- يقيم الهادي الذي لم يتجاوز الست سنوات من العمر، إلى جانب آمنة ، ذات العشر سنوات، في غرفة واحدة بقسم الأطفال بمعهد صالح عزيز، يتقاسمان الفضاء، ويشتركان في الألم والأمل على حد السواء، وهما المصابان، منذ أشهر، بمرض السرطان الذي ألزمهما الفراش وحال دون متابعتهما لدراستهما على غرار بقية الاطفال. يرفض الهادي باكيا العودة إلى مدرسته لمواصلة التعلم بالسنة الاولى ابتدائي بسبب تساقط شعره كاملا جراء العلاج الكيميائي، في حين تنهمر دموع آمنة جراء الالام المبرحة التي تشعر بها وهي التي عادت لتوها من حصة العلاج الكيميائي، وتبكي كذلك حسرة على اضطرارها للغياب، منذ شهور، عن المدرسة بسبب المرض وبسبب بعد المؤسسة التربوية عن بيت والديها. وزير التربية، ناجي جلول، الذي عاد هؤلاء الاطفال، اليوم الاربعاء، بمناسبة اليوم الوطني لصحة الفم والاسنان بالوسط المدرسي، تعهد للطفة آمنة بتوفير مرافق لها ووسيلة نقل تقلها إلى مدرستها فور انتهاء العلاج، ما جعل البسمة ترتسم على محياها وتنسيها ولو إلى حين آلامها. في نفس الوقت يسعى الاطباء المباشرون للطفل الهادي إلى إقناعه بقبول وضعه الصحي، وتجاوز عقبة تساقط شعره والذهاب مجددا إلى المدرسة على غرار بقية أترابه الأصحاء، رغم إصراره على الرفض. وعلى خلاف الهادي وآمنة ظهر كريم، ذو الاثنتي عشرة سنة واثقا من نفسه، بشوشا، وعبر لمن زاره اليوم عن ثقته في الانتهاء من العلاج قريبا، والعودة إلى مقاعد الدراسة لاجتياز مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية، خاصة وأنه يتابع بعض الدروس في قاعة الدرس المخصصة للمرضى بهذا القسم. هذه الدرورس يؤمنها عدد من المعلمين والأساتذة من بينهم عدد من المتطوعين، علما وأن هذا القسم الذي يتوفر على 10 أسرة، يؤمه أسبوعيا نحو 25 طفلا مصابا بالسرطان، لمتابعة حالتهم، والخضوع إلى حصص العلاج الكيميائي، أوغيره من التقنيات العلاجية الأخرى. وغير بعيد عن معهد صالح عزيز لامراض السرطان، يرقد الطفل أيوب بمستشفى البشير حمزة للأطفال بباب سعدون. هذا الطفل الذي لم يتجاوز عمره الاثنتي عشرة سنة تعرض، أواخر شهر جانفي الماضي، في محيط مدرسته في قرية دجبة من ولاية باجة، إلى اعتداء جنسي وبدني من قبل وحش آدمي، ما خلف له أضرارا بليغة نفسية وجسدية. هذا الطفل لم تشفع له لا أخلاقه العالية ولا تميزه العلمي، وهو الحاصل على معدل تجاوز 17 من 20 خلال السداسي الاول، من الوقوع فريسة سهلة في براثن أحد عديمي الاخلاق والمروءة، ما جعله يعاني الامرين، بعيدا عن عائلته وقريته ومدرسته. الفريق الطبي المتابع لحالة الطفل أيوب أبدى قدرا من التفاؤل، إذ أكد أنه بدأ يستعيد عافيته التي فقدها جراء الاعتداء الهمجي الذي تعرض له، كما أن وضعه النفسي بدأ يستقر شيئا فشيئا، بعد أن مر بحالة من الفزع والرعب جراء حجم المعاناة النفسية التي عاناها خلال الأيام الأولى من علاجه. وأفاد المختص والمعالج النفساني، الدكتور محمد الحناشي، أن العمل مع أيوب يتم على أكثر من مستوى ، إذ اشتغل معه على تجاوز الكوابيس التي كان يعانيها، ويستعيد من خلالها أطوار الحادثة التي تعرض لها بتفاصيلها المؤلمة وحيثياتها الدقيقة، كما يعمل معه على ربط صلته مجددا بمحيطه الطبيعي وعلى استعادة الثقة فيه من جديد . الدكتور الحناشي قال إن العمل مع هذا التلميذ سيتواصل على مدى الثلاث سنوات القادمة على الاقل لمساعدته على تجاوز أزمته والتعافي التام من جراحه الداخلية والخارجية، والاندماج بشكل طبيعي في حياته. اج/ بهج