محسن العكروت محقق جودة أستاذ بالمدرسة الوطنيّة للمهندسين بصفاقس سبق وأن نشرت مقالا بتاريخ 07 جوان 2012* حول المطالبة بزيادة 10 مليمات في سعر الباقات حتى يصبح ثمنها القانوني 200 مليم عوضا عن ثمنها الافتراضي 190 مليم فيطابق بذلك الثمن المعمول به في الحياة اليومية في 99 % من الحالات ، إذ نادرا ما تجد بائعاً نزيهاً يرجع للحريف 10 مليمات عن كل باقات يقتنيها. وقد قرأت مقالات أخرى في نفس السياق تنادي بنفس الطلب ليتسنى للدولة من تقليص مبلغ الدعم المخصص لهذه البضاعة وبذلك تعود العشرة مليمات إلى خزينة الدولة عوضا عن جيوب الباعة وأصحاب المخابز ، ولكن لا حياة لمن تنادي ! وما جعلني أعود للتطرق إلى هذا الموضوع هو المعلومة التي بلغتني هذا الأسبوع عبر برنامج تلفزي والتي تقول أن التونسي يستهلك أكثر من مليار باقات في السنة ! وبعملية حسابية بسيطة ، نقف في ذهول لنعلم أن خسارة الدولة تتجاوز العشرة ملايين من الدينارات في السنة الواحدة : 10 مليارات من المليمات تذهب سدى كل سنة لعدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرار بسيط لن يؤثر على المواطن بما أنه في كل الحالات يبقى يدفع نفس المبلغ 200 مليم إما عن رضاء تام أو مكرها أخاك لا بطل ! تخيلوا معي ماذا يمكن أن نصنع بهذا المبلغ في كل سنة ؟ يمكننا بناء مستشفى أو دار مسنين أو مأوى للأيتام أو معهد أو مدارس أو تعبيد عدة طرقات أو إيواء بعض العائلات المعوزة أو توفير العديد من مواطن الشغل... في الحقيقة، المبلغ رغم ضخامته يبقى مبلغا هينا مقارنة بميزانية الدولة وحجم تعاملاتها ولكنه نواة تسند الزير كما يقال خاصة وأن العملية لن تكلف الدولة شيئا. وبقطع النظر عن سياسة الدعم المتبعة من طرف الدولة ومدى جدواها فيبقى سعر الخبز في بلادنا من أرخص الأثمان في العالم ولم يعد يتماشى مع غلاء المعيشة الذي شهدناه بعد الثورة، وهذا لعمري خيار استراتيجي مشكوك في صحته وتحوم حوله العديد من الشبهات والتساؤلات ! وخير دليل على ذلك التبذير المفرط في مادتي الخبز والعجين الذي نلاحظه كل يوم، فيكفي إلقاء نظرة بسيطة في حاويات الفضلات لنكتشف مدى فظاعة الأمر، فكميات الخبز الملقاة في الأكياس المتراكمة لا تحصى و لا تعد ! والشاحنات المحملة بأكياس الخبز اليابس يعجز المرء عن تعدادها وتمر أمام أعيننا كل يوم متجهة نحو مربيي الماشية لتكون علفا لدوابهم و أغنامهم ! لم لا ؟ فهذا الحل بالنسبة لهم أرخص بكثير من إقتناء العلف المركب أو رعي الأغنام ! ونظرا لاستفحال الأمر، فاني أطالب سلطة الإشراف مرة أخرى إيلاء هذا الموضوع ما يستحقه من الأهمية واتخاذ القرارات اللازمة حتى يتوقف هذا النزيف الذي ينخر صندوق الدعم ببلادنا، ولم لا مراجعة أثمان العديد من المواد المسعرة والمدعمة والأخذ بعين الإعتبار انقراض القطع النقدية الصغيرة من فئة 5 و 10 و 20 مي، إذ لا فائدة في تحديد سعر مادة معينة وعدم توفر الصرف الملائم لتفعيل هذا السعر ! * مقال بعنوان "رجاء ... إرفعوا سعر الباقات إلى 200 مليم" مجلة شمس الجنوب بتاريخ 07 جوان 2012، السنة 33، العدد 23، الصفحة 28 Publié le: 2016-02-14 20:53:54