نصرالدين السويلمي خلال سنة 2012 تعالت الكثير من الاصوات المشفقة على تونس بالنذير والنفير ، محذرة قوى اليسار وتجاعيدها وملاحقها انهم بصدد تخريب اسس الثورة ونزع حجر زاويتها ، وان عملية التحشيد التي يشرفون عليها بحماس والاستقواء بمنظومة بن علي على شرعية الشعب والصناديق سيكون لها ما بعدها وعواقبها ستكون اكثر من وخيمة ، حينها اكدت بعض الشخصيات الواعية خطورة استعمال ادوات بن علي لإسقاط خصم ايديولوجي سيسقط حتما بالصناديق حين يفشل في تلبية طوفان المطالب وحين يعجز عن احتواء شلال الطموح الذي يتدفق من المجتمع التونسي تجاه حكامه الجدد ، فبعد انقشاع الدكتاتور ومنظومته الباطشة ، اصبحت غالبية الشعب على قناعة ان الجدار الذي يفصلها عن البحبوحة سقط وانها الان على بعد دقيقة واحدة من كنوز الدولة وخزائنها العامرة .كانت كل القراءات الواعية تؤكد ان الشعب التونسي سيجرب ما لا يقل عن ثلاثة منظومات حكم قبل ان تتلاشى لديه فكرة الانتقال السحري من الضيق الى البحبوحة ومن الفقر الى الغناء ومن الشدة الى الرخاء ، ليسلم بعدها بان التغيير الملموس يتطلب مراحل طويلة والكثير من الحكمة والدربة . كانت الراجمات الايديولوجية اقوى بكثير من صوت الحكمة ، واحتشد اليسار ورص صفوفه ثم قام بانتشال الجرم التجمعي المتهالك وترقيته الى مشروع مقاومة للترويكا ثم مشروع حكم وبديل لشرعية 23 اكتوبر ، كانت رغبة التدمير قوية لدى الجبهة الشعبية وتجاعيدها حيث قامت بتوسيع دائرة استهدافها لتتجاوز النهضة الى لجان حماية الثورة ومنها الى كل نفس ثوري يشحذ العزائم في وجه المنظومة العائدة ، وبعد ان انهارت الترويكا ودخلت منظومة بن علي الى البرلمان ، تفرغ اليسار الى قطع الطريق عن المرزوقي وتمهيده للسبسي الذي دخله بسلام . مهزلة هذا الكيان الايديولوجي الركيك انه يتنقل بفجاجة من خندق الثورة المضادة الى خندق الثورة ، يروح ويجيء بين الحلم والجرم ، وهو لا يُقبل على الفعل الذي يرى فيه صالح الثورة ، بل يرمق تموقع الترويكا وبالأحرى النهضة ثم يذهب الى نقيضها ، حتى انها لما ذهبت الى الاحتفال بالثورة في سيدي بوزيد لاحقها بالحجارة والعصي ليمنع الاحتفاء بالمناسبة الاهم في تاريخ تونس الحديث ! كما عمل هذا الكيان الركيك على حل المجلس التأسيسي وحرض على الدستور وحاول شطبه وبعث لجان اخرى لقيطة لكتابته من جديد ، ولما فشل في كل ذلك حاول حرمان على العريض من شرف التوقيع على الدستور مستعجلا تنصيب المهدي جمعة ..في عرف هذا الكيان اصابة موجعة او قاتلة تتلاقها النهضة افضل من الف ثورة . والف الف كرامة. بعد انتخابات 2014 ونتائجها واكراهاتها ، وخلال المفاوضات بين الاحزاب الفائزة ، عبّرت الجبهة الشعبية عن استعدادها للمشاركة في الحكم اذا تم اقصاء النهضة ، واكدت انها ستنهي جميع التوافقات القديمة التي تمت تحت مظلة جبهة الانقاذ في صورة تشكلت حكومة تظم حركة النهضة ، وبالفعل وبما أنها صاحبة الكتلة الاكبر خارج الحكم شرعت في تجميع المعارضة مستثنية مكونات الترويكا ، لتشرع بعد تردد ومد وجزر في رفع الحجر عن التكتل وبدات تتواصل مع رموزه على استحياء ، ثم صدت كل المحاولات امام مظلة للمعارضة تجمعها بالمؤتمر والحراك والمرزوقي ، بل وصل الامر الى التهديد بفك الارتباط مع التيار على خلفية ترحيب قياداته بالتنسيق مع المرزوقي وحزبه . نهضة مستهدفة مع الثورة من غرفة اقليمية خبيثة تبحث عن اجتثاثها من قرار ! نهضة وجدت نفسها امام تجمع يبسط من جديد سطوته على السلطة ، تغمز اليه قوى ايديولوجية متطرفة تحضه على تهيئة الزنازن والمقابر لكميات كبيرة من اللحم النهضاوي ستفد اليه قريبا ، ثم هي امام معارضة يسارها يألّب عليها ويتوعدها ب20 الف قتيل ، ويبشرها بالسجون والمنافي ، نهضة تلتفت خلفها فتجد قوى سياسية متحفزة للشر ، منهمكة خلاياها في اعداد لوائح بالرؤوس المطلوبة جهويا لترسل بها الى المركز ! نهضة بهكذا وضعية كيف يجب ان تتصرف ؟ ومع من تتحالف ؟ وباي طريقة ستجاري موازين القوى وما هي اولوياتها ومتى تمد ومتى تجزر ؟ نهضة في خضم معادلة كهذه وحين تغادر مربع السلطة باي معارضة ستلتحق ؟ هل كان عليها ان تتخلى عن الممكن المتاح و تقطع مع السبسي الذي قبل بالتحالف معها ثم ترحل الى دول مثل الصين وكوريا وفينزويلا تطلب وساطتها لدى حمة الهمامي وزياد لخضر والمنجي الرحوي !!! في حين انهم مازالوا يتوعدون من يحاول مجرد الاقتراب من المرزوقي الحقوقي العلماني الاقرب في طروحاته الى اليسار ! من هؤلاء الاغبياء الذي يطالبون بتجريد النهضة من سلاح السلطة ووضعها عارية في مرمى نيران القوى الحمراء الهائجة التي تشبعت بهستيريا الكره ؟ من هؤلاء الذين يسوّقون الى المجهول ؟ إذا استثنينا الشخصيات الوفية التي ظلت تدافع عن كرامة سبعطاش ولم تستسلم ولم تقطع الطريق ، باستثناء اولئك من يقول بان الذين يصرخون خارج مجلس باردو هم الثورة ومن اجلها ولها ؟ على الذين استقدموا التجمع من بعيد ونصبوه من جديد ان يغربوا عن ساحات النضال ، ويتركوا المجال للأحرار الذين لم يبدلو ، أولئك الذين لديهم من الزاد الاخلاقي ما يسمح لهم بالطعن في خيارات النهضة ومحاجتها ومساجلتها ، أما العرّاب فليس له إلاّ التوبة الوطنية الخالصة . تعيش حركة النهضة اليوم واحدة من اخطر مراحلها ، فهي كالمعلّقة اذا صعدت قليلا اصبحت في متناول انياب صاحب المشروع وغرفة العمليات الماكرة ، وذا نزلت نهشتها انياب الجبهة الشعبية ولفيفها ، اما اذ ظلت في مكانها فالمعادلة المرة مشحونة بالمطبات والمصاعب لن يكون اولها قانون المصالحة ولن تنتهي بالمؤامرة التي تترقب الدستور ونظام الحكم بل وجميع انجازات منظومة اكتوبر . يقول القائل لما لا يتم حظر حركة النهضة ؟ يقول الآخر الحل في حل النهضة .. فالتغرب النهضة عن المشهد لتبقى الثورة .. والجواب يأتي من مصر اين غربت الشرعية بقيادة الاخوان فغربت معها الثورة ، لقد سبق وقلنا ان الافعى الاقليمية تعلم يقينا ان تصفية الاسلاميين او اي من المكونات الرئيسية الاخرى يعني الاجهاز على الديمقراطية والاجهاز على الديمقراطية يعني الاجهاز على الثورة والاجهاز على الثورة التونسية يعني تأجيل الحلم العربي الى جيل آخر او جيلين فأكثر. بعض الذين دفعوا النهضة من الخلف غيلة في البركة الآسنة ، يالّبون عليها اليوم ويشنعون بطريقة سباحتها العشوائية ، وهم يعلمون يقينا انها لا تمارس السباحة للمتعة والنقاهة وانما تمارس النجاة ..إنها تجدف كرها لتجنب الكارثة .