جيهان لغماري اختتمت البارحة أشغال المؤتمر الوطني لمناهضة العنف والإرهاب ولكن ما حدث في اليوم الأول من مقاطعةٍ بعض الأحزاب لفعالياته وخاصة «النهضة» لِما لها من تأثير يجعلنا نتساءل: هل حقق هذا المؤتمر أهدافه أم زاد المشهد السياسي شرخا على شرخ؟. ما وقع كان منتظَرا. أولا، لأنّ الافتتاح كان متاحا للجميع مما دعا «الجبهة الشعبية» إلى تشجيع أنصارها على الحضور الكثيف والقواعد لا تفرّق عادة بين أهداف المؤتمر الإستراتيجية للبلاد وبين المطالب الآنية وعلى رأسها الكشف عن حقيقة اغتيال زعيمهم شكري بلعيد. ثانيا، لأنّ الأطراف التي مازالت تدافع عمّا يسمى رابطات حماية الثورة وأساسا «النهضة» و«المؤتمر»، تناست أنّ اللجنة المشرفة على مؤتمر مناهضة العنف استثنت هذه الرابطات من الحضور بل وتعتبرها المسؤولة الأولى على انتشار العنف بأنواعه. وعليه فإنّ انسحاب الحزب الحاكم ومن والاه في الموقف بحجّة التهجّم عليه واتهامه في قضية بلعيد وإنْ يُعْتبَرُ في جانب منه مبرّرا ومفهوما، فإنه في جانبه الآخر السياسي محاولة للتهرّب من إمضاء بيان جماعي ملزم أخلاقيا، فيه إدانة واضحة لهذه الرابطات. فاتهام أنصار «الجبهة الشعبية» ل «النهضة» بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية في اغتيال بلعيد ليس جديدا، وكان الأجدر تجاوز بعض الشعارات المرفوعة والمشاركة الفاعلة في اللجان فقد يكون انسحاب «النهضة» ومهما كانت الأسباب، فخّا منصوبا لها مسبقا للتدليل على أنها ترفض التوقيع على وثيقة جماعية لنبذ العنف والإرهاب وهذا يعني شعبيا تملّصها من الالتزام الممضى!، فما سيبقى في ذاكرة عامة الناس ليست الأسباب التي من أجلها انسحبت «النهضة» حتى وإنْ كانت مقنعة بل النتيجة وهي أنها رفضت إمضاء الوثيقة الجماعية وهذا ربما ما لم تضعه في حساباتها قبل الانسحاب. مع ذلك، أتيحتْ فرصة لإنجاح هذا المؤتمر في اليوم الختامي، لكنها أُهْدِرَتْ بغياب رئيسيْ قرطاج والقصبة مع أنّ حضورهما كان مهما للغاية لإعطاء أمل في التوصّل إلى وثيقة جامعة قد تجعل «النهضة» تقبل إمضاءها. وهذا الغياب ليس إلاّ انتصارا لموقفيْ حزبيْهما المقاطعيْن مما يعطي الحجّة للمعارضة للقول بأنّ أجهزة الدولة تُدَارُ بعقلية حزبيّة صرفة خاصة أنّ عامر العريض هو أوّل من أكّد أول أمس في لقاء تلفزي عدم حضور الرئيسيْن للاختتام!. هذا المؤتمر نجح في تأكيد فشل الأحزاب الحاضرة والمقاطعة لكنه أكّد أيضا حقيقة أصبحت اليوم واضحة وهي أنّ كل محاولة جدية لرأب الصدع بين الفرقاء أو للتقدم في المسار السياسي والدفع نحو طمأنة الرأي العام الداخلي، لن تنجح ما لم تُكشَف تفاصيل اغتيال شكري بلعيد كاملة ومحاسبة المشاركين فيه قرارا وتخطيطا وتنفيذا. خارج هذا السيناريو، ستراوح كل المسارات مكانها وهو أمر لا يمكن أن تتحمّله البلاد طويلا.