̈من منا لم يقف يوما على قمة حياته ناظرا بعمق لسفحها؟ من منا لم يشعر يوما بأن بعض أمانيه قد هجرته و خذلته بعض أيامه؟ من منا لم تلو بعض اللحظات المؤلمة ذراعه ويشعر بوخزها على جلده؟ هي الأحلام والأماني التي تشكل الجزء الأكبر من طبيعتنا البشرية و تحقيقها هو هدفنا السامي الذي نسعى جاهدين لبلوغه بمعية الله تعالى، هي ما نسمح لها بزعزعة سكينة أرواحنا و محاصرة عقولنا إذا ما أخفقنا أحيانا بتحقيقها. قد تمر علينا جميعا لحظة نتساءل: هل حقا كانت تلك الأمنية التي حلمت بتحقيقها في الماضي تستحق كل هذه المعاناة والألم؟ لحظتها سندرك أن معظم ما سعينا وراءه في ذلك الحين لم يكن إلا مضيعة للجهد والوقت والمال والعاطفة و هناك ما سنقهقه عليه عاليا عندما ندرك سذاجة مضمونه أصلا و نستغرب سبب انهمار دموعنا ألما عندما أخفقنا بتحقيقه. لكن، حقيقة الوضع أننا في وقت السعي خلفها كانت تشكل الجزء الأكبر من تكوين ذواتنا و كينونتنا. إلا أنه عندما ينضج فكرنا، و تتسع مداركنا من تعدد تجاربنا ، سنكون قد فقهنا أن النفس البشرية دوما تعيش الخيال أجمل من الواقع وأن السعي الحقيقي لتحقيق طموحها يظل النبض الحقيقي للإحساس ببهجة البقاء وحلاوة العيش و بتعدد التجارب في الحياة سنتعلم أن الإنسان لا يمكن أن يتجرع الحياة في رشفة واحده وإلا اختنق وفقد القدرة على التنفس ، بل لا بد أن يجني مكتسباته منها رويدا رويدا ليشعر بحلاوة تعبه و شقاءه في مسعاه ، و سينضج فكره لدرجة أن لم يعد كسابق عهده مبعثرا لأحلامه و جهوده ، بل سيرمي بعضها بملء إرادته لقناعته بأنه مضيعة للوقت و سيوقن بأن تركيزه على تلك الطموحات المحددة التي يعرف أبعادها والتي ستعطي معاني جميله لوجوده في الحياة هي ما تستحق السعي لنيلها وتحقيقها. هناك أذكياء من البشر يزيحون الغطاء عن معادن أحلامهم بمهارة فائقة ، ويدوسون على بعضها بأقدامهم حين يرون أنها ستعيق نجاحاتهم ، وهناك من تضحك عليهم الحياة لتجذبهم في نهاية الأمر فيدورون في فلكها دون أن ينجزوا شيئا. أقول لكل الحالمين: أن أحلام المرء قد لا تكون جميعها قابله للتحقق على أرض الواقع ، ولكن لا بد أن نؤمن بها ونكافح مخلصين لتحقيقها ، وأن شجرة الطموحات اليانعة لا بد لها من رعاية وجهد لنجني ثمرها ونتلذذ بطعمه . أخيرا ، فكم من أمور تمنيناها وأبكانا عجزنا عن تحقيقها فيفاجئنا القدر بتقديمها من حيث لا ندري ، لأن الخالق كتبها لنا في سجل أقدارنا بوقت معلوم و بكيف معلوم ولسبب هو سبحانه فقط من يدركه. أ.لطيفة الفودري محاضر مدرب تنمية بشرية وتطوير الذات