بقلم الاستاذ بولبابه سالم الفن هو الهوية مع شيلينغ و الارادة مع شبنهاور و المطلق مع هيغل ، انه معرفة الواقع و العلاقة به ، فكل ما يعيشه الواقع الاجتماعي هو مادة يمكن التعامل معها و استثمارها فنيا ، لذلك ظهر الفن للرقي بالذوق العام عبر تشخيص دقيق لماهو كائن من اجل بلوغ ما يجب ان يكون ، و الفن في نهاية المطاف هو رسالة . فهل نجد ما تقدم ذكره في اعمال سامي الفهري ؟ في البداية ، لابد من الاشارة الى ما يتميز به سامي الفهري من ذكاء و ابداع على المستوى الاعلامي و الفني من حيث طرافة برامجه التي تشهد نجاحا جماهيريا لافتا او احترافيته في مجال الاخراج ، و كل من خالطه و يعرفه او يتابعه يشهد له بذلك لذلك اصبح رقما مهما في الساحة الاعلامية في تونس من خلال قناة الحوار التونسي . و موضوع مقالنا سيتحدث عن اهداف سامي الفهري من خلال اعماله الفنية التي بدات مع " مكتوب " و اليوم " اولاد مفيدة ". صوّر سامي الفهري جزءا من الواقع التونسي في اولاد مفيدة ، و ما تابعه الناس في المسلسل موجود في الواقع لدى طبقة من الاثرياء الجدد و قام المخرج بتعريته دون قفازات لذلك كانت المشاهد صادمة احيانا مثل مشاهد الاغتصاب و المخدرات و الغدر و الخيانة و الاجرام و الكلمات المبتذلة و الساقطة ، و التقليعات الغريبة مثل الوشم و تسريحات الشعر و نفس الامر من حيث اللباس . اما الاكثر بشاعة فهو تكرار تشويهه للمراة التونسية في اغلب اعماله فجعلها خائنة و انتهازية و لصوصية و غادرة و عابدة للمال حيث تتحول الى جارية مطيعة امام رجال الاعمال و المال ، و يختار سامي الفهري لتلك الادوار فتيات و نساء جميلات . لك ار الى حد الان امراة شريفة ناجحة بفضل علمها و عملها و تفوقها في اعماله رغم التاريخ النضالي الكبير للمراة التونسية في الماضي و الحاضر . اما الغريب فهو صمت الجمعيات النسوية التونسية التي تثير الغبار في معارك عديدة على تسليع المراة و اهانتها تقزيمها وتحويلها الى زبون جنسي لاصحاب المال . لكني اسأل سامي الفهري : هل الفن محاكاة للواقع ام تثوير و ارتقاء به؟ لقد نقل لنا الفهري الواقع كما هو و سمعنا مصطلحات صادمة تلفزيا مثل " كبول " التي اثارت جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي وتابعنا مظاهر العراء الفاضح و تدخين القاصرات و الخيانة الزوجية و السهرات الماجنة و الليالي الحمراء و الانجاب خارج الزواج الشرعي و القانوني ، اما الاطار المكاني فكانت الاماكن التي يرتادها ابناء الاثرياء . كان بامكان سامي الفهري ان ينقل ذلك لكنه يستطيع توظيف تلك الاحداث من خلال انتصار قيم الخير و سقوط الفساد و المفسدين لان النهايات السعيدة رسالة انتصار لقيم الخير في العالم و تعطي أملا لساكنة الارض من اجل مستقبل افضل لأجيال الحاضر و المستقبل .أليس الفن رسالة امل و تفاؤل و عطاء؟!! ربما فكر سامي الفهري في نسب المشاهدة و عائدات الاشهار و التركيز على فئة الشباب و لا يهمه الانتصار للمسائل القيمية و مصلحة المجتمع ، قد لا يعنيه ما تعيشه تونس من غليان اجتماعي و انحدار في القيم الاخلاقية حتى على مستوى المعاملات السياسية ،، يحتاج مجتمعنا الى القدوة و الرمز و المثال الذي يقتدي به في معاركنا الاجتماعية و الثقافية و السياسية و الاقتصادية ، و لنا في تاريخ تونس شخصيات وطنية نسائية و رجالية ملهمة لشبابنا التائه و الذي يعاني من تصحر ثقافي جعله بين مطرقة الفكر الداعشي المتطرف و سندان الانحراف و الشذوذ الاخلاقي و السلوكي و عبدة الشيطان . يستطيع سامي الفهري (لو اراد ) ان يجمع الجمهور في رمضان القادم ليشاهد مسلسلا عن زعيم وطني له اشعاع دولي مثل فرحات حشاد او امراة عظيمة مثل " أروى القيروانية " ، لكن اين الارادة السياسيةو التشجيع على المبادرة و المشروع الثقافي المستنير الذي تتسابق الطبقة السياسية و الثقافية في ترديده ؟ في انتظار ذلك تبدو ثقافة اولاد مفيدة هي المشروع . كاتب و محلل سياسي