إضافة الى درجات الحرارة المرتفعة والروائح الكريهة المنبعثة من المصبات العشوائية للفضلات وكذلك انتشار الذباب والناموس وهذه جميعها تنغّص الحياة وتطرد النوم إضافة الى المنغصات المذكورة، فإن فصل الصيف يتميّز عندنا بانتشار الضجيج في كل مكان. فزيادة على تواجد الورشات الصناعية الكبيرة والصغيرة وعلى اختلاف اختصاصاتها وسط التجمعات السكنية في تعدّ صارخ على القوانين، تنتشر ظاهرة تربية الحيوانات في المناطق الحضرية لتزيد من تردي حالة العيش في معظم الأحياء التي يأبى متساكنوها التخلص من سلوكات همجية دأبوا عليها، ولذلك كلّه يتحوّل الصيف الذي يفترض أنه موسم الراحة، الى موسم الإزعاج والتوترات بسبب الضجيج، فما هي التأثيرات الصحية لذلك؟ أجمعت كل الدراسات على أن الضجيج، هو مصدر صوت قوي، مزعج، يضر بالصحة ولا تقبله أجهزة السمع، وعليه فقد تم تصنيفه في قائمة الملوّثات، وتسمّى هذه الظاهرة في الأوساط المختصة بظاهرة التلوث السمعي، وهي للعلم لا تقل خطورتها عن خطورة تلوث المحيط والهواء مع ما يسبّبانه من أمراض. وسائل النقل في هذا الصدد، تقول دراسة محلية أن وسائل النقل البري تعتبر أكبر مصدر للضجيج في الوسط الحضري، إذ أن مساهمتها في هذا التلوث تقدر بنسبة 80 ففي تونس الكبرى على سبيل المثال يصل معدل الضجيج الصادر عن وسائل النقل 70 ديسبال (معيار لقيس الضجيج) خصوصا في مفترقات الطرق والمحطات النهائية لوسائل النقل العمومي، وكلما تطور عدد الأسطول مع نقص الوعي الجماعي بمخاطر الضجيج إلا وازدادت الظاهرة تفاقما، فقد خلصت ذات الدراسة الى أن هذا النوع من الضجيج الميكانيكي في المدن يرفع من معيار (الديسبال) بنسبة 0.3 كل عام. منظمة الدفاع عن المستهلك باعتبارها طرفا مهما ضمن الفريق المقاوم لظاهرة الضجيج، دعت الى التفعيل الصارم للقوانين، والحرص على مراقبة معدلات الضجيج وفق المعايير المسموح بها سواء بخصوص ما نصت عليه مجلة قانون الطرقات في هذا الباب أو بخصوص ما صدر من ترتيبات بلدية توضح معايير الضجيج حسب المناطق على غرار قانون المجلس البلدي لمدينة تونس على النحو التالي: * منطقة فيها مستشفيات، مناطق للراحة، ومساحات طبيعية: معيار الضجيج بها ليلا 35 ديسبال و45 ديسبال نهارا. * منطقة سكنية شبه حضرية وبها حركة مرور خفيفة: 40 ديسبال ليلا و50 ديسبال نهارا. * منطقة سكنية حضرية: المسموح به ليلا 40 ديسبال ونهارا 55 ديسبال. * منطقة سكنية حضرية أو شبه حضرية مع وجود بعض ورشات ومركز أعمال ونقاط تجارية أو مسالك مرور مختلفة المسموح به ليلا 50 ديسبال ونهارا 60 ديسبال. * منطقة تطغى عليها الأنشطة التجارية أو الصناعية أو الفلاحية: المسموح به ليلا 55 ديسبال ونهارا 65 ديسبال. * منطقة تطغى عليها الصناعات الثقيلة: المسموح به ليلا 60 ديسبال ونهارا 70 ديسبال. انعكاسات ويؤكد المختصون في هذا الصدد أن للضجيج نوعين من التأثيرات، أحدها عابر ويستهدف القلب والشرايين والدورة الدموية والذاكرة والتركيز وقلة النوم والثاني على المدى البعيد ويسبّب الضغط العصبي والنفساني وهذا يؤثر على سلوك الفرد وتصرفاته: (لاحظوا العنف والمشاكل في الأحياء الشعبية الصاخبة)، إضافة الى حالات التعب والوهن. والى هذا فإن الإنسان يمكن أن يصاب بالصمم إذا ما تعرض الى معدل ضجيج في حدود (90 ديسبال) على مدى فترات طويلة. وتبدأ حالة تعب الأذنين عند بلوغ 75 ديسبال وتصل الأمور الى مرحلة الخطر عند بلوغ الضجيج الى 85 ديسبال وببلوغ ال 90 ديسبال فما فوق تحدث آلام بالأذنين مؤداها فقدان السمع نهائيا. ذلك هو الواقع بكل ما فيه من سلبيات... واقع لم تقدر على تغييره القوانين فهل العلة في المواطن أم في السلطات؟والأهم متى نتصدى له؟