمومية لضمان عدم عقاب مرتكبي الجرائم .
وإنّ المشرع التونسي ولئن لم يعرف الفاعل الأصلي فإنّه وضع تعريفا للشريك ضمن الفصل 32 من المجلة الجزائية .
واعتبرت محكمة التعقيب في قرارها عدد 11288 المؤرخ في 16 ماي 1984 : أنّ المشاركة في مفهومها اللفظي والقانوني هي قيام الشريك بتقديم العون والمساعدة للفاعل الأصلي في حالات معينة بالعد ضبطها الفصل المذكور والذي تضمّن خمس حالات يكتفي أن تتوفر إحداها لإعتبار أي شخص مشاركا في ارتكاب جرم معين .
وبالتالي لابد أن تأخذ أفعال الشريك صورة من الصور المادية التي تمّ حصرها بالفصل 32 المذكور فيؤاخذ الشريك لمساهمته في ايقاع الجريمة وفي حصول النتيجة رغم أنّه لم يرتكب الفعل المادي الأصلي للجريمة ضرورة أنّ المشاركة هي نشاط يرتبط بالجريمة الأصلية وتتبعها برابطة السببية . ويكفي أن يكون فعل المشاركة عاملا من العوامل التي ساهمت في ارتكاب الجريمة لتتوفر رابطة السببية .
وتتوفر المشاركة المنصوص عليها بالفقرتين الأولى والثانية من الفصل 32 عند قيام الشريك بعمل من أعمال المساهمة التي تمهد لإرتكاب الجريمة من طرف الفاعل الأصلي وتتمثل تلك الأعمال في الإرشاد أو التسبب في ارتكاب الجرم والإعانة المؤدية إلى انجاح عملية التنفيذ بمد الجاني بالوسائل الصالحة لتنفيذ الفعل كإعانته على اقتراف الجريمة بأسلحة أو غير ذلك من الوسائل .
أمّا المشاركة التي تضمنتها الفقرة الثالثة من الفصل المذكور فهي تهدف إلى تمكين الفاعل الأصلي من إنهاء تنفيذ جريمته وتحقيق النتيجة الإجرامية .
وتناولت الفقرتان الرابعة والخامسة المشاركة بالإنتفاع بمحصول الجريمة أو إخفاء معالمها أو ضمان عدم عقاب مرتكبها .
ويعاقب الشريك في الجريمة على أفعاله التي اقترفها حتى في صورة بقاء الفاعل الأصلي مجهولا .
كما هو الحال في واقعة استشهاد عمر الحداد وإصابة نجيب خشارم .
وقد اعتبرت محكمة التعقيب بقرارها عدد 4476 بتاريخ 05 مارس 1980 : " أنّ عدم تتبع الفاعل الأصلي لا يمنع قانونا من تتبع الشريك خصوصا إذا ظلّ الفاعل الأصلي مجهولا " .
سيدي الرئيس جناب المجلس
لقد ثبت أنّ ما أقدم عليه المتهم زين العابدين بن علي سواء من خلال خطاباته التي توجه بها إلى الشعب التونسي عامّة وقوات الأمن بصفة خاصّة أو من خلال التعليمات التي مررها إلى وزير داخليته الأسبق المتهم رفيق القاسمي ومنه إلى منظوريه تنم بصفة واضحة على نيته المتجهة أساسا إلى التأثير على نفسية وإرادة أجهزة الأمن والمسؤولين عليها بمختلف مناطق البلاد قصد التصدي بكلّ حزم وقوة للمتظاهرين " وقتل إن اقتضى الأمر حتى ألف أو ألفين " وذلك لتنفيذ مشروعه الإجرامي . وحصل بكلّ أسف ومرارة بناء على تعليماته التي أعطاها إطلاق النار على المتظاهرين بإستعمال السلاح والذخيرة الحيّة وأدى ذلك إلى ازهاق أرواح بشرية فيما نجا عددا آخر من الموت لأمور خارجة عن إرادته وعن إرادة منفذي تعليماته من أعوان قوات الأمن الداخلي الذين يخضعون لسلطته المباشرة وبالتالي فقد تجاوز سلطاته ونفوذه وأرشد وتسبب في حصول الجرائم موضوع قضية الحال وغيرها من الجرائم الأخرى الشئ الذي يتجه معه اعتباره مشاركا فيها طبق فصول الإحالة . وقد تأيد إرتكابه للأفعال المنسوبة إليه بتصريحاته التي وردت خاصّة بخطاباته وخاصّة منها خطابه بتاريخ 13 جانفي 2011 وبشهادة كلّ من وزيره الأول الأسبق وبقية القياديين الأمنيين وغيرها من شهادات الشهود وبتصريحات المتهمين معه والمتضررين المعززة بالتقارير الطبية المظروفة بالملف والإختبارات الفنية والمحجوز . وما تحصّنه بالفرار إلاّ محاولة منه للتفصي من العقاب .
كما ثبت أنّ المتهم رفيق الحاج قاسم تبنى تعليمات رئيسه المتهم بن علي ومنهجها منذ بداية الأحداث ورغم ازهاق العديد من الأرواح بعدّة مناطق بالبلاد ومحاولات القتل فإنّه واصل الإشراف على عمل خليّة الأزمة وسعى يوميا إلى الإتصال هاتفيا بمختلف القيادات الأمنية الميدانية بعد أن أذن بتوفير التعزيزات اللازمة لتشجيعها على التصدي للمتظاهرين متجاوزا سلطته ونفوذه ولم يصدر أية تعليمات بوقف إطلاق النّار والحال أنّ صلاحياته تسمح له بذلك خاصّة وأنه على علم بغياب وسائل التصدي غير القاتلة وإن إستعمال الأسلحة النّارية للتصدي للمتظاهرين سيؤدي حتما إلى إزهاق أرواح العديد منهم وإلحاق أضرارا بدنية جسيمة . وقد تعرض عدد من المواطنين إلى القتل ومحاولة القتل على إثر إقالته وكلّ ذلك بسبب التعليمات التي بقيت سارية المفعول حتى بعد مغادرته لمنصبه .
فإستشهاد عمر الحداد وإصابة نجيب خشارم بالرصاص في قضية الحال ولئن حصل بعد فترة وجيزة من إقالته كوزير داخلية فإنّ منظوريه الذين ارتكبوا القتل ومحاولة القتل كانوا ينفذون الأوامر والتعليمات التي كان أعطاها قبل إقالته والتي تبقى سارية المفعول ضرورة أنّه يبقى يمارس مهام تصريف أعمال وزارته لحين تسلّم خلفه مقاليد الوزارة حسبما يقتظيه جريان العمل في كافة الوزارات والمؤسسات العمومية . الأمر الذي يوفر ضدّه جريمتي المشاركة في القتل ومحاولة القتل المنسوبتين إليه والثابتتين ضدّه بشهادة الشهود والحجج والقرائن السالف تعدادها بالطالع .
وتبيّن أيضا أنّ المتهم علي السرياطي كان عضوا بخليّة الأزمة وقد حضر بإعترافه اجتماعاتها أيام 09 و10 و11 جانفي 2011 بوزارة الداخلية وقد أبانت الأبحاث أنّه كان يضطلع بمهمة التنسيق بين المتهم بن علي ووزارة الداخلية .
بدليل اتصال المتهم القاسمي به هاتفيا لما كان مع المتهم بن علي في رحلة الإستجمام لإعلامه بسقوط ضحايا .
فبحكم هيمنته منذ مدّة على المسائل الأمنية بتدخله في شؤون الأمن والحرس الوطني وعلاقاته المباشرة بالإطارات الأمنية والقيادات المركزية والجهوية فقد كان يتواصل معها لرسم وتنفيذ الخطة الأمنية الكفيلة والضامنة لتنفيذ المخطط الإجرامي للمتهم بن علي في قمع المتظاهرين بإستعمال القوة والرصاص الحي .
كما كان على بينة من الإمكانيات والوسائل والتجهيزات المتاحة واكتشف نقصا في كمية القنابل المسيلة للدموع فسارع بالإتصال بالنظام الليبي أنذاك لإمداده بكمية من القنابل كسلفة فحصل ذلك وتمّ إمداد وزارة الداخلية بألف وخمسمائة قنبلة مسيلة للدموع .
من جهة أخرى وفي جلسة الإستماع للمتهم علي السرياطي وعند توجيه الأسئلة إليه احتج لسان الدفاع من توجيه النيابة أسئلة بناء على معطيات لم يتضمنها الملف . وهنا أردت أن أذكر أنّ نفس لسان الدفاع في جلسة الإستماع لشهادة الوزير الأول الأسبق محمد الغنوشي طرح عليه أسئلة في نفس السياق مع استعمال عبارة " في موضع آخر صرحت ... " .
وعلى أيّة حال فبالنسبة إلينا كلّ طرف في القضية يدلو بدلوه ولجناب المحكمة القول الفصل فيما يقتنع به وجدانها .
وفي هذا الإطار أردنا أن نبيّن أن المتهم السرياطي كان عنصرا مهمّا في المنظومة الأمنية التي تعطي الأوامر . فقد تطرقت الأستاذة ليلى الحداد في إحدى مرافعاتها في قضايا أحداث الثورة بعسكرية تونس المنشورة بجريدة الشروق ليوم الخميس 14 مارس 2013 إلى فحوى المكالمات الهاتفية بين المتهم علي السرياطي بإعتباره مدير الأمن الرئاسي ومدير عام السجون والإصلاح نورالدين شعباني حول سجن برج الرومي وما شهده من أحداث يوم 14 جانفي 2011 مؤكدة أنّه أعطى تعليماته بإطلاق النار قائلا : " il faut tirer – tirer " اقتل واحد وإلا إثنين توا اشدو بقايعهم ... .
وهذا ثابت من خلال الإطلاع على نتيجة المستخرجات النصية المتعلقة بجهاز تسجيل المكالمات الهاتفية التابعة لرئاسة الجمهورية .....
مع ملاحظة أنّ هذه التعليمات والأوامر أعطيت لمدير عام السجون والإصلاح الذي يشرف على كامل المصالح السجنية بكامل تراب الجمهورية .
وهذا دليل ساطع آخر على وجود تعليمات بإطلاق الرصاص الحي على المحتجين وعلى تدخل المتهم علي السرياطي في أداء وعمل الوحدات الأمنية ومشاركته فيما حصل من قتل وجرح في مدن مرجع نظر هذه المحكمة وما حصل بالذات في قضية الحال الأمر الذي يوفر ضدّه جريمتي المشاركة في القتل والمشاركة في محاولة القتل المنسوبتين إليه وقد ثبت ذلك ضدّه بإعترافه الجزئي حتى بجلسة القضاء وبالحجج والقرائن الأخرى السالف الإشارة إليها بالطالع .
كما تبين أيضا أنّ الشهيد عمر الحداد استهدف إلى طلق ناري صدر عن عون من قوات التدخل كان جاثما على ركبة ونصف وبتوسط مجموعة من زملائه الذين كانوا يشكلون دائرة لحمايته وإخفائه فأصابه في مقتل وأزهق روحه الطاهرة .
وللأسف الشديد ولئن بقي الفاعل الأصلي الجاني مجهولا إلا أنّه مما لاجدال فيه أنّ المتهمين بدرالدين خشانة وماهر الفقي كانا يمثلان سلطة إشراف عليه وتأطير له فالأول بإعتباره يشغل خطة مدير إقليم الأمن الوطني بصفاقس والثاني لكونه شغل خطة آمر أعوان النظام العام الذين شاركوا في المنظومة الأمنية زمن الواقعة وبموطنها ذلك أنّ اتيان الجاني المجهول لفعل الصرخ الناري من سلاحه الذي هو آداة قاتلة بطبيعتها والذي أودى بإزهاق روح الشهيد لا يمكن أن تكون إلا تنفيذا لتعليماتهما بإعتبارهما رؤساء له ويأتمر بأوامرهما خاصّة وأنّهما كانا يشكلان القيادة الميدانية بمسرح الجريمة وهو الأمر الذي أقرا به . لذا فإنّه لا يمكن بأية حال من الأحوال الإقتناع بأن الجاني تصرف من تلقاء نفسه وبدون إيعاز خاصة وأنّ الوضعية التي اتخذها أعوان التدخل بتشكيل حلقة دائرية حول الجاني لحمايته وبالخصوص لإخفائه على الأنظار أكرر أنّه لا يمكن بأية حالة من الأحوال أن تكون تصرفا تلقائيا قام به أولائك الأعوان . بل إن ذلك ينم بصفة لا جدال فيها على أنّه جاء تنفيذا لخطة أمنية مدروسة وممنهجة .
وما قيل في الشهيد عمر الحداد ينسحب على المتضرر نجيب خشارم فقد أثبتت الأبحاث تعمد عون تابع لقوات التدخل وبقي أيضا مجهولا . إطلاق النّار عليه وإصابته وإن إسعافه السريع بمصحة السلامة بالموطن والعناية الإلاهية حال دون حصول وفاته وهي النتيجة التي قصدها الجاني .
وكلّ هذا يوفر ضدّ المتهمين بدرالدين خشانة وماهر الفقيه جريمتي المشاركة في القتل العمد والمشاركة في محاولة القتل العمد المنسوبة إليهما وقد ثبت ذلك ضدّهما بإعترافهما الجزئي وبتصريحاتهما ضدّ بعضهما بعضا وبشهادة الشهود وبالحجج والقرائن الأخرى المومأ إليها بالطالع .
كما تبين من جهة أخرى أنّ المتهم حسن النوي أصاب المتضرر مكرم بوعصيدة بطلقة نارية من سلاحه في رقبته في مقتل وكاد أن يرديه قتيلا لولا العناية الإلاهية والتدخل الطبي وهو الأمر الخارج عن إرادته وإن إنكاره مردود عليه بتصريحات والدة المصاب مكرم التي أصرت في معرض مكافحته بها بحدس الأم وإحساسها الذي لا يخطئ بأنّه هو بعينه من أطلق النّار على إبنها .
سيدي الرئيس جناب المجلس
في إطار السياسة الأمنية التي انتهجها المتهم بن علي وتبناها المتهمان القاسمي والسرياطي وبعض القيادات الأمنية المركزية والجهوية بهدف التّصدي للحركة الإحتجاجية الشعبية عمد بعض أعوان قوات الأمن الداخلي إلى إستعمال السلاح وإطلاق النّار على الجماهير والمتظاهرين المحتجين دون مراعاة للقوانين .
وأرى لزاما عليّ هنا أن أوضح بكلّ موضوعية وأمانة أنّ قوات الأمن الوطني لم تنخرط جميعها في المشروع الإجرامي للمتهم بن علي رغم أنّه حاول أن يعطي تبريرا لكلّ تجاوز صادر عن قوات الأمن معتبرا أنهم يواجهون عصابات تعتدي على الأملاك الخاصّة والعامة والأفراد وقد أثبتت الأبحاث في عديد القضايا أنّ العديد من أعوان الأمن حكموا ضمائرهم وأمنوا أسلحتهم بمناطق الأمن والأقاليم ولدى الوحدات العسكرية وبارحوا مقرات عملهم حتى لايضطرون لفتح النّار على بني وطنهم العزّل .
وفي هذا السياق وجب الإقرار بأنّ المتهمين من قوات الأمن الداخلي في قضايا أحداث الثورة ارتكب جلّهم جرائمهم في ظروف وملابسات معينة ومختلفة وهم أبناء الوطن يحمونه من الإجرام والمجرمين ويذودون عنه وقت الشدة ويعملون ليلا نهارا لحماية البلاد والعباد بمقاومة الجريمة . وقد قدّم الكثير منهم الغالي والنفيس وأرواحهم من أجل تونس . وهم ولئن أخطأ البعض منهم في تطبيق القانون أو تجاوزه وتورط في قضايا أحداث الثورة فإنّهم يخضعون اليوم للمحاسبة القانونية وفق مقومات المحاكمة العادلة لإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه .
لقد تمّ الكشف على البعض من المعتدين سواء كانوا فاعلين أصليين أو مشاركين وهم المحالون على هذه المحكمة تبعا لإختصاصها الترابي وتعذر التوصل إلى معرفة البعض الآخر والنيابة العسكرية ستبقى حريصة شديد الحرص على استئناف التحقيق كلّما ظهرت أدلة جديدة تساعد على الكشف على بقية الجناة حتى لا يفلتوا من المحاسبة والعقاب كما حصل بالنسبة لقضيتي قرقنة ومنزل بوزيان . علما أنّه من أبرز الأسباب التي حالت دون التوصل إلى معرفة كلّ الجناة هي عدم حجز الأسلحة النارية المستعملة وظروفها لإجراء الإختبارات الفنية اللازمة الموصلة إلى الحقيقة كما ساهم تأخر التخلي عن قضايا أحداث الثورة لفائدة القضاء العسكري المختص قانونا لمدّة خمسة أشهر تقريبا في اضمحلال وطمس الأدلة المادية في الإثبات الجزائي .
جناب المجلس الموقر .
كما لا يخفاكم فإنّ جرائم القتل العمد بأنواعها تعدّ من الجرائم المادية القصدية التي تقوم على ركنين أساسيين : 1) ركن مادي قوامه السلوك والنتيجة والعلاقة السببية بينهما وهو المظهر الذي تبرز به الجريمة إلى الخارج . 2) ركن معنوي يتحدد من خلال الفعل والنتيجة معا كما أنّ جريمة القتل وعلاوة على الأركان العامة تستوجب لقيامها إثبات القصد الجنائي الخاص المتمثل في اتجاه نية الجاني لتحقيق النتيجة المراد بلوغها وهي إزهاق روح انسان حي .
وقد استقر فقه قضاء محكمة التعقيب على أنّ نية القتل مسألة موضوعية يرجع تقديرها لمحض اجتهاد المحكمة ولا رقابة عليها في ذلك طالما أنّ قرارها كان معللا بما له أصل ثابت بأوراق الملف . وقد جرى الإستدلال عليها تأسيسا على ظروف الواقعة وملابساتها وموطن الإصابات وتعددها وخطورتها والوسائل المستعملة في ذلك ومدى خطورتها كالأسلحة النارية وذخيرتها .
والمحاولة هي بداية الشروع في الجريمة بعد اجتياز مرحلتي النية والأعمال التحضيرية وهو أمر موضوعي يختلف بإختلاف الظروف والملابسات المحيطة بكلّ جريمة .
وإنّ المشرّع التونسي ولئن لم يضبط صلب الفصل 59 من المجلة الجزائية معنى المحاولة فإنّ فقه القضاء استقر على أنّ المحاولة تكون قائمة الأركان القانونية كلّما تمّ الشروع في اقتراف الفعل الإجرامي ولم يعدل الجاني على ذلك بمحض إرادته ولم تتحقق النتيجة التي أرادها بسبب أمر خارج عن إرادته طبق ما نصّ عليه الفصل 59 من المجلة الجزائية .
جناب المجلس
في قضية الحال كما في جلّ قضايا أحداث الثورة لم يطلب المتهمون من المتظاهرين التفرّق ولم يستعملوا شارات صوتية أو ضوئية ولم يحترموا مقتضيات الفصل 21 من القانون عدد 4 لسنة 1969 المتعلقة بالقواعد المنظمة للتظاهر وصدّ المظاهرات بالتدرج واستعملوا أسلحتهم النارية قبل استيفاء جميع وسائل الصدّ الأخرى كالرش بالماء والرمي بالقنابل المسيلة للدموع وطلق النار عموديا في الفضاء ... وإنّ الإدعاء بأنّه لا يوجد رصاص مطاطي أو ماء ساخن أو نقص في كمية الغاز المسيل للدموع لا يعفي من المسؤولية كما أنّ الإباحة بإستعمال السلاح لا يعني في نهاية المطاف القتل والجرح .
وقد تجلى مما له أصل ثابت في الملف أنّ الضحايا لم يكونوا حاملين لأي سلاح ناري ولم تصدر أفعال من شأنها أن تشكل خطرا جسيما من المتعين درؤه بإستعمال الرصاص الحي في مواطن قاتلة .
جناب المحكمة
إنّ الدور المحوري والأساسي لقوات الأمن الداخلي هو السهر على حفظ الأمن العام وسلامة الأفراد والممتلكات العامّة والخاصة . وإنّه ولئن لا جدال في حقّ الدول ذات السيادة في الدفاع عن نظمها الدستورية والديمقراطية إلا أنّ ذلك يجب أن يتمّ في إطار الشرعية القانونية وأن تتناسب درجة التدخل مع ماهو حتمي فعلا وواقعا لمجابهة الأوضاع الطارئة التي تهدد الأمن العام . فالأفعال المرتكبة من قبل المتهمين في قضية الحال كما في جلّ قضايا أحداث الثورة الواقعة في مرجع نظر هذه المحكمة تجاوزت تلك الشرعية ولم تحترم القوانين الضابطة لصدّ المظاهرات بالتدرج واستعمال الأسلحة النارية . وكانت غاية الجناة وقف التيارات الإحتجاجية ووئدها في المهد حتى لا تتسع تنفيذا لرغبة رؤسائهم الذين انصاعوا بخنوع إلى أوامر المتهم الرئيس السابق وشكلت أفعالهم جرائم اقترفت ضدّ مواطنين عزّل نزلوا بعفوية وحرقة للشوارع للمطالبة بالحرية والكرامة والشغل وتكافئ الفرص للجميع . ولم يرتق الأمر إلى ضرورة استخدام الأسلحة القاتلة ويتعين تبعا لذلك مؤاخذتهم وشركاءهم من أجل ما اقترفوه من قتل ومحاولة قتل ومشاركة في ذلك وإدانتهم بما تظافر من أدلّة وحجج وقرائن قوية .
هذا وكما لا يخفاكم فإنّ المشرع التونسي اعتمد مبدأ التساوي في العقاب بين مختلف الأفراد المساهمين في ارتكاب الجريمة الواحدة سواء كانوا فاعلين أصليين أو مشاركين وذلك استنادا إلى نظرية استعارة التجريم إذ نصّ الفصل 33 من المجلة الجزائية على أنّه : " يعاقب المشاركون في جريمة في كلّ الحالات التي لم ينصّ القانون على خلافها بالعقاب المقرر لفاعلها ما لم تقتضي الأحوال إسعافهم بتطبيق أحكام الفصل 53 من هذه المجلة " .
والمقصود هنا العقاب المستوجب قانونا وليس المحكوم به . وبالتالي يمكن للمحكمة أن تسلط على الشريك عقابا أشدّ من العقاب الذي تسلطه على الفاعل الأصلي وكذا الشأن بالنسبة لعقوبة المحاولة فقد سوى القانون التونسي بين الشروع في التنفيذ والفعل التام من حيث العقوبة ومرد ذلك أنّ الفاعل بذل جهدا في اتمام الجريمة وبالتالي فإنّ درجة إجرامه واحدة سواء حقق غرضه الجنائي أو توقف أثناء التنفيذ لسبب خارج عن إرادته .
سيدي الرئيس جناب المجلس الموقر .
إنّ ما قام به المتهم زين العابدين بن علي طوال سنوات حكمه من تنكيل وقهر وتصفية جسدية وما آلت إليه أوضاع البلاد في نهاية حكمه وما عرفته من قتل ومحاولة قتل للمواطنين العزل بأوامر وتوجيهات منه مرده نظام الفساد والإستبداد الذي صنعه وكرسه . وإن ما يحصل اليوم في أرض الوطن هو المسؤول عنه بدرجة أولى لأنّه سبب المصائب ورأس البلية .
لذا ولئن كان القانون يعتبره مشاركا في القتل ومحاولة القتل إلا أنّ الأدوار التي لعبها وقام بها ترتقي به إلى أن يكون فاعلا أصليا . وعلى هذا الأساس فإننا نتساءل ماذا لو زحفت الجماهير الثائرة من تونس الشمالية ومن شارع الحبيب بورقيبة على قصر قرطاج قبل أن يغادره المتهم بن علي ويلوذ بجلده وألقت القبض عليه فماذا كان سيحدث ؟ .
الأكيد أنها ستسلط عليه حكم الشعب . لذا فإننا نطلب منكم تسليط حكم الشعب عليه .
وتبعا لذلك فإن النيابة العسكرية بإعتبارها تمثل الحق العام والهيئة الإجتماعية تطلب المحاكمة طبق فصول الإحالة وانزال عقوبات مشددة على مستحقيها والحكم بالتعويض العادل والشامل للمتضررين وأهالي الضحايا تعويضا يتناسب مع جسامة ما لحقهم من ضرر بدني ومعنوي .
جناب المحكمة
النيابة العسكرية على قناعة تامّة بأنّه مهما ستكون درجة العقوبات التي سيسلطها مجلسكم على الجناة فإنّها لن تعيد لأهالي شهداء الوطن وضحياه فلذات أكبادهم هؤلاء الشهداء والضحايا الذين رووا بدمائهم الزكية الطاهرة تراب الوطن لا يمكن أبدا ومطلقا أن يعوضهم لذويهم أي حكم مهما كانت مدّته أو قيمته لأنّ الشهداء لا يعوضون بثمن وهم أكرم منّا جميعا وهم كالبركان الذي فجّر ثورة الشعب وكالشموع التي أضاءت دربها .
فيكفيهم فخرا أنّ التاريخ سيسجل أسماءهم بأحرف من ذهب ويكفيهم فخرا أنهم كانوا وقود ثورة لا تبقي ولا تذر زعزعت أركان نظام فاسد فاسق مستبد عدو الشعب عدو الحياة حكم الشعب والوطن بالحديد والنّار فأسقطته وأطاحت به . ويكفيهم فخرا أنهم اعادوا للشعب حريّته وللوطن عزّته وكرامته وكلّ هذا لا يمكنه أن يحجب المساءلة والمح�


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.