دعوة ملحة من المستثمرين إلى التقليص من البيروقراطية وعدد الوثائق الإدارية اقتراح ربط الامتيازات الجبائية بخصوصيات كلّ جهة علمت «التونسية» أن الاستشارة الوطنية حول مشروع مجلة الاستثمار الجديدة ستنعقد موفى الشهر الجاري بالعاصمة تتويجا لسلسلة من الاستشارات الجهوية التي شملت مختلف الأقاليم بحضور ممثلين عن وزاراتي التنمية والتعاون الدولي والمالية وعدد من الإطارات الجهوية وبالخصوص المستثمرون التونسيون المنتصبون بمختلف الجهات. وأفاد مصدر من اللجنة التنفيذية المشرفة على إعداد المجلة الجديدة للاستثمار أن الاستشارة الوطنية سيحضرها بالخصوص رئيس الحكومة وعدد من ممثلي الوزارات ذات الصلة بالمجال الاقتصادي والاستثماري ومنظمات الأعراف والفلاحة واتحاد الشغل وعدد من الهيئات المهنية وعدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين التونسيين والأجانب. وأكد مصدرنا أن المشروع الأولي للمجلة الذي تم عرضه على الاستشارة الجهوية سيشهد تعديلا هاما في بعض المسائل والمحاور وذلك بناء على توصيات ومقترحات المشاركين في هذه الاستشارات التي تواصلت تقريبا على مدى شهري ماي وجوان الفارطين. وتابع مصدرنا في السياق ذاته أن الاستشارة الوطنية قد تحمل أيضا تعديلا على مشروع المجلة في اتجاه تطويرها وأخذها في الاعتبار التحولات الظرفية وخاصة الهيكلية التي يمر بها الاقتصاد التونسي، ولم يستبعد مصدرنا أن تتم إعادة صياغة المشروع من جديد ثم عرضه على جلسة عمل وزارية وتقديمه في نهاية المطاف إلى المجلس الوطني التأسيسي للتحاور بشأنه وإمكانية إدخال التغييرات الضرورية المناسبة التي يراها النواب والمصادقة عليها. أهم الإشكاليات وتتمثل أهم الإشكاليات التي تمت إثارتها والتوصيات التي تم رفعها خلال الاستشارات الجهوية بحسب ما أوضحه مصدرنا في مزيد ربط الامتيازات الجبائية والكمالية بالأولويات في الجهات وإعطاء مرونة أكثر للمستثمر التونسي والأجنبي للحصول على ضمانات عند عملية فض النزاعات. كما تم التأكيد على ضرورة الاعتناء بصغار المستثمرين وإيجاد سبل النفاذ إلى التمويل فضلا عن المطالبة بالتقليص في الوثائق الإدارية قدر الإمكان والتخفيف من بطء الإجراءات الإدارية التي اعتبروها معرقلة للعملية الاستثمارية، مع الحرص على تحسين إجراءات الاستثمار. ولاحظ مصدرنا أن من أهداف المراجعة مواكبة متطلبات التنمية الحالية لتونس ما بعد الثورة وتوجيه رسائل إيجابية للمستثمرين وإعداد مجلة شاملة تتناول الاستثمار بجميع أبعاده مع تجميع النصوص المشتتة وتبسيط الإجراءات الإدارية والتقليص من الآجال. خمسة مبادئ أساسية وتضمّن مشروع المجلة الجديدة للاستثمار جملة من الإجراءات الجديدة وتتمثّل أبرزها في توحيد الامتيازات الجبائية حسب الأولويات الوطنية وبصرف النظر عن طبيعة النشاط مع إمكانية الجمع بين أكثر من امتياز في صورة تحقيق أكثر من أولوية وطنية. واقترح ذات المشروع المحتوي على 72 فصلا، حذف الامتيازات المالية والجبائية غير المستعملة بصفة ناجعة والإبقاء على الحوافز التي أثبتت نجاعتها. كما تم اقتراح إمكانية السماح بانتداب الأجانب بسقف محدد في المؤسسات الأجنبية المقيمة في تونس وذلك في حدود 30 بالمائة من عدد الإطارات خلال العامين الأولين من المشروع على أن تنزل هذه النسبة إلى مستوى 10 بالمائة بعد ذلك قصد مصاحبة المشاريع الجديدة التي تحتاج إلى خبرة معينة فضلا عن السماح بنقل المعارف والمهارات في بعض المجالات. وارتكز المشروع الجديد على 5 مبادئ لسياسة الاستثمار وهي أولا دعم الأولويات الوطنية وترشيد استعمال موارد الدولة والرفع في القدرة التنافسية للمؤسسة التونسية وإرساء مبدإ الحوكمة الرشيدة في مجال الاستثمار. وتضمن المبدأ الأول جملة من التوجهات الرامية إلى دعم التنمية الجهوية والمندمجة والتشغيل وتنمية رأس المال البشري والرفع في القيمة المضافة والتجديد. وبالنسبة للمبدإ الثاني الخاص بمزيد تحرير الاستثمار فإنه احتوى على عدة توجهات جديدة منها بالخصوص تذليل العراقيل مع المحافظة على المصالح الاستراتيجية وتحسين آليات التشجيع ودعم الضمانات اللازمة للمستثمرين. وفي ما يهم مبدأ ترشيد استعمال موارد الدولة تم التنصيص على المحافظة على الموارد الطبيعية والأمن الغذائي إلى جانب العمل على تطوير سبل الشراكة مع القطاع الخاص. أما بشأن مبدإ إرساء مبادئ الحوكمة الرشيدة في مجال الاستثمار فقد تم التأكيد على مراجعة دور الهياكل المكلفة بالاستثمار ودعم الشفافية والموضوعية والحياد في جميع مراحل اتخاذ القرارات الإدارية. وبخصوص مبدإ الرفع في القدرة التنافسية التونسية فقد تم التركيز على تشجيع المؤسسات على إتباع مبادئ الحوكمة الرشيدة والمسؤولية الاجتماعية واحترام البيئة. أولويات وطنية واحتوى المشروع الأصلي على خمس أولويات وطنية أفرزتها الدراسات والمقاربة التشاركية وهي أولا التشغيل وتنمية رأس المال البشري وثانيا التنمية الجهوية والمندمجة وثالثا الرفع في القيمة المضافة والتجديد ورابعا التنمية المستدامة وخامسا النهوض بالصادرات ومساعدة المؤسسات على الانتصاب بالخارج (التدويل). ومن بين ما حمله مشروع المجلة من إضافات جديدة بالمقارنة مع المجلة السابقة بحسب المصدر «إسناد منحة إضافية بعنوان الاستثمار الذي تختص به الجهات le principe de la filière économique والتشجيع على انتداب حاملي الشهائد العليا بصرف النظر عن جهة الانتصاب أو نوعية النشاط وتشجيع عمليات تطوير الكفاءات وتحسين الإنتاجية بمنح امتيازات خصوصية لعمليات المصادقة على الكفاءات la certification des cadres». و خصص المشروع المعروض امتيازات على مستوى المؤسسات الصغرى ترمي إلى تطوير المبادرة الفردية والعمل المستقل وتتمثل هذه الامتيازات في اعتماد مالي يتم إرجاعه قصد إيجاد مصادر إضافية في مجال المساعدة على التمويل الذاتي. وبالنسبة لمحور النفاذ إلى السوق تضمّن المشروع مبادئ حرية الاستثمار والنفاذ إلى الملكية وانتداب الأجانب بسقف محدد وتضمن محور الضمانات دعم الضمانات الحالية ومزيد الشفافية في تطبيقها وتكريس بعض الضمانات غير الموجودة حاليا طبق أفضل الممارسات الدولية. واقترح محور تسوية النزاعات تبسيط فضّ النزاعات باعتماد المرحلة الصلحية ثم المرحلة التحكيمية مع المحافظة على مصالح الدولة. وبخصوص محور الإطار المؤسساتي فقد تم اعتماد تصور جديد لهذا الإطار من خلال بعث هيئة وطنية للاستثمار ولاحظ المتحدث في هذا السياق أن هذه الهيئة تتضمن مخاطبا وحيدا للمستثمر ويتمثل دورها في التصرف في الامتيازات الجبائية والمالية واستقبال وتوجيه وإرشاد ومساعدة المستثمر. كما تتولى هذه الهيئة تجميع ونشر المعلومات المتعلقة بالاستثمار فضلا عن التقييم والمتابعة واقتراح الإصلاحات في مجال الاستثمار مع الإشراف على مختلف المتدخلين والتنسيق بينهم. وقد عرفت المجلة القديمة الصادرة في غرة جانفي 1994 والمحتوية على 75 فصلا عرفت 29 تعديلا على امتداد 19 سنة من الوجود وشهدت صدور 33 أمرا تطبيقيا لكنها لم تعد تستجيب للأولويات الحالية للتنمية للبلاد وانحصرت آجال التدخل في التشجيعات فقط علاوة على تشتت النصوص واتسامها بالضبابية مع طول الإجراءات وتشعبها مع ضعف المتابعة والتقييم. ويشار إلى أن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك العالمي قدمت دعما ماليا بقيمة 650 ألف دولار في شكل هبة للمساعدة على إنجاز مشروع المجلة الجديدة وتوفير خبراء لتقديم تجارب بعض الدول على غرار دول الاتحاد الأوروبي ودول أوروبا الشرقية وبعض الدول العربية.