كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    هيئة الأرصاد: هذه المنطقة مهدّدة ب ''صيف حارق''    تعاون مشترك مع بريطانيا    دعوة الى تظاهرات تساند الشعب الفلسطيني    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    ملكة جمال ألمانيا تتعرض للتنمر لهذا السبب    جيش الاحتلال يرتكب 4 مجازر جديدة في غزة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ "عياض ابن عاشور" ل«التونسية»:المجلس التأسيسي تحوّل إلى «برلمان استبدادي»:المجلس التأسيسي تحوّل إلى «برلمان استبدادي»
نشر في التونسية يوم 13 - 05 - 2013


قناعتي أنه لا انتخابات إلا في صائفة 2014
الإرهابيون تهديد لكيان الدولة والتعامل معهم باللين والحوار خطأ
منحنا «النهضة» كنزا لكنها بعثرته
كل الأحزاب تغازلني... لكنني أرفض الروح الحزبية
في «التأسيسي» «سمعونا الكلام» بتعلّة التدخل في شؤونه!
محاولات تدجين الإعلام لا تليق بالدولة
في الدستور انطلقوا من ورقة بيضاء... وفي الانتخابات يريدون الانطلاق من لا شيء!
لا إقصاء بلا قضاء
استقبلنا في بيته الكائن بضاحية المرسى، في مكان هادئ يعكس شخصيته وميولاته وتوجهه الفكري المائل الى الهدوء والرصانة، ضيفنا اليوم هو خبير في الشؤون القانونية والسياسية صاحب تجربة طويلة في القضايا الدستورية حيث ترأس سابقا لجنة الخبراء في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي، تمكن من التمهيد لفترة التحوّل الديمقراطي في تونس مباشرة بعد الثورة، هو الأستاذ «عياض ابن عاشور» والذي عرف بمواقفه الناقدة لمشاريع الدستور وبتصريحاته الجريئة والتي أغضبت أحيانا نواب المجلس الوطني التأسيسي.
إلتقيناه في حوار مطول وسألناه عن رأيه في مسودة الدستور وعن أبرز النقائص التي تضمنتها، فقال إن المشروع الحالي مقبول لكن تنقصه بعض الإصلاحات، وإنتقد «ابن عاشور» بعض الإخلالات التي يعتبرها غير مقبولة، كما تحدث بصراحة عن أسباب رفضه الإنضمام الى لجنة خبراء القانون الدستوري بعد ان تمت دعوته في المجلس التأسيسي، وكشف عن الأسباب الحقيقية لتأخر كتابة الدستور وموقفه من ظاهرة الإرهاب وموعد الإنتخابات القادمة في تونس.
ما رأيكم في مسودّة الدستور ؟
ما لاحظناه ان المسودة الحالية تحسنت كثيرا مقارنة بالمسودة الأولى حيث وصلنا الى أرضية مقبولة، النص مازال قابلا للتحسين ولكنه إجمالا يعتبر مقبولا ويمكن ان نتفق حوله مهما كانت المشارب والأحزاب السياسية، انا لا أقول انه أحسن دستور في العالم ولا أسوأ دستور... فكلها مبالغات وإنتقادات لا مبرر لها لأن الدستور مازال قابلا للتحسين على الأقل بالنسبة للمستويات الكبرى، وهي بالأساس التأكيد والتوضيح في ما يتعلق بمدنية الدولة. فالنص الحالي مازال فيه نوع من الضبابية وعدم الوضوح حول طبيعة وصفة الدولة، صحيح ان الدولة المدنية ذكرت في التوطئة وذكرت أيضا في الفصل الثاني من الدستور الجديد، ولكن هناك فصل خطير جدا وهو الفصل 136 ويتعلق هذا الفصل بتعديل الدستور إذ يقول:
«لا يمكن لأي تعديل ان ينال من الإسلام كدين الدولة والصفة المدنية للدولة»، وهذا حسب إعتقادي متناقض ولا بد من توضيح هذا الفصل ليكون متلائما مع ما أرادته جميع الأطياف السياسية منذ البداية وهي الصفة المدنية للدولة.
وتتعلق النقطة الثانية بالتأكيد على حرية الضمير. الدستور الحالي إعترف بحرية الفكر والمعتقد والتعبير، ولكنه تجاهل حرية «الضمير» وهذه الحرية هامة جدا في النظم الديمقراطية لأنها تعترف ان من حق أي إنسان ان يكون له دين أو لا يكون له دين، أو أن يغيّر دينه لإعتناق دين آخر أو فلسفة أخرى لادينية، فنظرا للمناخ العام الذي نعيشه اليوم ومع حزب سياسي ديني له حلفاء متطرفون جدا لا بد ان نكون حذرين جدا من هذه النقطة ونؤكد على حرية الضمير.
النقطة الثالثة تتعلق بكونية حقوق الإنسان اذ لا بد من التأكيد على كونية حقوق الإنسان ونشير إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.
مسألة أخرى لا بد من ذكرها في مسودة الدستور وهي أمور تقنية دستورية لا تتعلق بالمبادئ العامة والفلسفة العامة للدستور بل بالنظام السياسي، فأنا لا أسند أهمية كبرى لهذه المسائل مقارنة بالقيم والمبادئ، ولكن يبدو لي ان هناك إخلالات مازالت موجودة في النص الحالي وتتعلق بالنظام السياسي والتوازن بين رأسي السلطة التنفيذية اي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من ناحية ومن ناحية أخرى بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، كذلك توجد إخلالات متعلقة بالقضاء خاصة في موضوع المحكمة الدستورية.
توجد أيضا إخلالات تقنية ولفظية مثلا يستعملون لفظة حالة «الطوارئ» عندما يتكلمون عن حالة الإستثناء،فهناك حالة الطوارئ التي نعيش فيها الآن ومنذ الثورة والتي تجددت شهرا بعد شهر وتسمح بتضييق الحريات العمومية وتمنح نفوذا أوسع للسلط الإدارية، أما حالة الإستثناء الدستورية فالمقصود بها تعليق الشرعية واسناد جميع نفوذ الدولة للسلطة التنفيذية كحالة حرب اهلية وهي أخطر بكثير من حالة الطوارئ.
نحن نريد ان يكون الدستورعلى أحسن ما يرام من جميع النواحي لا فقط من حيث القيم بل من حيث استعمال التقنيات الضرورية والألفاظ في محلها.
لماذا رفضتم الإنضمام الى لجنة خبراء القانون الدستوري بعد ان تمت دعوتكم داخل المجلس الوطني التأسيسي؟
الإنسحاب له عدة أسباب ،فأنا لا اتفق مع تركيبة هذه اللجنة دون ذكر الأشخاص والأسماء، التركيبة فيها شخصيات ينتمون جهرا الى النظام السابق، التركيبة أقصت مختصين في القانون الدستوري أعتبرهم شخصيا من أبرز عناصر القانون الدستوري في بلادنا وحتى في الخارج.
هناك مسألة أخرى، وهي اننا تقدمنا للمجلس الوطني الدستوري وبعد تشكيل حكومة «حمادي الجبالي» بمساعدة بصفة عملنا مع الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ف«لجنة الخبراء» التي كنا ننتمي إليها إكتسبت تجربة هامة وحنكة كبيرة من سنة 2011 وأصبحت قادرة على التحكم في هذه المسائل ولكن ما راعنا الا وكل ما قدمناه يرفض بطريقة غير لائقة حتى انهم في لجنة التشريع العام «سمعونا الكلام» وهذا الأمر أثّر على زملائي وأصدقائي في لجنة الخبراء، اليوم هم غير مستعدين للرجوع والعمل مع المجلس الوطني التأسيسي بعد كل الذي وقع في 2012 ومع ذلك لم أرفض الإنضمام الى لجنة خبراء القانون الدستوري لأنهم رفضوا عملنا ولكن إضافة الى العوائق المذكورة آنفا فالوقت الذي حدد لعمل هذه اللجنة كان قصيرا جدا، والنظر في دستور وفي تفاصيله يتطلب وقتا وتروّ وإمعان نظر في الجزئيات والكليات وهذا غير ممكن في ظرف أسبوع.
لذلك قررنا ان نواكب العمل الدستوري من الخارج، ورفضنا الإنضمام الى هذه اللجنة ولدينا زملاء من بعض الجامعات قبلوا العمل معهم.
صرّحتم ان النص الذي إقترحته لجنة خبرائكم والذي رفض من قبل المجلس كان سيربحنا الكثير من الوقت فلو توضّحون لنا كيف؟
عندما قدّمنا المساعدة للمجلس، قلنا وبكل تواضع ان لجنة الخبراء على ذمة المجلس وفي خدمة رؤساء اللجان وحتى رئيس المجلس، لا تتحرك الا عند طلبهم بحيث لم نكن ننوي ان نأخذ أي مبادرة منهم ولا حتى من تلقاء أنفسنا وهذا يعني أننا كنا منتبهين إلى هذه المسألة، إذن يتساءل البعض لماذا رفضنا ان نساعدهم ونحن أردنا فقط مدّ يد العون. الإجابة انهم رفضوا لأن هناك بعض النواب وللأسف رأوا خطأ ان مجرّد تدخل لجنة الخبراء هو تدخل في شؤون المجلس، وفيها مساس بسيادة المجلس ومن وراء ذلك مساس بسيادة الشعب، وقالوا انّ لديهم خبراء في المجلس وهذا غير صحيح لأن لديهم «محامون» وبعض رجال القانون ولكن شتان بين محام أو رجل قانون ومختص في القانون الدستوري وفي القانون العام.
لقد عرضنا المساعدة بشكل متواضع جدا بعيدا عن الحساسيّات ولكي نساعدهم في إعداد الدستور ولكن كانت هناك شراسة وحدّة في التعامل معنا.
ولو قبلوا هذا الحلّ لربحنا أشهر وأشهر، وكنا لن نتركهم يقترفون تلك الإخلالات في الدستور كعدم التوازن بين السلط، وكذلك إستعمال بعض الألفاظ في غير محلها وكنا سنجنبهم الترتيب الخاطئ الذي حصل في الأول وخصوصا في مسودتي الدستور الأولى والثانية وخصوصا التداخل بين المبادئ الأساسية والحريات فهناك أمور تتعلق بالمبادئ الأولى وضعت في باب الحريات العمومية وحريات عمومية وضعت في المبادئ العامة.
ما حصل كان أمرا غريبا ولا أعرف عقلية بعض النواب فهناك من هدد حتى بالإستقالة من المجلس التأسيسي لو صادق المجلس على مشروع القانون المتعلق بهيئة الخبراء.
هل ترون انه تمت إضاعة الكثير من الوقت في كتابة الدستور؟
نعم استغرقت كتابة الدستور الكثير من الوقت، وهذا على حساب البلاد والشعب وهو أمر مؤسف جدا، والسبب في ذلك انه بعد ان وقعت الثورة كنّا نتجه الى إنتخابات رئاسية ولكن تحت ضغط الشارع والشعب «يريد مجلسا تأسيسيا» تحولنا الى مجلس تأسيسي وإعداد دستور يؤسس لجمهورية جديدة.
ثم أنجزنا القانون الإنتخابي، ثم الهيئة العليا ووقع إنتخاب أعضاء المجلس التأسيسي ولكن كل المؤشرات كانت تشير الى أن وظيفة المجلس التأسيسي هي إعداد دستور لا أكثر ولا أقل، ويجب التأكيد على ان الشعب انتخب هذا المجلس ليكون تأسيسيا كما يدل على ذلك إسمه وعنوانه إذ انه ليس «برلمانا» ولكن هذا المجلس تحول الى برلمان وأغرق نفسه في هوامش بعيدة كل البعد عن الوظيفة التي بعث على أساسها وهي الوظيفة التأسيسية.
ناهيك أن القانون التأسيسي عدد 6 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 ينظم السلط الوقتية، فهذا الدستور خصص فصلا واحدا وهو الفصل الثالث للوظيفة الدستورية للمجلس وبقية الفصول لوظائف أخرى مع العلم انه أسند للمجلس التأسيسي 24 مادة تشريعية ترجع للقوانين معناه ان وظيفة المجلس الذي كنا ننتظر طبقا للقانون الإنتخابي والأوامر التي دعت الناخبين للانتخاب، كانت تدل على شيئين وهي أنّ:
مدة المجلس محدودة بسنة لأننا إعتبرنا في ذلك الوقت أن سنة هي مدة كافية وأكثر من كافية لو إقتصر دور المجلس على كتابة الدستور وكان بالإمكان ان ينهي مهمته في 3 أو4 اشهر حتى في أقصى الحالات 6 أشهر وعندما وضعنا سنة كان ذلك أقصى تقدير يمكن ان نذهب إليه وهي مدة في نظرنا كافية وزيادة لأن وضع البلاد كان مضطربا والظروف الأمنية غير مستقرة ولكن ماذا فعل المجلس؟.
لقد صادق على الفصل 6 وتحوّل بمقتضى هذا الدستور الصغير الى برلمان وهذا غير معقول لأنه في برلمانيات العالم أجمع السلط محدودة فمهما كان البرلمان فإن له مدة معينة وحتى القوانين التي يصادق عليها البرلمان تخضع دائما لدستورية هذه القوانين.
اليوم لدينا برلمان غير مقيد، ليس له مدة ولا مراقبة من المحكمة الدستورية أي انه برلمان «استبدادي» ولا يمكن حله من طرف السلطة التنفيذية وبالتالي ما وقع بالنسبة لي في 2011 كان بمثابة «الإنقلاب»، يعني المجلس التأسيسي خرج عن وظيفته الأصلية ولم يحترم وظيفته الدستورية ثم تحول الى برلمان غير مراقب يعني برلمان «مستبد» ولا يمكن لأي أحد إذا صادق هذا البرمان على قانون ان يرفع دعوى ضد أي القانون لدى المحكمة الدستورية.
لقد تأخر المجلس في كتابة الدستورلأنه تجاوز وظيفته الأصلية ولأنه أغرق نفسه في هوامش وفي أمور لا تدخل في صميم وظيفته لذلك ضيّع الكثير من الوقت وحقيقة خيّب آمال الشعب لأنه لم يحترم «قواعد اللعبة» وتحول الى برلمان غير مراقب.
حسب رأيكم، هل الإنتخابات ممكنة في 2013؟
لا أعتقد أن الإنتخابات ممكنة في 2013، فالدستور الذي نعتبره مبدئيا مقبولا، يعني انه ليس أحسن دستور كما يرّوج البعض بل يمكن تحسينه لأنه دستور لم يكتمل بعد، ولكن الأخطر من ذلك والمسألة التي لم يتفطن إليها أحد داخل المجلس هي كيف نصادق على دستور دون أحكام انتقالية؟.
فالدستور لا يكون وحده إذ لا يفيد ان نصادق على دستور وينشر في الرائد الرسمي ليطبق آليا لأن الدستور يلزمه احكاما انتقالية.
وكمثال على ذلك عندما تنتقل السلطة من رئيس الجمهورية الحالي الى الرئيس القادم والذي سيقع إنتخابه لاحقا كيف سيكون هذا الإنتقال ؟ أي كيف ستنتقل السلطة من الرئيس السابق الى الرئيس اللاحق؟ ثم كيف تنتقل السلطة من المجلس التأسيسي الحالي الى البرلمان الجديد؟ وماهي الآجال بالحساب والتواريخ والساعات ؟.
فعندما إنتقلنا من المرحلة الإنتقالية الأولى إلى المرحلة الثانية، سطرنا هذه الأمور ضمن الإعلان عن المسار الإنتقالي ولكن الآن كل هذا غير موجود.
نحن أمام دستور فيه نقائص وقد ذكرت الأهم لكي لا أدخل في التفاصيل، دستور يضم إخلالات تقنية وقانونية غير مقبولة، ولا بد من إعادة النظر في موضوع المحكمة الدستورية وهذا الأمر أعتبره «خطرا» وكمثال في إيطاليا بقوا 10 سنوات لإنتخاب «المجلس الدستوري والمحكمة الدستورية» وبالتالي نحن أمام احكام انتقالية لا وجود لها في مسودة الدستور والتي لا بد من التنصيص عليها وهذه المسألة تستغرق الكثير من الوقت ويلزمها نقاشات وتبادل آراء.
ولنفترض أننا أكملنا كتابة الدستور، وانتخبنا الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات والتي لم يقع الى الآن انتخاب أعضائها لأنه ليس كافيا ان نسمي الأعضاء ،فهذه الهيئة لا بد لها ان تنتصب وان تفتح مكاتب ويلزمها إدارة وأعوان ويلزمها ان تبرمج وتقنن منهجية عملها، وتنشأ مكاتب للإقتراع ويكون لديها قانون إنتخابي وتحدد الأماكن الإنتخابية ولا بد لها من أموال لتنجز العملية الإنتخابية لأن هذه العملية ليست مجرد قانون بل إدارات وأجهزة وهو ما يستغرق على أقل تقدير بين 6 و8 أشهر وذلك وفق التجربة السابقة لهيئة «كمال الجندوبي» ونتذكر كيف أجلت الإنتخابات الأولى لأنه كان يعتقد ان إنجاز إنتخابات هو أمر سهل ولكن لم يجدوا شيئا جاهزا فلا صناديق إقتراع ولا مكاتب أفلا يتطلب كل هذا وقتا؟.
هل هناك فعلا قطيعة بين الهيئة السابقة ل«كمال الجندوبي» والتجربة الإنتخابية القادمة؟
نعم في الإنتخابات يريدون الخروج من عدم وكأن شيئا لم يُبن، فعوض إستخلاص العبرة والإستفادة من التجارب السابقة، فإن نفس العقلية مثل تلك الموجودة في المجلس الوطني التأسيسي هي المسيطرة، ففي الدستور إنطلقوا من ورقة بيضاء وفي الإنتخابات يريدون الإنطلاق من لا شيء، أي دائما نعيد البناء من عدم.
وأتساءل لماذا إضاعة الوقت وإهدار التجارب السابقة وحتى القدرة البشرية التي كوّناها؟.
ثم الأهم من ذلك أين القانون الإنتخابي ؟ ولا ننسى أيضا الوضع الأمني في البلاد لأنه حتى في صورة استتباب الأمن وحسب كل المؤشرات السابقة لا انتخابات رئاسية ولا تشريعية في سنة 2013 والإنتخابات إذا سارت الأمور على أحسن الظروف واستقر الوضع الأمني في البلاد فلن تكون ممكنة إلا في صائفة 2014. صرح «الباجي قائد السبسي» مؤخرا ان تونس أصبحت قاعدة لإرتكاز الإرهابيين وان الحكومة متراخية في التعامل مع هذا الملف فهل تشاطرونه الرأي؟
أشاطره الرأي، شخصيا لا أقول ان الحكومة تراخت عن قصد وبإضمار، ولكن كان هناك تراخ نحو الحركات السلفية الجهادية التي ظهرت منذ 2011، فالحكومة تتحمل مسؤولية كبيرة في تعاملها معهم والحكمة كانت تقتضي أن نستأصل الأمر منذ بدايته ونمنعه من الإنتشار والإستفحال والتغلب على القوى الإجتماعية، ولو فعلنا ذلك منذ 2011 لتمّ التحكم في العنف وما كانت لتحصل الإغتيالات التي عرفناها وعلى رأسها صديقي المناضل شكري بلعيد وما كان للعنف أن يحصل ويتمّ الإعتداء على الفنانين والجامعيين، وفعلا السياسة الحكومية فيها نوع من التراخي و«التلّطف» مع عنصر كنا نعرف من الأول انه يهدّد كيان الدولة، ومن يهدّد كيان الدولة لا نتعامل معه بلطف ولا لين ولا حوار. فكيان الدولة مهم وانهيار كيان الدولة مؤشر خطير على المجتمع. نأمل ألاّ ينتشر الإرهابيون وتبقى المسألة محصورة في «الشعانبي» والناس تدرك جيدا مدى قوة إنتشار الإرهاب، إذ يكفي مائة شخص في المجتمع يحذقون صناعة الألغام ويزرعونها في المدن وفي الفضاءات التجارية أو في المناطق الأخرى لتكون النتائج كارثية.
انتقدتم مشروع تحصين الثورة، فهل ترون ان هذا القانون جاء لتنقية الساحة من رموز النظام البائد ام انه وضع على مقاس بعض الأشخاص؟
كنت ضد إرجاع رموز النظام السابق للعمل السياسي، وكنت مع الذين صادقوا على الفصل 15 من القانون الإنتخابي والذي وقع على أساسه إنتخاب المجلس الوطني التأسيسي، فأنا أعتبر ان هؤلاء ساهموا في تخريب الدولة وساهموا في الفساد العام ولديهم يد «طويلة» في ما حصل ولكن لا بد ان نكون واقعيين ونرى ما يحصل اليوم في ليبيا.
فما يحصل من إضطرابات هناك كان نتيجة «التحصين» ولذلك يجب ان نكون واقعيين وهذا لا يعني ان نترك المرتشين يعودون وننصب الفاسدين من جديد، ولكن شأن المجرمين أمام القضاء وأستدل بمقولة للطفي زيتون عندما صرّح: «لا إقصاء بلا قضاء» فأنا أتبنى هذا الشعار في ملاحقة المسؤولين من النظام السابق وكل من لديه جرائم في الإفراط في السلطة أو في الفساد فلدينا هيكل قضائي يلاحقه.
أما اذا أردنا المتابعة بوجه عام ونقول هؤلاء لا يشاركون في الإنتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية وحتى في الوظائف الإدارية، فقد نفتح الباب لارتجاف زائد في المجتمع نحن لسنا في حاجة إليه لأننا نريد ان تهدأ النفوس.
لا يمكن خلق مجتمع متكامل ومثالي والواقع يقتضي التفكير في مناهج أخرى بعيدا عن قوانين تحصين الثورة لأن فيها مشكلا كبيرا في الدستورية فلو كانت هناك محكمة دستورية يمكن الطعن في هذا القانون ولكننا الآن بلا محكمة دستورية وبالتالي يمكن ان يصدر هذا الحكم بصفة إستبدادية لا يمكن الطعن فيه وهذا أمر خطير لانه قد يحدث رجّة قد تؤول الى الفوضى لذلك يجب ان ينسوا هذه المناهج وقوانين التحصين التي بين التاريخ فشلها خاصة انها وضعت على مقاس البعض وهذا الأمر غير مقبول.
دافعتم سابقا عن حرية الإعلام وصرّحت ان الإعلام لا يبنى في ليلة وضحاها لو توضّحون لنا كيف ؟
صحيح أنه لدينا اليوم مشكل كبير في الإعلام، وهو إعلام ما زالت تنقصه الكثير من الحرفية ومازال في حاجة إلى التطوير، ولكن هذا الإعلام لا ندعمه بمراقبة الدولة وبالقمع، بل يجب إنجاز هيئة مستقلة تشرف على الجانب الأخلاقي للمهنة وتدعم الصحفيين وتكوّنهم لا ان تنزل عليهم الدولة أمورا غير مقبولة، فاليوم الحكومة لديها مشكل مع التلفزة الوطنية فهل يعقل ان تنظم دولة اعتصام حول التلفزة ؟ لا يمكن ان نسيّر دولة كما نسيّر حزبا سياسيا... الدولة لديها معايير والحزب مثلا يمكنه ان يقوم بإعتصام، ولكن الدولة «لا» لأنها المنوال، ومن غير المقبول أن تنظر الى إعتصام أمام التلفزة ولا تحرك ساكنا وتسمح بمثل هذه المناهج.
في العالم أجمع لا وجود لديمقراطية بلا إعلام حرّ فرغم النقائص فإن الفوائد تظل أكبر بكثير، وللأسف وقعت محاولات كثيرة جدا لتدجين الإعلام وبالأخص في التلفزة والإذاعات وهذه التجاوزات لا تليق بالدولة.
ما رأيكم في أداء حركة «النهضة»؟
منحنا «النهضة» كنزا كبيرا... فالانتخابات التي حصلت في 23 أكتوبر كانت أسعد يوم في تاريخ التونسيين لأنها أوّل إنتخابات حقيقية وتحصلت «النهضة» على أغلبية نسبية وهذا يعتبر بمثابة ال«كنز» لها، ولكن عندما أمنحك كنزا يجب ان تعرف كيف تتصرف فيه ولا تدخل بثقلك وبلغة أنا أمثّل الشرعية وأنا الأغلبية وهذا ما لم تفهمه «النهضة» لأن الحنكة غائبة وللأسف فرّطوا في هذا الكنز وبعثروه وإستهلكوه الى درجة الإستنزاف، واليوم لم يبق لديهم شيء فمن لديه أغلبية كهذه يلزمه دائما إستغلال تلك الأغلبية كقوة إقناع وليس كقوة قمع ومهاجمة الأعداء والحديث عن الأزلام وعن إعلام العار.
من لديه كنز يجب ان يفهم معنى الدولة والإدارة ،وكحزب حاكم لا أشتم عدوي ويجب ان أستعمل طرقا تترفع عن مثل هذه الأساليب لأني أمثل الدولة وخطأ الدولة يُحسب بالملايين، وكدولة لا نقوم بالمحاصصة الحزبية في تكوين الوزارات وفي الإدارات والمؤسسات العمومية، وفي تعيين الهيئة العليا للإنتخابات وأفرض القوة الإعتبارية ومحبة الناس فهل ما وقع أمام الإتحاد مقبول وما يحدث في الجامعات من قبل بعض المنتقبات؟ كيف أترك العنف يتمادى ثم «أبكي» وبالتالي يجب كحزب حاكم ان أتحمل مسؤوليتي، أمّا المعارضة فمهما أخطأت فلا تحاسب مثل الحزب الحاكم.
وما وصلنا إليه من وضع أمني وإضطرابات تتحمل الحكومة مسؤوليتها فيه.
هل تتوقعون فوز «النهضة» في الإنتخابات القادمة ؟
حتى لو فازت في الإنتخابات فلن تفوز بنفس النسبة السابقة، الفوز ممكن لأنهم مازالوا يستعملون نفس الوسائل كشراء والتأثير على أصوات الناخبين ونأمل ان يبتعدوا عن هذه الأساليب ومن هنا لا بد من مزيد المراقبة وهذا من أهمية دور هيئة الإنتخابات ولا بد من مراجعات جذرية في أساليب الحكم.
أي الأحزاب تراها قريبة من عياض ابن عاشور ؟
شخصيا لست متحزبا، وقطعت عهدا على نفسي بألاّ أنتمي لأي حزب سياسي فأنا أرفض الروح الحزبية، فحتى أجواء الملاعب والصياح والصراخ أكرهه لأن الناس تفقد في تلك اللحظات التركيز والعقل ،فمعيار حياتي هو الهدوء والعقل في كل الأمور فقوة العقل ضرورية وليست القوة الغضبية لأنها موجودة حتى في الحيوان فالقوة الحزبية أن أنتمي الى حزب وأتبنى إيديولوجيته ولكن عندما يقول لي العقل ان هناك خطأ ماذا أفعل؟ أو أرى قانونا لا يعجبني كتحصين الثورة ماذا سأفعل ساعتها ؟ وبالرغم من أن الأحزاب ضرورية في الديمقراطيات فأنا حسب قناعتي الشخصية أرفض التحزب وهو تعهد شخصي.
هل وردت عليكم عروض للإنضمام إلى بعض الأحزاب؟
أغلب الأحزاب تريد ان أنتمي إليها وتقريبا وصلتني عدة عروض من «الجمهوري» و«نداء تونس» والقائمة طويلة فالكل يريدني معه ولو طرقت باب أي حزب فإن الأبواب ستكون مفتوحة ولكني كمثقف وجامعي أرفض الروح الحزبية.
بما تختمون هذا اللقاء؟
لا بد لتونس ما بعد الثورة ان تنجح، فالنجاح مفروض علينا ولا يجوز ان نسمح لأنفسنا بأن تفشل هذه التجربة الديمقراطية، لأنه إذا فاتتنا هذه الفرصة يلزمنا عدة قرون لكي نرجع، الثورة منحتنا فرصة عظيمة على مستوى الحقوق والحريات ولا بد ان نحافظ على ذلك وننجح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.