- صراعات الذات المتشابكة والإنهاك النفسي والذهني، بعد تسلسل خيبات الحياة والفشل في العثور على القيمة الوجودية للبشر، هذا ما نبش فيه كل من المؤلف، شادي دويعر والمخرج جمال شقير في العمل المسرحي السوري "ستاتيكو" الذي تم تقديمه مساء اليوم الأحد بقاعة الفن الرابع بالعاصمة في إطار الدورة 19 لأيام قرطاج المسرحية. وقد طرح هذا العمل مسألة "حرب المرء مع ذاته"، بعيدا عن التناول المباشر لمشاهد الحرب وتداعياتها التي اقتحمت المشهد المسرحي في سوريا خلال السنوات الأخيرة. حيرة الإنسان ووجعه وسط قساوة الواقع وعتمة المستقبل أفرزت قرار انتحار لائق ل"حكم" (الممثل سامر عمران)، الذي اختار تسجيل مبررات انتحاره على شريط كاسيت، قبل لحظات من تنفيذه .. إشارات سوء الحظ والفشل بقيت تلازم "حكم" حتى لحظة قراره الإنتحار الذي لم يتمكن من تنفيذه، عندما تقتحم بيته "أمل" (الممثلة نوار يوسف) وهي هاربة من منزل جاره بسبب وصول أهله إلى بيته فجأة. الإنتقال الدرامي في مشاهد المسرحية بدا مدروسا إلى حد المرونة في مساره وفي تناغمه مع الكثافة البصرية ومواقع الخطاب الدراماتورجي المباشر والمؤثر في آن واحد، ف"حكم" لم يحالفه الحظ حتى عندما قرر وضع حد لحياة "كابوسية" مفعمة بأشباح الخوف والخيبة والفشل في الإنخراط مع محيط إنساني غلب عليه النفاق والإنتهازية والأقنعة .. زيف الحياة الذي اكتشفه بطل المسرحية وظل يواجهه حتى أغلق جميع نوافذ الأمل والتصالح مع نفسه ومع الآخرين وهو ما كلفه جرعة مريرة من الشقاء النفسي ومن التجارب الموجعة، أراد أن يتخلص منها عبر الإنتحار والرحيل من "حياة الموت". وقد تعمد المخرج تأجيل لحظة محاولة الإنتحار، في مشاهد المسرحية، عبر تسلسل مونودرامي محبك قائم على الظهور المرحلي للشخصيات وتفاعلها في دفع المسار الدرامي وهو ما أضفى نوعا من التشويق والإثارة لتكون وقائع المسرحية مغايرة لانتظارات المشاهد. ف"حكم" توفي فعلا ولكن ليس منتحرا وإنما برصاصة طائشة من مسدسه الذي جهزه للإنتحار، أطلقها عليه جاره في خضم جشار نشب بينه وبين صديقته. جمالية نص "ستاتيكو" تكمن في إمكانية توظيفها في تأويلات مرهفة، رغم حصر الحوار في منطقة ذاتية تحاكي قساوة الحرب بمفردات وأسئلة وجودية لتضحى حرب الذات أشد ألما من الحرب بمعناها الحقيقي .. حرب تستنزف صدق المشاعر وحب الحياة والتمسك بها وتدفع بالمرء للإنتحار، أملا في الخلود إلى الهدوء والسلام.