مرتجى محجوب عبارات بذيئة و نابية تشنف الاذان, طرقات تحولت لساحات صراع و مبارزة ثيران, ارصفة اضحت دكاكين و منصات لمختلف انواع المعروضات يستحيل معها مرور المترجلين و الركبان ,عدم احترام ,ضجيج و تشنج في المعاملات بين الجيران, غش تحيل و طغيان في الميزان و كل متصد له يداس و يهان, وجوه عبوسة مكفهرة و خصومات و تشابك بالايادي في كل مكان ... هذا غيض من فيض ما وصلنا اليه و دون ادنى مبالغة من انهيار في القيم و الاخلاق و السلوكيات الحضارية و الذي اعتقد جازما انه من الاسباب الرئيسية لارتفاع نسب التوتر و الاجهاد النفسي و مستويات ضغط الدم و السكري و مخاطر الازمات و النوبات القلبية ,عافا الله الجميع لدى شرائح واسعة من المجتمع التونسي . اذ اضحى التونسي و كانه في خصومة دائمة سواء داخل بيته او خارجه, قابل للانفجار في اي لحظة و بمجرد شرارة عابرة ,فمابالك في رمضان مع تخليه عن السيجارة و النرجيله و القهوة و الشاي و سائر انواع المنبهات التي اعتاد استهلاكها في النهار!!! ماذا دهانا ! و الى اين نحن سائرون !!! و كيف يسمح مصلي لنفسه ان يوقف سيارته في الصف الثاني او الثالث للطريق معطلا حركة المرور و غير مبالي و لا مكترث رغم تذكير الامام و تنبيهه للامر قبل كل خطبة و كلام و كيف يسمح مخمور "حاشا الشهر" لنفسه بان يقود سيارته و هو في حالة يرثى لها قد يتسبب في مصيبة او كارثة يذهب ضحيتها ابرياء ..... انها بالفعل ازمة قيمية عميقة و معقدة مست تقريبا كل شرائح المجتمع التونسي تستوجب ضرورة معالجات مركبة و متزامنة تشمل التوعية الدينية مع التركيز خصوصا على جانب الاخلاق و المعاملات اكثر من الحديث في العبادات, كما تعمل على ادراج دروس السلوك الحضاري في المناهج و البرامج التعليمية مع التزام المعلم و الاستاذ بدوره التربوي قبل التعليمي و كذلك الحال في الجمعيات الرياضية و الثقافية و العلمية ... و تطوير و تهذيب المضامين الاعلامية و تشجيع الفكر و الابداع و الثقافة عوض الرداءة و الاسفاف و التطبيق الصارم و الردعي للقوانين المتعلقة على سبيل المثال بقواعد المرور و سلامته و تحمل كبار الحومة و الحي لمسؤولياتهم المعنوية في تاطير و ردع الممارسات الشاذة و الغير اخلاقية مهما كانت ردود الفعل او التبعات المنجرة عن ذلك, من دون ان ننسى طبعا نخبة المجتمع في كل المواقع و المناصب و الذين شاهدنا احدهم "يهبهب" داخل مجلس نواب الشعب و اخر يعبر عن فرحته اثر فوزه في الانتخابات عبر سب و لعن ام المرشح المنافس له و كذلك رب البيت عندما توجه بعبارته الشهيرة تجاه صحفي لم يصدق ما سمعته اذانه ......عليهم ان يكونوا قدوة و مثالا في الاخلاق قبل كل شيء . وليعلم من اخلاقه منحطة من اصحاب المال او الجاه او السلطة او الشهائد العلمية العليا انه لا يساوي شيئا و لا قيمة تذكر له امام فقير غير متعلم لا حول و لا قوة له و لكنه متخلق و مهذب و انساني . و تلك هي العدالة الطبيعية و الربانية التي تجعل "القيمة" في متناول الجميع متى تعلقت بها همة المرء و تخلص من شرور نفسه و مساوئها . و كما يقول احمد شوقي : " و إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا و إذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما و عويلا صلاح أمرك للأخلاق مرجعه *** فقوّم النفس بالأخلاق تستقم" و كما يقول الرسول الاكرم صلى الله عليه و سلم : "انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق" . كاتب و ناشط سياسي مستقل