فاطمة الزهراء بنيس شاعرة من المغرب العربي جمعت في تجربتها التي امتدت على أكثر من تسع مجموعات ما بين القصيدة النثرية والتفعيلة، وأصبحت شاعرة مقروءة في الدول الأوروبية بعد أن ترجمت بعض مجموعاتها الشعرية إلى الإنكليزية والاسبانية. تكتب هذه الشاعرة بتقنيات متعددة ومواضيعها الشعرية منتقاة من حياتها اليومية المعاشة ومن تجربتها البصرية والصوتية وذاكرتها الغامضة الواسعة التي تفتح طاقات شعرية غير محدودة وتتقاسم مع المخيلة والذات اقتراحات متباينة في الاشتغال على الإيقاعات والموسيقا الداخلية وتوسيع تلك البقعة بين اللفظ والمعنى. ولعل مجموعتها الأخيرة «طيف نبي» تظهر ذلك التناغم بين المدلولات والإيقاعات وتعطي فسحة للأنا الغائبة الحاضرة, الأنا الأنثوية المتوترة الهائمة على وجهها، لتكون أكثر امتثالاً لفرض جبروتها وطغيانها, إلا أن التجربة هنا تأخذ تسمية أخرى بالنسبة إلى العوالم الشعرية والأدوات الفنية المواكبة لها, إذ تغدو الأفكار أكثر تعقيداً وارتباكاً وتجسيداً للغموض الصارم والصادم معاً, والكلمات هنا أصوات تئن من وطأة الاستعارات وضراوة التضادات وسخط الأنا المستمر على مدى 65 صفحة، دون أن تترك فسحة أو رئة ليلتقط القارئ أنفاسه ويعيد المشهد إلى صفائه وبكارته : «بوسعي أن أصوغ اشتهائي إيحاءاتٍ هاذيةً وأفترض الرّي من أحشائي كما لو كنتُ سأكتفي بمُغازلة الأطياف» قد لا نرى أنثى حقيقية في نص «طيف نبي» بقدر ما نرى توصيفات تدل على وجود أنثى تسرد لنا حضورها ومشاغلها ومشاغباتها العاطفية التي تظهر وتختفي تحت مسميات وعبارات مختنقة برائحة الجسد وعطر الشهوة التي تظل تعبق على تلك النصوص القصيرة الصعبة والمحكمة لغوياً وتقنياً, إنها تحكي لنا عن نفسها كأننا أمام تاريخ امرأة لم يكن لها تاريخ أو زمن أو سنوات, امرأة ليس لها علاقة بالتذكر مثلاً : «إنّي أندثر بخفق سرمديّ تُشَعْشِعُهُ أنخابُ العمى في ملكوت الوجد » يمضي التاريخ دون سياقات زمنية إذاً لمجابهة المستقبل واستعادة الحاضر منه, تستكشف ملامح أخرى لمعنى الذات ومعنى الأشياء والحياة: « بنخوة الأنثى أغامز طيور الغسق في عراء الذات يلبسُني ريشُها المنفوش» هكذا تبدو نصوص «طيف نبي» مرايا محيّرة في لغتها العالية الباذخة والقلقة في بلاغتها التي فرضت علاقات جديدة بين الرموز والمعاني وجعلت حركة الجمل الشعرية تتسع وتتجول لتخترق جدار المجازات والانزياحات وتصب أخيراً في بركة من العبث اللغوي الغرائبي «من لهَبي, اندلقت, حروف ماطرة» أو «ها أنا, غيرُ أنايَ, أيُّ سوايَ, صرتُهُ؟» «لن أطفوَ, إنّ اللآلئ تصدأ, إذا جفاها الغوصُ». في «طيف نبي» حاولت فاطمة أن تلمس جوهر الشعر لا شكليته, أرادت أن تغوص في مفاصل النص الحديث وتنّوع فيه بمخيلة قادرة على إقناع القارئ البسيط وجعله قريباً من مجازاتها ورفيقاً في مكابداتها الروحية. فاطمة الزهراء بنيس من مواليد مدينة تطوان. عام 1973 صدر لها في الشعر«لوعة الهروب» 2004 «بين ذراعيْ» 2008. «طيف نبي» فاطمة الزهراء بنيس نصوص شعرية (دار الغاوون) 2011