احتفى التونسيون بعيد الفطر المبارك كما جرت العادة. ولكن الشعور بالضيق والقلق رافقهم خلال عطلة العيد وظل يخيم على الأجواء بسبب تطورات الأوضاع الأمنية في البلاد سواء في جبل الشعانبي، حيث تواصل قوات الجيش والأمن عملياتها ضد المجموعات المسلحة، أو الأحداث التي جدت في مدن أخرى حيث تلاحق الأجهزة الأمنية عناصر يعتقد أنها مورطة في أحداث عنف جدت في البلاد. وكذلك بسبب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد. وبعد الاعتصامات ..والاعتصامات المضادة و«حرب» الأرقام حول أعداد المشاركين في تجمعات هذا الشق أو ذاك، يفترض أن يعود السياسيون بداية من الغد للخوض في صلب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد. وصلب هذه الأزمة يتمثل في مطالبة طيف من المعارضة بحل المجلس الوطني التأسيسي واستقالة حكومة علي العريض، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تقودها شخصية مستقلة مقابل تمسك «الترويكا» الحاكمة بشرعية المجلس التأسيسي، واستعدادها لتشكيل حكومة وحدة وطنية تبقى رئاستها عند حركة النهضة. وصلب هذه المواقف وضع كل طرف خطوطا حمراء يقول أنه لن يتنازل عليها. وهي عند المعارضة التشبث بمبدأ تشكيل حكومة إنقاذ وطني وعند النهضة مواصلة المجلس التأسيسي لمهامه وبقاء رئاسة الحكومة عند الطرف الفائز بالانتخابات الأخيرة، دون أن يمنعهم ذلك من التعبير عن الاستعداد للحوار. والسؤال الذي يطرح اليوم هو كيف ستقام جسور هذا الحوار ومن سيقوم بالدعوة إليه ، وأي جدول أعمال له. يقول قياديو المعارضة الذين لم تمنعهم عطلة عيد الفطر من تكثيف ضغطهم السياسي والميداني أن الكرة في ملعب حركة النهضة وأنهم بانتظار «إشارة» مباشرة من الحركة ل«حلحلة» الموقف الراهن. في حين ترفض الحركة أي شروط مسبقة للحوار. ورغم تعدد المبادرات خاصة من بعض الشخصيات المحسوبة على المجتمع المدني التي سعت إلى التقريب بين المواقف، فإنه لم يتبلور إلى حد الآن الشكل الذي سيتخذه هذا الحوار. كما لم يتحدد أيضا السقف الذي سيأويه. ويبدو أن الجميع بانتظار مبادرة من الاتحاد العام التونسي للشغل باعتبار أن الموقف الذي اتخذته المنظمة الشغيلة من الأزمة، وكذا موقف اتحاد الصناعة والتجارة، يمكن اعتبارهما موقفي وسطا بين الطرفين السياسيين: المعارضة والنهضة. حيث دعيا لحكومة إنقاذ أو حكومة كفاءات، وتمسكا بمواصلة المجلس التأسيسي لعمله وفق روزنامة مضبوطة وأولويات محددة على رأسها المصادقة على الدستور. وقد جاء قرار الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي بتعليق أشغال المجلس إلى حين استئناف الحوار الوطني ليدعم - ولو بطريقة غير مباشرة - موقف المنظمة الشغيلة وبقية المنظمات الراعية للحوار الوطني، وحثها على التحرك من أجل إيجاد إطار يحتضن الفرقاء السياسيين والإعلان عن بداية البحث عن حل. لا شك أن المخرج من هذه الأزمة يكمن في تخلي الأطراف السياسية المتقابلة على ما تعتبره خطوطا حمراء. وإشعال الضوء الأخضر من أجل الانطلاق في البحث عن حل ينقذ البلاد من الأزمة السياسية الحادة التي تردت فيها، وتجنيب الشعب التونسي خطر الانقسام وخاصة شبح المصادمات بين أنصار الشقين. ففي باردو وفي أوج «حرب» الاعتصامات بين أنصار الحكومة وأنصار المعارضة كانت بعض اللحظات تنذر بالأسوأ .. وهذا الأسوأ هو الخط الأحمر الوحيد بالنسبة للشعب التونسي.. وهو ما يجب أن يعمل العقلاء والحكماء من الشقين على عدم تخطيه مهما كانت الظروف والمبررات.