في مقابلة نشرتها صحيفة "الحرية" التركية مطلع هذا الأسبوع مع الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور كمال الدين إحسان أوغلو قال خلالها إن التحول نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سوف يستغرق وقتا طويلا، والطريق سيكون شاقا ومؤلما، وقال لا يحب تسمية الانتفاضات الآلية بالربيع العربي لأن الربيع يرتبط بموسم واحد فقط، بينما التحولات الحالية ستشهد فصولا من الصيف والشتاء، وقال إنه ومنذ ديسمبر 2010 فإن هناك الكثير من الأشياء التي تعلمناها، لا سيما بعد ما حدث في تونس ومصر، وما تبعها من بلدان أخرى وما نفهمه بأن نسق الأحداث ليس متشابها بين هذا البلد أو ذاك، مشيرا الى أن البلدان ذات النظم الملكية تعاملت مع الأحداث بصورة مختلفة عن تلك البلدان ذات النظم الجمهورية، وأن الظروف التي نضجت في بلاد ما لم تنضج في بلد آخر. تأملات أوغلو مهمة لأنه يرأس منظمة المؤتمر الإسلامي، وهو أحد أهم المثقفين في المنطقة، وهذه التأملات قد تكون على خلاف الطموح الشبابي الذي يجتاح المنطقة نحو التغيير، ولكنه تضمن إشارة الى ان هذه المنطقة ستكون مختلفة جدا في المستقبل، اذ انه من المستحيل العيش خارج سياق التاريخ، وكرر أن التحولات سوف تستغرق وقتا طويلا، وسوف تكون مؤلمة، معتبرا ان ما حدث في أوروبا الشرقية والبلقان وآسيا الوسطى وجنوب آسيا التي انتقلت الى الديمقراطية تؤكد أن الموجة الآن حلت على الشرق الأوسط، وقال إن هناك ستة بلدان إفريقية، من بينها السنغال والنيجر، كانت ديكتاتورية وهي تنتقل حاليا الى بيئة ديمقراطية. وفي إشارته إلى تونس قال إن الانتقال للديمقراطية أصبح أسهل بعد إزالة الخوف لأن الطبقة المتوسطة تمثل الشريحة الأكبر، وهو مجتمع متعلم وثقافته عالية ومجتمعه متجانس، إنما في بلدان أخرى فهناك تعقيدات أخرى تتعلق بالإثنيات والفروقات الدينية والتنوع الديمغرافي، ما يعني أن الطريق نحو الديمقراطية سيتطلب عدة فصول تتعدى فصل "الربيع العربي" مصطلح "الربيع العربي" يحتاج إلى إعادة تعريف، لأنه انتشر في أوساطنا ولكنها اسم على غير مسمى، فالربيع انقلب صيفا ساخنا، وسيتحول إلى خريف وشتاء قبل ان يعود ربيعا في كثير من بلدان المنطقة، ثم إن الانتفاضات الديمقراطية بدأت في لبنان العام 2005 ثم إيران في 2006 ثم في تونس في 2010 ومصر في 2011، وتسمية الربيع بالعربي يغفل الحركة الديمقراطية في البلدن غير العربية، كما أنه قد يقلل من تأييد الدول الأخرى غير العربية والتي هي ليست بعيدة عن منطقتنا. ما يحدث في مصر من تموجات، وما حدث في المغرب عندما طرحت تعديلات دستورية، يوضح الكثير من التعقيدات التي بدأ يستوعبها الشباب العربي، كما ان "حلم النظام" في مصر أو المغرب أو أي بلد آخر يوضع تحت الاختبار، اذ شاهدنا خروج المظاهرات في العاصمة المغربية احتجاجا على الدستور الجديد الذي اقترحه الملك محمد السادس، وعبر الكثير من أبناء الشعب المصري عن قلقهم من بطء التقدم نحو البيئة الديمقراطية المأمولة. الشباب العربي دخل في تجارب غنية في الانتقال نحو الديمقراطية، كما أن هناك بلدانا غير عربية وهي تشبه في ظروفها الكثير من بلدان المنطقة، مثل جزر المالديف التي انتقلت إلى نظام تعددي من خلال دستور جديد وانتخابات متعددة الأحزاب في 2008، وسكان هذه الجزر (1200 جزيرة بالقرب من سريلانكا) جميعها مسلمة، وثقافتها تشبه ثقافة البلدان العربية كثيرا، وقد اعتبرت انتخاباتها تجربة ناجحة ذات مصداقية وحرة ونزيهة وهي الآن تسعى لتوطيد الديمقراطية من خلال إقامة المؤسسات الديمقراطية وإصدار التشريعات اللازمة لتنفيذ مواد الدستور التي تؤكد الديمقراطية، من خلال مشاركة جميع الأطراف في تطبيق الدستور وتوسيع نطاق التشريعات القائمة لجعلها تعكس تحديات البيئة الديمقراطية. وأذكر هنا جزر المالديف، لأن تراثها مشترك مع العرب ويعتبر أهالي هذه الجزر الشيخ حافظ بن بركات البربري المغربي رمزهم التاريخي، وهو الذي أدخلهم في الإسلام عام 1153 م، وبحسب المعلومات المتوفرة عن هذه الجزر فإن ابن بطوطة عمل فيها قاضياً عام 1343 م، وهي سبقت الربيع العربي في نجاحها في الانتقال نحو الديمقراطية، ولكن بعد مروره بطريق شاق جدا، وهو الطريق الذي يجب أن نواصل السير فيه. صحيفة الراية القطرية الثلاثاء 18/07/2011