خلال لقائه الحشاني/ سعيد يفجرها: "نحن مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات مصيرية لا تحتمل التردّد"    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 18 و26 درجة    الإبقاء على الإعلامية خلود المبروك والممثل القانوني ل'إي أف أم'في حالة سراح    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف ''المغسلة الروسية'': شركات تستخدم تونس ملاذا لغسل الأموال عبر حسابات بنكية لغير المقيمين وفواتير غير مطابقة
نشر في باب نات يوم 11 - 12 - 2017

- (وات - تحقيق استقصائي من إعداد مريم خضراوي)- طالت الأموال، التي تدفقت من روسيا بطرق غير شرعية، بين سنتي 2010 و2014، تونس عن طريق حسابات بنكية لغير المقيمين وفواتير غير مطابقة لصالح شركات ضالعة في غسيل الأموال.
ويعكس ضلوع بنوك ومؤسسات تونسية في ما يعرف بملف "المغسلة الروسية"، ضعف تطبيق المنظومة التشريعية بعد الثورة ضد الفساد والديكتاتورية، وحتى قبلها.
وقد اعترفت اللجنة التونسية للتحاليل المالية التابعة للبنك المركزي، في تقرير حديث لها صدر في نيسان/أبريل 2017، أن خطر تبييض الأموال في تونس يعدّ "مرتفعا نسبياً".
انخراط شركات وبنوك تونسية في "المغسلة الروسية" بين عامي 2010 و 2014، حدث حين غادرت روسيا 20 مليار دولار بطرق "غير مشروعة" إلى وجهات مختلفة في أوروبا وأمريكا عبر 732 مصرفا و5140 شركة من بينها شركات "أوف شور"، في 96 بلداً، من بينها تونس.
طريق "التبييض" سالكة إلى تونس
الوثائق التي حصلنا عليها عبر شبكة أريج "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" ومن مصدرها في "مشروع التقارير الصحفية حول الجريمة المنظمة والفساد" وصحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية، تؤشر إلى ضلوع أربعة مصارف في تونس في تحويلات مشبوهة خلال تلك الفترة.
في عامي 2013 و 2014، مرّرت أربع حوالات قدرها مليون دولار عبر بنك تجاري تونسي كبير تأسس في 1982 ويعمل وفقا للقانون التونسي وبنك ثان هو سابع بنك تونسي من حيث الإيرادات وأحد أضخم الشركات المدرجة في البورصة ومصرف ثالث يملك 200 فرع في تونس وكذلك بنك يمول أحد القطاعات الاستراتيجية في البلاد.
إحدى تلك التحويلات بقيمة 270 ألف دولار نفّذت لحساب شركة صربية غير مقيمة وليس لها أي نشاط في تونس ولكن لها حساب في بنك هو فرع لمجموعة بنكية عربية معروفة وحاضرة في 30 بلدا.
يندرج هذا التحقيق ضمن ستة تحقيقات في دول عربية و30 دولة أخرى حول العالم، بما يكشف خفايا الشركات الضالعة، عن قصد أو عن غير قصد، في هذا الملف غير المسبوق.
وهو يكشف تقصير السلطات المالية التونسية في التثبت من مصادر الأموال وصدقية بيانات الصفقات التي تتم بمقتضاها التحويلات على مستوى الجمارك أو على مستوى المصارف.
هذا التقصير يجعل من تونس وجهة مفتوحة أمام تدفق أموال من مصادر غير مشروعة.
تقرير اللجنة التونسية للتحاليل المالية يقر بأن "الساحة البنكية التونسية معرضة للاستغلال من قبل غاسلي الأموال، على وجه الخصوص، في مرحلة التمويه، أي المرحلة الثانية من المسار التقليدي لتبييض الأموال"، وذلك بالنظر إلى حجم أموال هائل، تم تجميده خلال السنوات الخمس، بما يناهز 18 مليون دينار تونسي ( حوالي 37,7 مليون دولار أمريكي)
تفاصيل الوثائق، التي حصلنا عليها، تظهر أن البنك التونسي الاول، الذي أشرنا إليه، تلقّى أربع حوالات قدرها الإجمالي 920 441 دولار، أي حوالي 605 072 1 دينار تونسي، اثنتان منهما خلال عام 2014 (13 و24 مارس).
وكان مصدر الحوالتين شركة مسجلة في بريطانيا متورطة في غسل الأموال تدعى "ألارو بزنس". إذ حولت هذه الشركة مبلغا قدره 160573,00 دولار إلى حساب الشركة في البنك المشار إليه في تونس، ومبلغا ثان إلى الشركة ذاتها قدره 848 109 دولار مقابل صفقات "مواد بناء".
كما حولت شركة أخرى هي "كريستالورد ليميتاد"، مبلغا ماليا إلى حساب الشركة الصربية في البنك التونسي في 25 نوفمبر 2013، بدعوى تسديد ثمن صفقة "أجهزة صناعية".
و"كريستالورد ليميتاد" هي شركة قبرصية متورطة في ملف غسيل أموال. وتم التحويل عبر البنك الليتواني "تراستا كومارسا بنك" الذي أدار جل عمليات التبييض.
وتظهر الوثائق أن الأموال المشبوهة ترد إلى حساب الشركة الصربية في تونس من مولدافيا وليتوانيا، بالعملة الأجنبية (الدولار واليورو).
واستغلت الشركة على ما يبدو حسابها البنكي في تونس، كحساب عبور للتمويه وفصل الأموال عن مصدرها الأصلي، ثم إضفاء المظهر الشرعي بأختام تونسية.
يأتي مثل هذه الممارسات، متعاملون غير مقيمين يستغلون إجبارية حفظ السر البنكي التي يكفلها القانون التونسي.
وكانت كتلتا "النهضة" و "النداء" المتحالفتان في البرلمان التونسي قد أسقطتا في 2016 الفصل الذي ينص على إمكانية رفع السر البنكي بأمر القضاء، وذلك بدعوى حماية المعطيات الشخصية.
وقد اتهمتهما المعارضة وقوى مدنية آنذاك وإلى اليوم، بأنهما "لا تريدان الشفافية المالية وتتستران على الفساد وتغلغل المال السياسي المشبوه". ولم تتم المصادقة على قانون رفع السر البنكي الذي أثار الكثير من الجدل إلا في ديسمبر 2016.
وكان المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين طالب برفع السر البنكي والمهني دون قيد أو شرط وحصره في حالات استثنائية محدودة جداً كالسر الطبي على سبيل المثال، وذلك لمكافحة التهرب الجبائي. جاء ذلك في ورقة طرحها، في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2017، تحت عنوان: "الإصلاحات المهملة بصفة متعمدة. "
"شركتنا ليس لها أي علم"
راسلنا شركة "مونت إنفاست أد" عبر البريد الإلكتروني، لنستفسر عن طبيعة تحويلاتها إلى تونس ولكننا لم نتلق أي رد إلى اليوم.
فأرسلنا أسئلتنا، في 11 أغسطس/آب 2017، إلى الصحفية الاستقصائية "دراجانا بيكو" في بلغراد، التي اتصلت بمدير الشركة "ألكسندر كفيتكوفيتش" وأرسلت له الاسئلة، فنفى علمه بعملية غسل أموال واكتفى برد مقتضب: "شركة "مونت إنفاست" ليس لديها أي علم بعملية غسل الأموال التي ذكرتموها في النص الذي أرسلتموه. ولا نملك أي تعليق على أسئلتكم".
على مدى أسبوع، حاولنا الاتصال عديد المرّات بإدارة "الامتثال" في البنك التونسي للاستفسار عن التحويلات، وعن مصير حساب الشركة بعد ورود اسمها ضمن ملف "المغسلة الروسية" وسحب الرخصة من البنك اللاتفي "تراستا كومارس بنك" لثبوت تورطه في جرائم مالية. ولكن لم يتسن لنا الوصول إلى المسؤول بالإدارة المذكورة.
تقرير لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي التونسي، الذي تناول خطر غسل الأموال، أقرّ بأن البنوك التونسية تعد "وجهة مفضلة لغير المقيمين"، مشيرا إلى، أن حوالي 70 % من التصاريح بالشبهة في غسل الأموال التي أحيلت إلى القضاء كانت تتصل بأشخاص غير مقيمين، أي أن أغلب العمليات المشبوهة تمت بالعملة الأجنبية.
وبذلك يستخلص أنه تم استغلال الحسابات المفتوحة لدى مؤسسات بنكية تونسية، وأن الساحة البنكية "جاذبة" لمهندسي عمليات غسل الأموال خاصة في مرحلة التمويه كثاني حلقة في مسار التبييض.
"ألارو بيزنيس" مقبولة في تونس مرفوضة في الدنمارك
لاحظت معدّة التحقيق أن شركة "ألارو بيزنيس"، التي تأسست عام 2014، نفّذت حوالتين لحساب الشركة الصربية في تونس، المسجلة في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2013 في غلاسكو/ اسكتلندا. ولا تظهر البيانات المنشورة أي تفاصيل عن مالكيها وطبيعة عملها. وبالتالي يمكن أن تكون قد سجّلت فقط كنقطة عبور وفصل للأموال القذرة عن مصادرها الحقيقية عبر مولدافيا وليتوانيا.
ورد اسم هذه الشركة في مقال نشر على موقع الاعمال الدنماركي وذكر فيه أن بنك الدول السكندينافية "نورديا" قد أقدم على إغلاق الباب في وجهها مطلع 2017، بعد أن طلب معلومات معمقة عن مصادر أموالها، واشتبه بتورطها في تبييض أموال متأتية من أنشطة إجرامية تديرها مافيات روسية.
السلطات التونسية المالية والبنكية، التي تربطها اتفاقات دولية مثل اتفاقية "بازل 3" واتفاقيات تعاون مع الاتحاد الأوروبي، لم تتخذ أي خطوات تحر مماثلة حيال متعاملين جدد مجهولي الهوية.
هونغ كونغ عبر تونس
شركة أخرى استغلت تونس ممرا خلفيا لتبييض أموال في إطار هذا الملف. هذه الشركة مسجلة في هونغ كونغ منذ عام 2006، وهي شركة "سانساين ترايدينغ ليميتاد". وهي تملك حساباً في مصرف تونسي آخر هو البنك المختص في تمويل قطاع استراتيجي في تونس.
في 27 سبتمبر/ أيلول 2013، وصل حساب شركة "سانساين" الى مبلغ قدره 030 77 دولار من شركة "كريستالورد ليميتاد"، مقابل صفقة "تجارة حواسيب". نفّذ هذا التحويل عبر البنك اللاتفي "تراستا كومرسا بنك" مرة أخرى.
أثناء بحثنا عن شركة "سانساين" وجدنا أنها تلقت عديد التحويلات المالية من مولدافيا عبر البنك الروسي "كومارسيال بنك ماكسيما" في موسكو.
بقيت الشركة تعمل لمدة تسع سنوات وسبعة أشهر، حتى تاريخ حلّها في مارس/ آذار 2016، غداة إطلاق التحقيقات حول تورطها.
الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تؤكد بأنها اتخذت إجراءات تقصي حيال هذا الملف الذي بات طور التحقيق الآن. وأكدت أنها قامت بمراسلة البنوك المذكورة لمدّها بمعلومات أوفى وتفاصيل الصفقات المالية التي مرّت عبرها.
شركات تصدير منتجات فلاحية تونسية وردت أسماءها في ملف "المغسلة الروسية" الوثائق التي حصلنا عليها تفيد بأن شركة "سيبون ليميتاد" المتورطة في قضية غسل أموال دولية كانت قد حوّلت 240 95 دولار من مولدافيا إلى شركة تونسية مختصة في توريد التمور وتوجد في الوطن القبلي، وهي شركة مصدّرة للقوارص (الحمضيات) والتمور، هذا المبلغ حول إلى حسابها في البنك التونسي.
أثيرت تساؤلات حول هذه الصفقة، وفقاً للوثائق التي بحوزتنا، لأنها نفّذت بهدف شراء "مواد بناء" بما لا يمت إلى مجال أعمال الشركة بصلة. كما أن الطرف المقابل في الصفقة شركة مسجلة في الجز العذراء البريطانية، المصنفة ضمن قائمة الملاذات الجبائية عبر العالم، بموجب عدد 3833 المؤرخ في تونس 03 أكتوبر/ تشرين الأول 2014.
وقد تم حلّ الشركة في شباط/ فبراير 2016، بحسب الموقع الرسمي للشركات البريطانية، أي مباشرة بعد أن انكشف الملف الاكبر لغسل الأموال عبر"مشروع التحقيقات حول الجريمة المنظمة والفساد".
أبدى متحدث رسمي باسم الشركة التونسية المعنية، استغرابه من الموضوع بأكمله وأفاد المتحدث، الذي لم يشأ الإفصاح عن هويته، بأنه لم يتعامل قط مع شركة "سيبون ليميتاد"، نافيا وجود أي علاقة للشركة بغسل أموال. وقال: "شركتنا تصدّر المنتجات الفلاحية وتحترم كل القوانين المعمول بها في عمليات التصدير. وهي تتعامل عادة مع حرفاء (زبائن) معينين وأوفياء يرتقون إلى مرتبة الشركاء".
ومضى إلى القول: "هذا كلام لا يصدقه العاقل... لا يهمني من أين يتحول لي المال المهم أن يكون نتيجة منتجات بعتها وقبضت ثمنها وفقاً للإجراءات المعمول بها". بيد انه أوضح، أن الصفقة المذكورة كانت لمنفعة شركة روسية لم يكن يعرفها مسبقاً وهي "او او او خليف"، موضحا أن هذه الشركة "هي زبون عرضي لا نعرف عنه شيئا لذلك اشترطنا دفع مبلغ الصفقة مسبقا قبل شحن البضاعة، فاستجابت لذلك، وحولت المبلغ مروراً بالبنك المركزي، ثم نزل في حسابنا الجاري المفتوح بالبنك التونسي". وأكد أن الشركة "شحنت البضاعة وانتهت العملية" آنذاك.
الخبير المختص في الشركات التجارية، مروان السباعي، يستبعد ضلوع الشركات المصدرة بعمليات تبييض أموال: "صفقاتها التجارية مطالبة بالامتثال لقوانين محددة تصحبها فواتير عادة وهي مطالبة بما يعرف بالسند التجاري.
وتكون الشركة المصدرة مطالبة بالتصريح بالفاتورة وبجلب العملة التي تحصلت عليها من عملية التصدير التي تمر عبر الديوانة (الجمارك) وبعلم البنك المركزي". أما إذا "لم تجلبها في أجل معين فيطالبها البنك المركزي بتفسير"، حسب ما يردف السباعي.
لكنه أشار في المقابل، إلى "احتمال وقوع عمليات تبييض أموال عبر تحويلات مالية صرفة، وبمبالغ كبيرة. ويكون البنك في هذه الحال مطالبا ب"تصريح بالشبهة".
كما يمكن أن تحدث في تسويق الخدمات وفي العلاقة بين الشركة الأم وفروعها لأنه في هذه الحالات يصعب إثبات تهمة غسل الأموال".
أمام هذا الخطر الذي تقرّ بوجوده السلطات المالية في البلاد، أصدر البنك المركزي التونسي في سبتمبر/ أيلول 2017، منشورا جديدا للمصارف والمؤسسات المالية يحتوي على سلسلة إجراءات تلزم هذه المؤسسات بتعزيز المراقبة الداخلية درءا لمخاطر تبييض أموال وتمويل الإرهاب. يفرض المنشور ايضا إجراءات يقظة للكشف والإعلام عن العمليات والمعاملات المشبوهة.
فواتير مخالفة وصفقات مع شركات متورطة
شركة تونسية أخرى ورد اسمها أيضا ضمن وثائق ملف غسل الأموال الروسية وتعمل هي الأخرى في تصدير المنتجات الفلاحية (تمور وغلال).
هذه الشركة تلقت 4953 دولارا في 12 أبريل/ نيسان 2013، من شركة "كريستالورد المحدودة" مقابل شراء شحنة "تجهيزات صناعية".
مرّ المبلغ عبر البنك الذي قاد عملية غسل الأموال الروسية "تراستا كومارسبانكا" في لاتفيا وحوّلها إلى بنك تونسي آخر تم اختياره، مؤخرا، كأفضل بنك في الساحة البنكية التونسية.
وجهنا أسئلتنا إلى عنوان الشركة، فاتصل بنا محاسبها المالي، ليؤكد "أن لا علاقة للشركة بهذا الملف". فطلبنا منه رداً مكتوباً، ولكن لم نتلق أي إجابة بعدها، ولم يرد على اتصالاتنا أو رسائلنا النصية.
المؤسسات التونسية، التي أشرنا إليها، قد تكون امتثلت لكل قوانين التعامل مع شركاء وحرفاء أجانب وأخلت مسؤوليتها وبذلك تكون الاخلالات التي سمحت بتورطها راجعة إلى المؤسسات والسلطات المالية.
فقد أقر تقرير اللجنة التونسية للتحاليل المالية أن وظيفة الامتثال في المؤسسات البنكية أو المالية "تعرف غالبا وبصفة مجانبة للحقيقة بأنها غير حيوية ولا تدخل في المجال الربحي لهذه المؤسسات، ممّا قد يجعلها مهمشة وثانوية".
ووظيفة الامتثال التي هي بمثابة "شرطة البنوك"، لم يتم إلى حد صدور تقرير اللجنة المشار إليها تخصيص الموارد البشرية الكافية لها "حتى تتمكن من القيام بواجبها في التثبت ورصد العمليات التي تتعلق بالإرهاب والتصريح بها لدى اللجنة التونسية للتحاليل المالية.
"سلطة المال"
تجهض ترسانة القوانين بعد الثورة رغم ترسانة قانونية ومؤسساتية لمنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تعزّزت مع صدور قانون 2015 حول مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، فإن مجرد ذكر مفردة غسل الأموال يدفع المواطن التونسي، وكذا المسؤول للتهرب من الحديث في الموضوع. هذا الخوف لم يعد مصدره السلطة السياسية الحاكمة بل سلطة المال التي قد تهدّد كل من يعترض طريق استثرائها.
في تونس، ظاهرة غسل الاموال قد تنتعش من تفشي الفساد، التي تؤشر إليه جل استطلاعات الرأي، وأحدثها استطلاع وجدت من خلاله مؤسسة "كارنيغي" للشرق الأوسط (بين تموز/ يوليو و آب/أغسطس 2017)، أن 76 % من التونسيين يقرّون بأن الفساد منتشر في تونس اليوم أكثر مما كان عليه في عهد زين العابدين بن علي.
ويعتقد خبراء هذه المؤسسة أنه من أجل التصدّي للفساد بشكل فعّال ومستدام، يمكن للحكومة التونسية اتخاذ إجراءات عدّة تشمل تطبيق وإنفاذ القوانين القائمة لمكافحة الفساد، بدءاً من القانون الذي يُلزم المسؤولين التونسيين بالتصريح علناً عن ممتلكاتهم.
كما ينبغي على الحكومة إعطاء الأولوية لإنشاء المحكمة الدستورية وضمان استقلالية القطب القضائي المالي المكلّف بالتحقيق في قضايا الفساد المالي ومحاكمة المتورطين بها والفصل فيها.
تبدو هذه الخطوات ضرورية اليوم لأن القوانين ولئن تبدو مثالية في بلد ما، فهي قد تنهار أمام تشكّل دولة موازية بقوانين خفية، بمجرد ضعف حلقة ما في مسار تطبيقها.
----------------------------------------------
القانون التونسي وغسل الأموال
يعتبر القانون التونسي غسلا للاموال "كل فعل قصدي يهدف، بأي وسيلة كانت، إلى التبرير الكاذب للمصدر غير المشروع لأموال منقولة أو عقارية أو مداخيل متأتية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، من كلّ جناية أو جنحة تستوجب العقوبة بالسجن لمدة ثلاث سنوات أو أكثر ومن كل الجنح المعاقب عليها بمجلة الديوانة".
كذلك يعتبر غسلا للاموال "كل فعل قصدي يهدف إلى توظيف أموال متأتية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، من الجرائم المنصوص عليها بالفقرة السابقة، أو إلى إيداعها أو إخفائها أو تمويهها أو إدارتها أو إدماجها أو حفظها أو محاولة القيام بذلك أو المشاركة فيه أو التحريض عليه أو تسهيله أو المساعدة في ارتكاب جريمة غسل أموال مستقلة في قيامها عن الجريمة الأصلية.
ويكون إثباتها بتوفر ما يكفي من القرائن والأدلة على عدم شرعية الأموال موضوع الغسل.
الفصل 93 من القانون الأساسي لسنة 2015، ينص على عقوبة مرتكب غسل الأموال بالسجن من عام إلى ستة أعوام وبخطية (غرامة) من خمسة آلاف إلى 50 ألف دينار.
وقد تصل قيمة الغرامة إلى نصف قيمة الأموال موضوع الغسل.
----------------------------------------------
تم إعداد هذا التحقيق بدعم وإشراف إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) www.arij.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.