تسعى فئة من الفنانين والمبدعين أحيانا لافتعال بعض الفرقعات داخل الوسط قصد جلب الأضواء سواء كان ذلك بافتعال الخلافات أو بتعمد نشر أخبار أو إشاعات لا أساس لها من الصحة. ويعود ذلك في أغلب الحالات إما لانحسار الضوء لفترة من الزمن عن الفنان أو لقرب إصداره لعمل ما قصد التمهيد له. ولعل تحول هذا إلى شبه تقليد أحال الذين يعملون في صمت من رتبة القاعدة إلى خانة الأقليات الصامتة ومن هؤلاء الشاعرة ألفة العبيدي التي التقتها «التونسية» وهي بصدد وضع اللمسات النهائية لعرضها الجديد «وين ماشين؟» ألفة فتحت لنا قلبها وكشفت بعض ملامح هذا العرض إضافة إلى العديد من الجوانب الأخرى... في البدء كيف يمكن أن نقدم ضيفتنا لعموم قرائنا ؟ ألفة العبيدي شاعرة تونسية متواجدة منذ سنوات بالساحة الأدبية .صدرت لي ثلاث مجموعات شعرية الأولى بعنوان «هذه القيود تحررني» والثانية تحت عنوان«نورس فوق الموج المتلاطم» والثالثة«الى رجل مهم» والديوان الرابع هو قيد الطبع يحمل عنوان«رسائل الكلمات». أما على المستوى المسرحي فلي عمل بعنوان« رسالة إلى قرطاج» سنة 2012 والذي كان مرادفا لكثير من الفرح وكثيرا من الألم خصوصا حين يتعلق الأمر بالمسؤولين الذين لم يفتحوا شبابيك مكاتبهم لنور الثورة وأظنهم لن يفعلوا ذلك أبدا ويأتي عرض«وين ماشين؟» ليكون رسالتنا المفتوحة في سنة 2013 لتونس ولكل التونسيين بلا انحياز . في سياق الحديث عن الثورة كيف ترى الشاعرة ألفة العبيدي انعكاس ذلك على الأدبي والفني ؟ أرى ان الأمور لم تصل بعد إلى ما يطمح إليه المبدع والمثقف التونسي بالمحافظة على نفس النسق، نفس الأسماء والوجوه التي ألفناها قبل الثورة والتي بات أغلبها مستهلكا تواصل حضورها في المهرجانات الكبرى وتمثل تونس في الخارج والداخل في حين أن الكثيرين كانوا ومازالوا يمثلون بتونس ولا يمثلونها كما أن الإعلام يتحمل قسطا من المسؤولية في ذلك وأظن أن الخلفية الثقافية للإعلامي لا تمنح بل تكتسب على مر سنوات لذلك فإن عمليات الرسكلة السريعة لأغلب الوجوه الإعلامية قصد تعريفهم بجيّد الأصوات أمر دون جدوى والأمر جلي كما قلت في الأسماء التي تكرر باستثناء أقلية تؤمن ان ثورات العالم يتبناها المبدع والمثقف الذي ينزف من داخله كي يقدم عملا ينقل صورة حية وفنية عما يختلج صدر الإنسان البسيط . لكن أليس من المبالغة القول بأن شيئا لم يتغير بعد الثورة؟ أكيد أنا أتحدث بقناعة وكلّ شيء نسبي بالضرورة ولا مجال للحديث عن الأمر في المطلق لكن في المقابل بعض المسائل تطورت بعد الثورة في حين تأخر بعضها الآخر على نحو مفاجئ. العديد من الأصوات تحررت بعد أن كان حضورها في الفضاء العمومي مرفوضا في حين تواصل حضور البيروقراطية المقيتة داخل العديد من الإدارات التونسية سواء في تنظيم العروض أو في دعم المثقف الذي من المفترض أن يكون قوة اقتراح صلب المؤسسة الثقافية لكن نراه اليوم مغيبا تماما إما بتجاهله أو برغبة منه يكون سببها في الغالب حفظ الكرامة مثلا وعلى سبيل الذكر وخلال تقديم ملف العرض الجديد فاجأني احد المسؤولين بسؤاله من أنت ألفة العبيدي ؟ أنا لا أعرفك يجب ان تعرفي بنفسك أكثر حتى تسوّق عروضك ممّا أعطاني تأكيدا بأن العملية تجارية بالأساس لا تقوم على الطموح والكفاءة بل فقط تبعا لمزاج المسؤول لا أكثر . الحديث عن عرض « وين ماشين؟ » يوحي حسب عنوانه بأنه انعكاس لكلامك السابق ؟ أبدا لم تخطئ بل أصبت كبد الحقيقة فنحن اليوم في حاجة إلى حلول وإلى نقد بناء وفي حاجة إلى تماسك وترابط لا إلى تفرقة بالبحث في ملفات بعضنا البعض عن أقل الهنات قصد تضخيمها. فحتى المنابر التي تفتح كل يوم أسيء استغلالها حين حادت عن الطريق بأن جعلت من المواطن البسيط رهينة لدى السياسي خاضعة لبرامجه وتقييمه للأشياء. وللأسف آخر الهموم صارت هي البناء والتقدم والاستفادة من ثورة قام بها شبابنا ووهبه روحه ودمه من اجل بلوغ الحرية .. «وين ماشين ؟» هو سؤال بحجم الوطن وبحجم ألمه المتعاظم وهو دعوة للدوس على الجراح وتجاوزها لعيون الوطن لا أكثر. أوليس من الغريب مثلا أن يجمعنا القمع وتقمعنا الحرية ؟ ستكون الموسيقى حاضرة والشعر والتعبير الجسماني كلها مجتمعة على قلب وطن واحد حتى يساهموا ولو بنزر صغير في توسعة هوة الأمل الذي أضاع الشعب التونسي بوصلتها أو كاد يفعل .. دعوة للتآلف والحب .. إلى حدود اللحظة سيكون العرض حاضرا في سبعة مهرجانات تقريبا آمن القائمون عليها بالأصوات البعيدة عن الأضواء ونحن في انتظار البقية وهذه رسالة مفتوحة حتى تفتح الأبواب في وجوهنا وأن يسقط معيار النجومية كشرط لاعتلاء مهرجانات دون أخرى . ختاما ألفة العبيدي أي الرسائل توجهين؟ ولمن ؟ هو الشكر لكم وهي الدعوة من خلالكم إلى وسائل الإعلام حتى ترحمنا من ثقل السياسة بالتركيز قليلا على الثقافي وبفتح المنابر للكلمة الحرة المبدعة وهي دعوة لرجال الأعمال لتمويل الثقافة ولسماسرة الثقافة أن يرفعوا أيديهم عنا وهي في الأخير دعوة لكل الذين يحاولون بشتى الوسائل تقزيم نجاح الآخرين أن يكفوا عن ذلك .