يقول أبو العلاء المعرّي: «هذا ما جناهُ أبي عليّ، وما جنيتُ على أحد»، ويضيف: «أراني في الثّلاثة من سجوني، فلا تسأل عن الخبر اليقين، لفقدي ناظري ولزوم بيتي، وكون النّفس في الجسد الخبيث». بهذه الأبيات يحيلنا المعرّي إلى مأتم العزلة القاسية على النّفس. (...)
مع إطلالة العشريّة الأولى من القرن الحادي والعشرين أشرقتْ شمس في حياتي بعد خيبات عديدة إذ أحببتُ حبّا جمّا الصّديق الأديب محمّد الغزالي الّذي كان جزءا منّي وفيّ، أو هو كان كلّي وكنتُ أنا كلّه. فهلك في حادث طريق مروّع. وبقيتْ ذكراه ألما في قلبي. كان (...)
كاتب هذا العمود يزعم أنّه نمرود من نماردة نبلاء. لم ينحن في حياته لأيّة ريح، ولم يخضع لأيّة سلطة أكانت إداريّة أم سياسيّة أم إيديولوجيّة أم عائليّة أم دينيّة أو أخلاقيّة.انحنى مرّة واحدة عندما انحنى له مسؤول صينيّ وهو يسلّمه ديبلوما .تجرّدَ من جميع (...)
«لا نلتقي إلّا وداعا». هكذا لخّص الشّاعر محمود درويش ثنائيّة اللّقاء/ الوداع. وفي المثل الشّعبي يُقال بما معناه: فراق الموت أهون على المرء من فراق الحياة، هذه الّتي تدفعنا، إمّا مصادفة أو قصدا وترتيبا إلى إقامة علاقات مع أشخاص. وينتهي اللّقاء دائما (...)
تُختصر الحياة في معنى مّا. قد يكون لدى البعض معقودا على الوطن على النّحو الّذي يشير إليه الشّاعر ‹بدر شاكر السيّاب›: «إنّي لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون/ أيخون إنسان بلاده؟/ إن خان معنى أن يكون/ فكيف يمكن أن يكون؟». البعض الآخر قد يجد المعنى في (...)
«بعض النّاس خطايا فادحة يا عبد اللّه!»، أستعير من الشّاعر العراقيّ مظفّر النّوّاب هذا السّطر الّذي جاء في قصيدته ‹عبد اللّه الإرهابيّ› لأقول: «إنّ الكثير من النّاس خطايا». فوجودهم الكميّ في المجتمع لا يقدّم ولا يؤخّر في شيء، إذ لا قيمة مضافة لهم حسب (...)
حين فرغ خزّان رشّاشه وقف فوق الخراب العميم، وصفّق بيدين داميتين. أشعل سيجارة ثمّ تقيّأ عشرين قطرا عربيّا ونيفا. وحين اخترقت رصاصة العدوّ صدره ورأسه تهاوى وفي فمه غزّة. انتهت الحرب الّتي لا تنتهي. القطط في الشّوارع والكلاب السّائبة تنهش جثث القتلى. (...)
يولدُ المرء حرّا: عاريا من أيّ قناع، وخاليا من أيّ معنى. وعلى حدّ صحيح البخاري فإنّ الحديث يقول: «ما من مولود إلّا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه، كمَثَلِ البهيمة تُنتَج البهيمة بهيمةً جمعاءَ هل تحسّون فيها من جدْعاءَ» (...)
التقيتهُ منذ أسبوع. تغيّر شكلا وربّما جوهرا وتغيّرتُ مثله. غمرتني فرحة وانثالت ذكريات بعيدة تعود إلى النّصف الأوّل من ثمانينات القرن الماضي. أعني زميل دراستي الدّكتور سمير حمدي الأستاذ الجامعيّ والخبير الدّوليّ في الموارد البشريّة. تذكّرتُ أيّام (...)
للحلم مساحات في السّرد. فلا تكاد تخلو رواية من أحلام توازي الوقائع السّرديّة. أمّا عن كتابة الحلم وعرضه للعموم كسرديّة نوويّة فقلّما نجد له مكانة. أنا كائن حالم أو حلّام، وبعض أحلامي الّتي تتكرّر غريبة وعجيبة. منها هذا الحلم الّذي يأتيني أحيانا في (...)
بين العمارة والنّصّ أيّا كان أدبيّا أو فنيّا أو علميّا أو فكريّا علاقة عضويّة متينة. فالعمارة هي تصميم وإنشاء وتشييد، ورؤية لترتيب الفضاء والمجتمع. أمّا النّصّ اللّغويّ فقد يكون محكما وفقا لمنهجيّة وانتظام للأفكار، وقد يكون متشظّيا مفكّكا وهجينا. (...)
تعتبر الجمعيّات عامّة مكوّنا أساسيّا من مكوّنات المجتمع المدنيّ. وهي علامة على نهضته وتعافيه باعتبارها تشارك في إدارة الشّأن العامّ في مختلف مجالاته. ومنذ الثّورة التّونسيّة تنامى عدد الجمعيّات بشكل ملحوظ، وساهم الكثير منها في تقديم خدمات جليلة (...)
حين يتعلّق الأمر بكتابة الجسد شعرا لا بدّ من الإشارة إلى أن لا حقيقة سوى هذا الجسد الكامل الشّامل الّذي يشكّل الكائن البشريّ. إذ لا وجود لإنسان خارج هذا الإطار. والجسد يشتمل على كلّ شيء من مشاعر ورغبات وغرائز وفكر وخيال. أمّا الجسد شعرا فقد كان على (...)
حين يصبح المرء واحدا أحدا ووحيدا بوسعه أن يستجير بمن حوله ويصرخ:» أيّها النّاس أعينوني عليّ». في حياتي مررتُ بحالتيْ اكتئاب حادّتين. والآن أوشك على الانهيار العصبيّ: الفراغ يلتهمني في هذا الجحيم الأرضيّ الّذي انزاحت فيه المفاهيم والمعاني عن أصولها (...)
من حقّ أيّ إنسان أن يتعاطف مع حركة المقاومة الّتي خاضت وما تزال تخوض حروبا لأجل التّحرّر الوطنيّ واستعادة الأرض المغتصبة. ومن حقّ أيّ إنسان أن ينتقد ما جاء به طوفان الأقصى من نتائج. في كلّ الحروب ثمّة مساران: سياسيّ وعسكريّ. السّياسيّ هو الّذي (...)
في ما مضى كانت العلاقات الإنسانيّة أكثر توهّجا وحميميّة وصدقا. لم تكن ثمّة مسافات. كان النّاس يتقاسمون الحياة بمُرّها وحلوها، وأحيانا تحت سقف واحد. لعلّ، قائلا يقول إنّ المجتمعات كانت متشكّلة من عائلات موسّعة ومن عشائر وقبائل. فكان التّضامن طبيعيّا (...)
هاجر صديقي المُبضْحِكُ إلى بلد عربيّ وبقيت وحدي. كان لسان حاله يردّد دوما: «أنج من بلد لم تعد فيه روح... جاء طوفان نوح». وبعده جاء طوفان الأقصى. ليس أعسر على المرء من أن يعيش في عزلة. لكنّ مثلي رجل متطفّل على الآخرين. في ركن مّا من منتزه وجدته (...)
جاء في الأنباء أنّ مربّيا تونسيّا قد انتحر بسبب تنمّر تلاميذه. وأثارت الحادثة ردود فعل وصلت إلى حدّ احتجاج الأساتذة. وكتب الكثيرون في مواقع التّواصل الاجتماعيّ تدوينات تدين التّنمّر، وتتعاطف مع المربّي الّذي لم يجد سبيلا لمعالجة الآثار النّفسيّة (...)
لا يمكن خوض حرب أيّ حرب من دون حبّ. والحبّ هنا ليس تلك العلاقة العاطفيّة بين رجل وامرأة، كما قد يتبادر في أذهان البعض، وإن كان هو أيضا جزءا من الحبّ والحرب في سبيل البقاء والمحافظة على النّسل ومقاومة علّات الحياة وهَناتِها. في حروب التّحرّر الوطنيّ (...)
بحثتُ عنه فوجدته في زاوية من المتنزّه الّذي نرتاده كلّ يوم. فإذا صديقي المُبضْحكُ (الجامع بين الضّحك والبكاء) ينقر بأصابعه على الطّاولة مردّدا:» أخاصمك آه، أسيبك لا...». سلّمت عليه قائلا: «عجبا! أراك مولعا بأغنية ‹نانسي عجرم›، فما الّذي جرى وأنت (...)
غالبا ما نعثر على أدب في الرّحلة والهجرة والحرب من قبيل المذكّرات واليوميّات والسّيرة الرّوائيّة وغير ذلك. أمّا الكتابة عن ذلك شعرا فهو نادر. مع الحروب الجديدة في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان والسّودان وليبيا وغيرهم نشأت حساسيّة شعريّة جديدة يمكن أن (...)
تعرّضت الطّائفة الإيزيديّة في العراق على مدى التّاريخ إلى أربع وسبعين إبادة جماعيّة آخرها كانت على يد تنظيم داعش الإرهابيّ. لكنّ هذا الشّعب ظلّ مقاوما وصامدا، فلم يستسلم رغم ما تعرّض له من تقتيل وتنكيل وسبي وتشريد، وبيع للفتيات والنّساء في سوق (...)
حدّثني عنكَ، قلتُ لصاحبي المُبضْحكُ الّذي يلازمني كظلّي: قال: ألا تعرفني بعد؟ رددتُ عليه: أنا سارد مولع بالتّفاصيل، فأفصح أرجوك! تلمّظ ريقه في مرح وقال: «وجود الإنسان لا بدّ أن يكون له معنى. أعني صناعة المحتوى كما هو الحال في لغة الرّقميين. لو طلبت (...)