تنتمي كتابة الأحلام إلى الأدب الذّاتيّ الّذي نجد فيه اليوميّات والرّسائل والسّيرة الذّاتيّة والمذكّرات والاعترافات والشّهادات وغير ذلك. فالأحلام هي بوح ذاتيّ يتّسم بالعفويّة، وهي الأكثر صدقا باعتبارها تنتمي إلى حقل العقل الباطن أو اللّاوعي الّذي لا (...)
المعنى هنا معْقودٌ، ليس على القياس الماديّ للمسافات بالأمتار أو بالكيلومترات، بل على تلك الفجْوة الفاصلة بين طرفيْن اثنيْن. إذ يمكن أن تكون الفجوة نفسيّة ووجدانيّة وفكريّة وثقافيّة ومعرفيّة وزمكانيّة وسياسيّة واجتماعية. إنّ العالم يسير نحو التّقلّص (...)
أحببتُ أن يكون عنوان هذا المقال: ‹كيف أصبح التّونسيّون مسلمين› على غرار عنوان كتاب أستاذنا الهادي التّيمومي: ‹كيف أصبح التّونسيّون تونسيّين›. لكنّي عدلت عن هذه الفكرة لأمضي إلى مساءلة بعض المسلّمات وهي الهويّة الّتي استغرق التّداول فيها زمنا طويلا (...)
لا أقول وداعا، بل أقول سلاما للّذي كان منّي وفيّ، للّذي مضى باتّجاه الغروب الّذي، من بعده، لا شروق، أستاذنا الجليل الفقيد الشّاذلي السّاكر، أرثيه كيف؟ فهل يفيد الارّثاء؟ وهل يرثي إنسان نفسه؟ أعتقد أنّه لم يمت، بل خرج في نزهة متأبّطا كتابا كعادته. (...)
قال لي صديقي المُبضْحِكُ ( الجامع بين الضّحك والبكاء): «لا تلتفتْ إلى الوراء. اِبدأ من الصّفر، وامح الماضي لأنّك تعيش في زمن آخر، ثمّ إنّ إيقاع الحياة تغيّر». قاطعته متسائلا عمّا يعنيه فقال: «عصرنا الحاليّ لخّصه المفكّر الفرنسيّ ‹بول فيريليو› في (...)
الآثار الأدبيّة شعرا أو سردا تعتمد التّخييل أساسا. فما عدا السّير الذّاتيّة فإنّ ما يكتبه المؤلّف هو محض خيال وتصميم لشخصيّات وأحداث مع سعي إلى توخّي الحياديّة والموضوعيّة بقدر كبير. فلا يجب على الكاتب أن يقحم ذاته وخلفيّاته الإيديولوجيّة أو تجاربه (...)
في الكثير من النّظريّات التي تنتمي خاصّة إلى علم الاجتماع فإنّ الشّعب هو طيف ومجموعة من الأفراد تربطهم علاقات. وفي العلم الماركسيّ فإنّ الشّعب طبقات، والطّبقات شرائح في تعالق بقوى الإنتاج وعلاقاته. وفي عرف اليسار التّونسيّ أو بالأحرى جماهير اليسار (...)
في محاولة منّي الاشتغال بتعبيرات الوجه أو تقاسيمه أو ارتساماته في سرديّة روائيّة تونسيّة لم أعثر على مراجع عربيّة عدا ما كان منها نادرا جدّا ومنها كتابة الحواسّ في السّرد وذلك في حدود بحثي وعلمي. بينما وجدت الكثير من المراجع باللّغات الأجنبيّة وهو (...)
في الكثير من الرّوايات والقصص العربيّة تكون المرأة إحدى الشّخصيّات الرّئيسة في المتون السّرديّة، كما يكون حضورها ثانويّا ومساعدا. وفي كلّ الحالات فإنّ صورة المرأة في السّرديّات العربيّة من الموضوعات الجديرة بالبحث. ومن الممكن اختصار صورتها ودورها (...)
«لا تُعطِنا يا بحْرُ، ما لا نسْتحقُّ من النّشيدْ ونُريد أن نحْيا قليلا، لا لشيءٍ بل لنرحلَ من جديدْ». محمود درويش. في مِيناءِ «مرْسيليا» القديمِ لسْتَ وَحْدكَ، الحَياةُ في أوْجِها العشّاقُ نزِقونَ، والطبيعةُ في صَخبِها. القِطاراتُ والبَواخِرُ تمْضي، (...)
يقول أبو العلاء المعرّي: «هذا ما جناهُ أبي عليّ، وما جنيتُ على أحد»، ويضيف: «أراني في الثّلاثة من سجوني، فلا تسأل عن الخبر اليقين، لفقدي ناظري ولزوم بيتي، وكون النّفس في الجسد الخبيث». بهذه الأبيات يحيلنا المعرّي إلى مأتم العزلة القاسية على النّفس. (...)
مع إطلالة العشريّة الأولى من القرن الحادي والعشرين أشرقتْ شمس في حياتي بعد خيبات عديدة إذ أحببتُ حبّا جمّا الصّديق الأديب محمّد الغزالي الّذي كان جزءا منّي وفيّ، أو هو كان كلّي وكنتُ أنا كلّه. فهلك في حادث طريق مروّع. وبقيتْ ذكراه ألما في قلبي. كان (...)
كاتب هذا العمود يزعم أنّه نمرود من نماردة نبلاء. لم ينحن في حياته لأيّة ريح، ولم يخضع لأيّة سلطة أكانت إداريّة أم سياسيّة أم إيديولوجيّة أم عائليّة أم دينيّة أو أخلاقيّة.انحنى مرّة واحدة عندما انحنى له مسؤول صينيّ وهو يسلّمه ديبلوما .تجرّدَ من جميع (...)
«لا نلتقي إلّا وداعا». هكذا لخّص الشّاعر محمود درويش ثنائيّة اللّقاء/ الوداع. وفي المثل الشّعبي يُقال بما معناه: فراق الموت أهون على المرء من فراق الحياة، هذه الّتي تدفعنا، إمّا مصادفة أو قصدا وترتيبا إلى إقامة علاقات مع أشخاص. وينتهي اللّقاء دائما (...)
تُختصر الحياة في معنى مّا. قد يكون لدى البعض معقودا على الوطن على النّحو الّذي يشير إليه الشّاعر ‹بدر شاكر السيّاب›: «إنّي لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون/ أيخون إنسان بلاده؟/ إن خان معنى أن يكون/ فكيف يمكن أن يكون؟». البعض الآخر قد يجد المعنى في (...)
«بعض النّاس خطايا فادحة يا عبد اللّه!»، أستعير من الشّاعر العراقيّ مظفّر النّوّاب هذا السّطر الّذي جاء في قصيدته ‹عبد اللّه الإرهابيّ› لأقول: «إنّ الكثير من النّاس خطايا». فوجودهم الكميّ في المجتمع لا يقدّم ولا يؤخّر في شيء، إذ لا قيمة مضافة لهم حسب (...)
حين فرغ خزّان رشّاشه وقف فوق الخراب العميم، وصفّق بيدين داميتين. أشعل سيجارة ثمّ تقيّأ عشرين قطرا عربيّا ونيفا. وحين اخترقت رصاصة العدوّ صدره ورأسه تهاوى وفي فمه غزّة. انتهت الحرب الّتي لا تنتهي. القطط في الشّوارع والكلاب السّائبة تنهش جثث القتلى. (...)
يولدُ المرء حرّا: عاريا من أيّ قناع، وخاليا من أيّ معنى. وعلى حدّ صحيح البخاري فإنّ الحديث يقول: «ما من مولود إلّا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه، كمَثَلِ البهيمة تُنتَج البهيمة بهيمةً جمعاءَ هل تحسّون فيها من جدْعاءَ» (...)
التقيتهُ منذ أسبوع. تغيّر شكلا وربّما جوهرا وتغيّرتُ مثله. غمرتني فرحة وانثالت ذكريات بعيدة تعود إلى النّصف الأوّل من ثمانينات القرن الماضي. أعني زميل دراستي الدّكتور سمير حمدي الأستاذ الجامعيّ والخبير الدّوليّ في الموارد البشريّة. تذكّرتُ أيّام (...)
للحلم مساحات في السّرد. فلا تكاد تخلو رواية من أحلام توازي الوقائع السّرديّة. أمّا عن كتابة الحلم وعرضه للعموم كسرديّة نوويّة فقلّما نجد له مكانة. أنا كائن حالم أو حلّام، وبعض أحلامي الّتي تتكرّر غريبة وعجيبة. منها هذا الحلم الّذي يأتيني أحيانا في (...)
بين العمارة والنّصّ أيّا كان أدبيّا أو فنيّا أو علميّا أو فكريّا علاقة عضويّة متينة. فالعمارة هي تصميم وإنشاء وتشييد، ورؤية لترتيب الفضاء والمجتمع. أمّا النّصّ اللّغويّ فقد يكون محكما وفقا لمنهجيّة وانتظام للأفكار، وقد يكون متشظّيا مفكّكا وهجينا. (...)
تعتبر الجمعيّات عامّة مكوّنا أساسيّا من مكوّنات المجتمع المدنيّ. وهي علامة على نهضته وتعافيه باعتبارها تشارك في إدارة الشّأن العامّ في مختلف مجالاته. ومنذ الثّورة التّونسيّة تنامى عدد الجمعيّات بشكل ملحوظ، وساهم الكثير منها في تقديم خدمات جليلة (...)
حين يتعلّق الأمر بكتابة الجسد شعرا لا بدّ من الإشارة إلى أن لا حقيقة سوى هذا الجسد الكامل الشّامل الّذي يشكّل الكائن البشريّ. إذ لا وجود لإنسان خارج هذا الإطار. والجسد يشتمل على كلّ شيء من مشاعر ورغبات وغرائز وفكر وخيال. أمّا الجسد شعرا فقد كان على (...)
حين يصبح المرء واحدا أحدا ووحيدا بوسعه أن يستجير بمن حوله ويصرخ:» أيّها النّاس أعينوني عليّ». في حياتي مررتُ بحالتيْ اكتئاب حادّتين. والآن أوشك على الانهيار العصبيّ: الفراغ يلتهمني في هذا الجحيم الأرضيّ الّذي انزاحت فيه المفاهيم والمعاني عن أصولها (...)