أشرفت المسابقات الرياضية المدنية على نهاياتها ومن المتوقع أن تفتح قريبا كل النوادي في عديد الاختصاصات أبوابها للاختبارات والانتدابات التي تهم أصناف الشبان، ويمكن الجزم بأننا سنعيش في بداية العطلة الصيفية – كالعادة- مركاتو حقيقيا خاصا بالأطفال وهو سوق قد يفوق مركاتو الكبار من حيث العرض (عدد مشاريع اللاعبين) وأيضا من حيث الاهتمام الذي يثيره عند الأولياء والعائلات. سبحان مبدل الأحوال، فبعد أن كان الولي ينظر سلبا إلى الرياضة ويعتبرها وسطا لا أخلاقيا، ثم تطور موقفه منها وأصبح يعتمدها كوسيلة تكميلية لا غير للترفيه وصقل مواهب ابنه ثم ابنته ها نحن نرى ذات الأولياء ينزلون الرياضة اليوم كوسيلة رقي اجتماعي تنافس التربية والتعليم والتكوين والفنون... في أهدافها السامية أي تكوين الناشئة وتمكينها من زاد معرفي يؤمن المستقبل والحياة الكريمة والترقية الاجتماعية. بل إن الأمر تطور بصفة مذهلة إذ صرنا نرى الآباء والأمهات يصرفون الأموال ويضاعفون الجهود ويعتمدون كل الوسائل حتى اللامشروعة منها لتمكين ابن أو بنت من الانخراط في ناد معين ثم الظفر بمكان أساسي في الفريق يفتح أبواب الشهرة ويجلب الملايين. ولعل أكبر نقلة نوعية في عقلية تعامل العائلات مع الرياضة يمكن رصدها بوضوح عند عديد الأولياء الذين أضحوا يقبلون حتى بانقطاع ابنائهم عن الدراسة من أجل التفرغ لممارسة الرياضة. وكذلك الشأن بالنسبة للنوادي والجامعات ووزارة الرياضة، كلها انساقت في هذه المنظومة فتراها تكثف من نشاطها وبرامجها وتفرض تفرغا يكاد يكون تاما من الرياضيين. صغارنا لم يعدوا يتطلعون إلى مهنة الطب والمحاماة والتعليم بل أصبحوا يحلمون بيوسف المساكني وأسامة الملولي وليونال مسي، والأغرب من ذلك أن الأولياء يشاركون أبناءهم نفس الأحلام، والسؤال المطروح هو هل تستحق الرياضة كل هذا الاهتمام ؟ وهل حقا يمكن اعتبارها وسيلة رقي اجتماعي تمكن من تعاطاها –طبعا بنجاح- من ضمان مستقبله ومن العيش الكريم على غرار الدراسة ؟ إن الأممالمتحدة واليونسكو وعديد المنظمات الدولية المختصة تعتبر أن الرياضة لم تقم الدليل إلى حد الآن أنها (أي الرياضة) حقا وسيلة تحقيق الذات وتأمين المستقبل مهنيا واجتماعيا. إن الرياضة في العالم وفي تونس أيضا استغلت شعبيتها وتفاعل الأطراف الاقتصادية معها لتحقق نجاحا كبيرا على مستوى الجانب المالي لكنها وفي ذات الوقت تسجل سلبيات عديدة على مستوى الجانب التربوي. وعلى الجميع وخاصة الأولياء والنوادي إدراك ذلك جيدا وهم مطالبون بالكف عن ارتهان مستقبل شبابنا وكذلك بالحرص على وضع برامج تربوية ومهنية تهتم بالرياضيين وتمكنهم من مجابهة المستقبل إذا ما فشلوا في الحياة الرياضية.