«علّمني.. علّمني.. سيدي.. علّمني نقرأ ونكتب.. علّمني نمدح المعلّم.. مهما كان صعب امتحانك.. الدنيا امتحانها أصعب...»... هكذا يبدأ «لطفي بوشناق» أروع أغنياته يحيّي فيها المعلم.. المكابد والمناضل.. وهو بالأساس ذلك المعلم المرابط في شتى المدارس الريفية بتونس الأعماق... بين الروابي وسفوح الجبال... في قلب الصحراء اللافحة بريح السموم... على ضفاف الأودية والسيول الجارفة... قرب «الدشر» المنتشرة بين غابات الشمال الغربي وفيافي السباسب القاحلة المؤدية الى بوابات الحدود الجزائرية... هو «معلم الريف» من تحدى الصعاب وجابه القرّ والحرّ لينير ظلمة الجهل الدامس.. فتحترق أنامله وتضاء عقول الأطفال الذين قدموا من رحم المعاناة والفقر والحرمان لينهلوا العلوم والأخلاق... هو معلم الريف الذي عدّل عقاربه على واقع ريفنا في عناصره الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية وكتب مع السكان عقد حبّ وودّ وألفة وصار واحدا منهم يفرح لأفراحهم ويحزن لأتراحهم.. هو ذلك الصبور صبر «أيوب» من جابه الزواحف وثورة الخنازير وهيجان الكلاب المسعورة... من تحمّل فيضان الأودية وزمهرير المناطق المرتفعة وصبر على غربته لما ينقطع عن العالم وعن محيطه وأهله خلال أيام الشتاء... هو نفسه من عاش يتفيأ براءة وعفوية وأحلام صغاره وعبّد لهم مسالك النجاح والانعتاق من الجهل والفقر... هو «معلم الريف» من أشعّ في كل شبر من تونس الحرمان... يكتب العلم في رحلة الإبداع... من هنا مشرقها... ومن هناك مغربها... نحو الأفضل ناحتا في صلب الأرض البور سواقي تنبع معرفة وخلقا كريما حتى يتربّى الطفل على أسس الخلق الكريم زاده العلم الذي رفع الأقوام والأمم والشعوب. تحية إكبار وإجلال واحترام الى «معلم الريف» يكتب المستقبل الوضاء لناشئتنا من وهذا قدرهم أنهم ولدوا في بوادينا وأريافنا النائية الملتحفة بعطر المعاناة... ووجدوا في «سيّدهم» الشمعة التي تضيء لهم مسارب تشق الحياة الكريمة في بعدها الإنساني... والفضل ليس إلا ل«معلم الريف»... ودليلنا ما أغدقته علينا أريافنا من أعلام وإطارات تميزت في كل المجالات... وإذا سألت أحدهم عن ماضيه الصعب... كيف تحدّاه وجابهه.. حتما سيردّ بكل فخر.. «الفضل... لسيدي... معلّمي الأول».