أبو مازن تعلقُ الطبل بالسياسة يا سادة يا مادة متجذر في واقعنا لا يكاد يغيب عن أي تظاهرة أو اجتماع منذ عهود. فالطبل و الزكرة أصدق أنباء من الخطب السجعية و النقاشات الطويلة، فيقتنع الجميع بسرعة و تشتغل الأرداف وتتمايل حتى التخميرة. هنالك يتم الحفل ويعود المدعوّن فرحين مسرورين يقصون على من لاقاهم ‘‘الجو‘‘ الرائق الذي حضروه. قصتنا قد تكون ابتدأت منذ أيام فرحة شعب أين تزين المنصات بالأعلام ثم يصعد صاحب الحنك لينفخ في مزماره بينما ينهال الطبال بعصاه على جلد كتب له المشقة كامل عمره. لم تنقطع تلك العادة لما استلم المخلوع الحكم بل رصفت الفرق على طول الطريق (طبل و بندير و زكرة، و ماجورات) تعزف أحلى الألحان كلما مر المحتفى به أمامها. كانت الطبلة تطلق وعود التخطيط والتنمية والخير العميم فيهنأ الشعب الكريم و يزهو لساعات. ما بالطبع لا يتغير، عادة كهذه يطلب أهل الثورة أن تنقرض و تختفي كليا من اجتماعات الأحزاب. لنفترض أنها غابت عن ملتقياتهم فماذا تراهم قائلون؟ كيف سيقنعون أنصارهم بالبرنامج المبهم المغيّب الذي قدموه أيام الحملة الانتخابية. ما الذي سيميزهم عن غيرهم من الأحزاب؟ ستقولون حادث مرور مريع وشهداء سقطوا ذودا على الوطن، أي نعم ولكن الادمان على الطبل يعبث بالعقول فينسيها واقعا مريرا تنحدر له البلاد و آلاما لم تكد تختفي حتى يظهر غيرها. قد يتبرأ الحزب الحاكم اليوم من الطبل و الزكرة وما عزف من فلكلور، قد يتبرأ أيضا من الراقصين والراقصات الذين ‘‘نغصوا‘‘ الحفل الحزين، ولكن ما حدث يعبّر بصراحة عن فكر متحجر لا يرى خيرا في غير طريقته التي أتقنها منذ الستينات والحال أنها قادت بلدنا الى مستوى مترد فقامت الانتفاضات و الثورات حتى سقط هذا الموديل البائس. وهاهو يعود بوعوده المبهمة و زكرته وطبله و كفاءته التي لم نلمس دليلا واحدا يبرهن عن وجودها، هاهو يتعتع كلمات الديمقراطية والحكم الرشيد و الاصلاحات والحال أنه لا يفارق طبلته ومزماره، يستعملها كلما دعت الحاجة فهي آلته العجيبة الجامعة للأنصار وهي أداته العجيبة المقنعة أيام الانتخاب. دام الحزب الحاكم ذخرا للطبل و الزكرة محافظا على أصالتنا و فلكلورنا وان نسي شهداءنا و قتلانا.