، لأنني لا أرغب في وجود شخص يلتقط مكالماتي الهاتفية، أو ينظم حركة المرور من وإلى مكتبي بإخضاع زواري لتحريات بوليسية، قالت عني إنني "وش بهدلة"، أي إن المنصب كبير وكثير عليّ، ولا استأهله، وإنها حاولت تعليمي أصول التعامل مع البشر وفشلت لأنني "فشّلتها"، وبالفعل لم تكن وظيفتي على قدر كبير من الأهمية تبرر وجود سكرتارية بالتذكير أو التأنيث،.. والشاهد هو أن المناصب تُسكر البعض وتجعلهم يتوهمون أنهم سيخرقون الأرض ويبلغون الجبال طولا، وقد أخذ الكثير من شبابنا عن "المتعنطزين" المتغطرسين من شاغلي الوظائف العامة أسوة سيئة، فباتوا يحتقرون العمل اليدوي أو أي عمل لا يكفل لهم مكاتب مريحة بها أكثر من جهاز هاتف، وقد مرت بي حالات كثيرة عند مقابلة طالبي الوظائف يكون فيها أول ما يسأل عنه طالب الوظيفة: وين مكتبي؟ ولو افترضنا أن الوظيفة تتيح لشاغلها مكتبا خاصا فإن صاحبنا قد يرفض المكتب بحجة أنه صغير أو لأن أثاثه "مش ولابد"! ذلك أنهم دخلوا مكاتب أخرى ورأوا فيها أطقم جلوس قيمتها "الشيء الفلاني"، وبعيدا عنها طاولة سُفرة (طعام) تسمى زورا وبهتانا "كونفرنس تيبل" أي طاولة مؤتمرات واجتماعات، وعلى مستوى الأحياء السكنية والحياة العامة صارت الغطرسة الاجتماعية والنفخة الكاذبة هي سيدة الموقف، فبتنا نتبارى في اقتناء السيارات الفاخرة، وقد تجد شخصا يقود لكزس آخر موديل ولا يتبقى له بعد ذلك من راتبه حتى "حق" سندويتش فول أو شاورما لأكثر من أسبوع، أما عن الأثاث فخليها على الله! فإذا كان الموسرون قادرين على تجديد أثاث بيوتهم في كل مناسبة ودون مناسبة، فلماذا يحاول المعاقون ماليا مجاراتهم؟ فهناك نساء يطالبن بتغيير أثاث البيت مع كل مولود جديد، بحيث يخيل إليك أن منهن من تتعمد كثرة الإنجاب فقط كذريعة لتجديد أثاث البيت! ورأيت في متجر قميص نوم "ستاتي" كان سعره نحو 1400 دولار "بوشي"، طبعا هناك من سيضحك من هذا المتخلف الذي لا يعرف أن هناك قمصان نوم بعشرة أضعاف هذا الثمن، ولكن هذا المتخلف يتساءل: هل يقوم هذا القميص بعمل مساج أي تدليك لمن ترتديه ويساعدها على النوم؟ هل يلتقط قنوات تلفزيونية مشفرة؟ لماذا قميص نوم حتى بمائة دولار طالما أن هناك قميصا يشبهه بدرجة أو بأخرى يباع بعشرة دولارات أو أقل يؤدي الوظيفة نفسها؟ هل يسبب قميص النوم الرخيص أو المعقول الثمن الأرق أم يتسبب في تطفيش الزوج؟ هل كل ذلك لأنه لم يبق لنا ما نتفاخر به سوى العرض الزائل وبعض القبور التي أشبعناها نبشا بعد أن نبهنا إليها المستشرقون؟