نصرالدين السويلمي في خضم تآكل الكتل البرلمانية وخضوعها الى عمليات استنزاف مستمرة وعدم قدرتها على الصمود ، لا يمكن ان يمر تماسك كتلتي حركة النهضة طبعة 2011 و 2014 دون ان نجسه ونبحث في ماهيته خاصة وأن هذا التماسك يتم في مشهد اكتنفه المال السياسي ليصبح اشبه ب"الميركاتو" وتشكلت له بورصة فعلية تتنافس فيها الكتل "الحزبومالية" على النواب ، والمعلوم أن بعض الاحزاب افردت ميزانيات خاصة بالانتدابات ، يختار هذا الحزب التركيز على نائب يحسن الصراخ والعربدة ويملك ذخيرة وافرة من الوقاحة السياسية ، فيما يركز الحزب الآخر على الاستقطاب الجهوي من خلال استهداف نواب الجهات التي تقتضي اجندته التواجد فيها عبر تمثيلية برلمانية ، تلك وضعية عاشها المجلس الوطني التاسيسي ويعيشها اليوم البرلمان ، اين شكلت الاحزاب لجان خاصة بالتواصل مع العناصر البرلمانية المستهدفة او تلك التي تعرض نفسها ببجاحة ، كما خُصصت عناصر خبيرة تشرف على سير المفاوضات مع النائب بعد ان تكون ساعدته في عملية فك ارتباط سلسلة وماكرة مع كتلته الام . خلال فعاليات المجلس الوطني التأسيسي خضعت كل الكتل الى عمليات ابتزاز متفاوتة كانت العريضة الشعبية حمارها القصير ، وتمكنت الأحزاب الثرية المرتبطة بالمنظومة المتقهقرة ، من هتك عرض العريضة وتفكيك أحشائها بشكل وحشي ، وكانت العريضة دخلت المجلس عند بداية اشغاله بكتلة قوامها 26 نائبا ثم تدحرجت الى 7 نواب لتختفي بعد ان تم حلها او دفنها ، ايضا اجتاحت المؤتمر حالة من التفكك الغريب وانهارت دفاعاته في زمن قياسي ، الامر نفسه ينسحب على التكتل وبدرجة اقل المبادرة . وكانت كتلة النهضة صمدت في اجواء من الترهيب المريع بعد ان تم استهدافها من خلال اغتيالين مدروسين بعناية ، حينها وصل الامر الى برمجة انقلابين افشلتهما خصوصية التجربة التونسية ، كما سعى خصوم الحركة لنزع اعتمادها القانوني ومن ثم الزج بقياداتها ونواتها الصلبة في السجون وربما عرضهم على المصاقل ، كان ذلك على وقع الجنائز وايضا على وقع الانقلاب الدموي في مصر ..فشلت او أُفشلت كل المحاولات الراديكالية لإنهاء الحركة او انهاء التجربة برمتها ، وانهت النهضة مشوار التأسيسي المرهق بخسارة طفيفة في كتلتها لم تتجاوز النائبين. بينما شهد حزب النداء اكبر انهيار لكتلة انتخابية في تونس وربما في المحيط العربي والاقليمي بُعيد برلمانيات 2014 ، دخلت النهضة تجربتها الثانية بأكثر وعي واقل اندفاع ، وتراجعت شهوة الانتصار وانحصرت غريزة الصدارة لصالح هاجس الحسابات وتفننت الحركة في الحذر وبالغت في الانحناء للعواصف ، في وقت واصل خصومها معركة الاستئصال فيما واصل الاعلام معركة التشويه من خلال القصف بالإشاعات الثقيلة والمتوسطة ، رغم ذلك نجحت النهضة لأكثر من سنتين ونصف في المحافظة على كتلتها ، ولا ندري ان كانت تجاوزت بورصة 2014 كما بورصة 2011 من خلال إحباط الطلب على نوابها ، ام ان الخصوم لم يبادروا أصلا مع نواب حزب الاغلبية لعلمهم ان جدار الصد اكثر من سميك ! ترى ما نوع الجدار ؟ هل كان ماليا ؟ و كانت النهضة تملك ميزانية ضخمة تفوق ميزانية خصومها الاثرياء ما سمح لها بإغراء نوابها وحبسهم بالامتيازات وصد المال السياسي الذي يستهدف كتلتها بمال أكثر ؟ لكن السؤال : اذا كانت النهضة ثرية الى هذا الحد لما لم تنخرط في "الميركاتوات " ولم تدخل بورصة النواب ومن ثم الهيمنة على اسهمها ؟ خاصة عندما شرعت بعض المعاول في الحفر لاجتثاثها من قرارها واهتمت معاول اخرى بحفر القبور! حينها كانت النهضة في حاجة الى صوت ولو جاء من عمق الشعب ينصفها ويقوي مناعاتها ، فما بلك اذا تعلق الامر بنواب وكانت الحركة تتعرض للإبادة ما يخولها الاستنجاد بالقاعدة الفقهية " الضرورات تبيح المحظورات" ، شيء من ذلك لم يحدث ، فلا النهضة خسرت نوابها ولا هي دثرت إهابها بالمزيد من النواب ، كل هذه الاشارات تؤكد ان الغنوشي والعريض والمكي والجلاصي وآخرين "جاؤوا من بعد الفتح" ، لم تكن دفاعاتهم محصنة بالمال وانما بأشياء اخرى منها التاريخي ومنها الاخلاقي والديني . لقد حافظت النهضة على كتلتيها خلال محنتين ، كان ذلك حين اجتمعت عليها جنازتين وانقلاب دموي عصف بالتجربة المصرية ، رغم ذلك لم يجزع نوابها ولا هم طلبوا الجوار من احزاب النفوذ العميق والسميك , لا ولا نزحوا الى الملاذات واحتموا بالخيمات الحزبية الآمنة ، ثم ثانية حين اقدمت مؤسساتها على زلزال الفصل او "البروسترايكا" عملية الإصلاح وإعادة البناء ، تلك محنة عاصفة وربيبتها ، ثنائي في حجم تسونامي افلتت منه كتلة النهضة في نسختها الاولى ثم ها هي النسخة الثانية تواصل مشوار التماسك والتمسّك . لا شيء يأشر الى ان خاصرة النهضة مالية التركيبة ، ولا مؤشرات توحي بان دروعها وحصونها من جنس الاوراق النقدية ، لأننا وان سلمنا بان تماسك كتلها كان بفعل المال وانها تجاوزت جميع رساميل المنظومة القديمة على راسهم كمال لطيف ، وتجاوزت الرياحي وثروته الطائلة ، وتجاوزت كل الشيكات على بياض التي راكمها اعتصام باردو لتثبيت حكومة الانقاذ الوطني الموعودة على انقاض المجلس الوطني التأسيسي ، فلا يمكن بحال التسليم بان ميزانية النهضة تجاوزت ميزانية اولاد زايد ، الذين دخلوا على الخط بقوة منذ سنة 2012 واقدموا على هستيريا من الضخ سنة 2013 .. لذلك لا مناص من الاعتراف بان النهضة استعملت مستحضرات غير نقدية لتثبيت كتلتها في وجه قراصنة عبد الله بن زايد ، قد تكون مستحضراتها خليط من ثُرى الزرن والجوهري وبوصاع وقد تكون وصفة من صراخ ذوات الخُمر عقب زوار فجر مغولي الملامح تاتاري الصنائع .