إيلاف: غزت الشارع التونسي في الآونة الأخيرة مفردات غريبة وعجيبة قد تبدو لسامعها للوهلة الأولى. لغة مشفرة وغير مفهومة لا تمت بصلة للغة العربية ولا حتى للعامية التونسية. لغة لن تجد لها تفسيرًا لا في لسان العرب ولا في معجم الوسيط، لكن يكفي أن تنزل للشارع التونسي وتسأل شريحة الشباب والمراهقين عن معانيها ودلالاتها لتدرك مدى درايتهم ومدى جهلك وبأنك غير مواكب لهذا العصر ولهذا الجيل من الناشئة. هي لغة تخاطب حديثة ابتكرها الشباب التونسي للتعبير عن ما يجول بخاطرهم والتواصل مع أصدقائهم والمحيطين بهم بكل حرية . الجيل المتمرد على أصول اللغة العربية ابتكر لنفسه لغة بديلة للتواصل في مابينه وقد عبر أغلب الذين قمنا باستجوابهم عن قصور اللغة العربية من جهة والعامية التونسية من جهة ثانية عن استيعاب المعاني والمدلولات التي يريد الشباب إيصالها لبعضهم البعض في حين وجدوا في لغتهم المستحدثة الحل الأنسب والأسهل والأكثر سرعة في التواصل والتخاطب في مابينهم كما أكدوا من جانب آخر أن لغتهم الشبابية هي شكل من أشكال التمرد على ماهو سائد ومحاولة لإثبات الذات في سعي لتحقيق الاستقلالية بعيدا عن ما تفرضه العائلة والمجتمع من قواعد وآداب تخاطب وجب العمل بها. هؤلاء تمكنوا من خلال لغتهم السرية أن يتحدثوا في كل المواضيع المباحة والممنوعة: الحب والجنس والسياسة والإدمان والزواج والفتيات وغيرها من المواضيع المحرمة والمشروعة في مجتمع عربي له ضوابط أخلاقية وجب احترامها بالتالي كانت هذه اللغة وسيلتهم ومنفذهم للولوج لهذه المواضيع بكل حرية وتداولها ليس فقط في مابينهم بل حتى أمام أولياءهم وأساتذتهم. الاشهار والمسلسلات أما عن كيفية انتشارها فقد أكد لنا أغلبهم أن بعض الألفاظ مستوحاة من التجارب الحياتية والمواقف اليومية المعاشة من خلال مواقف محرجة لهم أو أخطاء لفظية دون قصد لتصبح فيما بعد لغتهم المتداولة كما أن البعض يستمتع بتأليفها ونشرها ويتخذها هواية "فخبزة" مثلا شاب يدرس في أحد المعاهد الثانوية بالعاصمة اشتهر بين زملائه بروحه المرحة وسخريته الدائمة من أصدقاءه وأساتذته وفي كل مرّة يبتكر هذا الشاب مفردة جديدة تنضاف إلى قائمة المعجم الشبابي لتنتشر في سويعات قليلة على كافة أصدقاءه ويتداولونها من الغد أما جانب آخر فتحدث عن مدى تأثير الإعلانات الاشهارية و المسلسلات والأفلام التونسية والأجنبية فمثلا كلمة "أمورك في الشنقر ونقر" تم إضافتها للرصيد المعجمي فقط منذ أشهر وهي تعني "أمورك جيدة وعال العال" وقد تداولها ممثل تونسي في مسلسل عرض خلال شهر رمضان الفارط فأضحت كلمة تداول عند الشباب للتعبير عن الحال. وسائل اتصال حديثة من جانب أخر كان للثورة التقنية في مجال الاتصالات كالهواتف الجوالة والانترانت وغرف التشات والفايس بوك التأثير الكبير في لغة الشباب وسرعة انتشارها و التي صارت بدورها مواكبة للعصر وخاضعة للتّحين من وقت لآخر فمعظمها مفردات مختصرة ورموز وأرقام تستعمل لتسريع عملية التخاطب. وعلى سبيل المثال كلمة"ريزو" أي شبكة الهاتف وقع استخدامها عند الشباب للتعبير عن الحال ف"الريزو طايح" معناها الأمور سيئة و"الريزو طالع" مفادها أن الأمور حسنة للغاية. كذلك مفردة "بالع مسجلة" -آلة تسجيل- تقال للشخص كثير الحديث ومفردة "بورطابل" –هاتف جوال-صارت تقال للشخص النمام الذي ينقل أخبار الناس. وفي مايلي مجموعة من المفردات نرجو أن نكون قد نقلناها بأمانة بعد جمعها من نسبة كبيرة من الشباب والمراهقين مع العلم أن هؤلاء أكدوا لنا أن حوالي 80 بالمائة من مفرداتهم المستحدثة تدور أغلبها في حقل دلالي جنسي بحت وبأن الفتيات انخرطن كذلك في نفس هذا التيار فلا فرق بين لغة الفتيات والذكور جميعها تدور في قطب واحد. لذلك يتعذر علينا نقل أغلبها احتراما لقراء إيلاف. (...................)