بقلم: شكري بن عيسى (*) بداية اسبوع طوال يوم الاثنين وعلى امتداد كل وسائل الاعلام تقريبا، اكتساح كامل لهياكل الاطباء المهنية والادارية، لتحويل وجهة تصريحات اب المولود الصادمة في قضية "مستشفى فرحات حشاد"، وتصفيتها بصفة نهائية تقريبا، مع دعوات على الفضاء موجهة لوزير العدل وضغوط رهيبة لاخلاء سبيل الطبيبة المحتفظ بها، ثم في نفس البرامج يعلن عن خبر الافراج الفوري، والاعلان عن تقرير صادر عن لجنة طبية يخلي مسؤولية الطبيبة من كل مسؤولية طبية، واستعراضات و"محاضرات" طبية طويلة لرفع المسؤولية المهنية والادارية والجزائية عن الهيكل الطبي في عمومه، مع اعلان عن اضرابات وتصعيد حاد من النقابات الممثلة للاطباء. وبعد نهاية الاسبوع المنقضي الذي وقف فيها الشعب مذهولا، على خلفية قضية المولود الذي تم اعلام والده بوفاته وتسليمه شهادة من مستشفى فرحات حشاد في الصدد، واستخراجه لشهادة وفاة رسمية قبل ان يتوجه لتسلم الجثمان، فيجد مولوده يحدث حركات وصدر عنه انين متقطع (زوى)، حسب تأكيداته لقناة "نسمة" وكذلك اذاعة "كنوز"، في تصريحات متطابقة في المحطتين صادرة عن الاب واخوه، بعد ذلك خرجت الاغلبية الساحقة لوسائل الاعلام وفي مقدمتها برنامج 7/24 على قناة "الحوار التونسي" لتنسف كل رواية الاب، في "بلاطوات"احادية الجانب لم تحضرها سوى وزارة الصحة والاطباء، اقصت اب المولود ومحاميه والمحكمة الابتدائية بسوسة 1. والتوجه الاحادي لهذه "البلاطوات" غير المتعددة وغير المتوازنة الذي افضى لتشويه رواية اب المولود، جاء على خلفية تجمع حاشد يوم الاحد للاطباء في القطاع الخاص وتلويحات بالاضرابات والتصعيد، في انكار كامل لوقائع مسجلة، وفرض مطلب اطلاق سراح الطبيبة في سوسة وطبيب قابس، وكادت هذه الرواية "الكاسحة" تترسّخ وتصبح المهيمنة لولا ظهور الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بسوسة 1 اليوم الثلاثاء ، ليدحض اغلب الاقوال الصادرة عن الهياكل الطبية، ويقدم وقائع ملموسة ثابتة في ملف القضية، كادت تُطمس لولا طلبه في نطاق "حق الرد" التدخل وتوضيح الوضعية على قناة "نسمة" وفي اذاعة "جوهرة". القصف فعلا كان عالي الحدة، والحقيقة غلب عليها الشكوك وشابها الغموض، وتكرار نفس الرواية واعادة وترديد نفس "المعزوفة" جعل الوقائع تحت لف الضبابية والالتباس، ولكن خروج ممثل محكمة سوسة الابتدائية الاولى بطريقة دقيقة حاسمة وضّح التفاصيل، وبدد الشكوك ورفع اللبس واعاد الامور الى نصابها، ولكنه عمّق الصدمة حول شبهات صارخة مدعمة بوثائق مادية بوجود تدليس لوثائق رسمية وتاكيد لشهادة موثقة من طبيبة مقيمة بنفس مستشفى فرحات حشاد كشفت عن المولود تشهد بأن المولود كان على قيد الحياة بعد شهادة الوفاة. الصدمة بالفعل كبيرة لان المتحدث باسم محكمة سوسة خلافا لتصريحات وزارة الصحة وممثلي هياكل الاطباء أكد "وجود خطأ في التشخيص الاولي من قبل الطبيبة الفاحصة" بمستشفى فرحات حشاد وذلك وفق شهادة مستقاة من رئيس قسم طب الرضع بالمستشفى، الذي اكد ايضا "حصول تغيير في التقرير الطبي حيث تم شطب عبارة ولد ميتا" التي دونتها الطبيبة الفاحصة كما تم وضع "عبارة ولد حيا وتغيير على مستوى دقات القلب من صفر الى واحد"، كما اشار الناطق باسم المحكمة الى ان تقرير الطب الشرعي "اكد ان المولود تنفس وعاش لوقت قصير بعد الولادة"، موضحا ان المولود تم "الاحتفاظ به في علبة كرتونية بقسم التوليد يوم 4 فيفري". طبعا لن نتهم طبيبة سوسة ولا طبيب قابس، ونعتبرهم يتمتعون بقرينة البراءة حتى تثبت ادانة نهائية باتة في محاكمة برغم الادلة الدامغة والحقائق الثابتة المعروضة، ولا يمكن بحال اعتبار وجود تعمّد لقتل المولود في سوسة او مريض قابس، ولكن وجود الخطأ الطبي في قضية الحال صار واضح الاركان، والخطأ الطبي (المباشر وغير المباشر) مثبت في تونس ومنتشر حسب الاحصائيات بشكل كبير بالالاف، والوفايات والاضرار مسجلة ومتنوعة، والاخطاء قد تقتصر على مسؤولية ادارية او مهنية ولكنها قد تتعداها الى مسؤولية جزائية تستوجب عقوبة جنائية، خاصة في صورة وجود تقصير جلي او تهاون ثابت او اخلال عميق بالواجبات المهنية. وما يثير الانزعاج هو الهجوم الواسع من الاطباء للتستر وانكار هذه الحقيقة، وعدم الاقرار باي مسؤولية برغم حالات الموت على الولادة بالعشرات المعلنة السنوات الاخيرة، وبرغم فضيحة استعمال اللوالب القلبية المنتهية الصلوحية السنة الماضية والي سبقتها، وبرغم القضايا المدينة لعديد الاطباء، وزيادة ما يثير الفزع هو دخول "صاحب الرسالة النبيلة" على خط الاضراب العشوائي، ووضع صحة الشعب رهينة، واستعمال السلطة والنفوذ المهني والدخول على نعرة "الكوربوراتيزم" المقيتة ونصرة "الزميل"، وفرض مطالب غير مقبولة بالمرة على القضاء، وحتى على الدولة من اجل عدم تحمل الواجب الضريبي بالتساوي مع بقية افراد الشعب. اليوم سمعة الطبيب في الميزان والاستياء الشعبي وفقدان جزء من الثقة في الهيكل الطبي لا يمكن انكارهم، والشيطنة لم تأت من فراغ بالرغم أن المسؤولية ايضا ملقاة على ادارة الصحة في تونس ونقص المعداة واخلالات الحوكمة والرقابة، ولا يمكن بحال مواجهة الواقع المسيء للقطاع بالهروب للامام وانكار الحقائق واللعب على النفوذ و"السكتارية"، وزيادة فقدان الشرعية الاخلاقية بتهديد الشعب ومقايضته في صحته، وضرب استقلالية السلطة القضائية، وفي كل الحالات فحياة الانسان وصحته تظل مسؤولية اخلاقية بين يد الطبيب، والمسألة في عمق الضمير ومن افتقد ضميره فلن تردعه العقوبات في كل الاحوال!! (*) قانوني وناشط حقوقي