- دخلت تونس منذ سنة 2011 المجال الديمقراطي، بعد أن كانت إقتحمت خلال التسعينيات مجال العولمة، مما يطرح عليها جملة من التحديات كدولة ذات سيادة، الأمر الذي يستدعي عملا متواصلا للتأقلم مع المتغيرات والإستفادة منها، حسب ما أجمع عليه عدة خبراء، خلال ندوة علمية نظمها أمس السبت المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية تحت عنوان "رهانات السيادة في تونس". فقد أكد أستاذ علم الإجتماع ووير الثقافة الأسبق عبد الباقي الهرماسي، في مداخلة بعنوان "الدولة والسيادة الوطنية"، أن الطابع الإصلاحي الذي تميزت به الدولة التونسية منذ الإستقلال، فضلا عن إعتمادها على نخبتها وتوفقها في تحقيق الأمن الداخلي وإرساء علاقات قوية مع أوروبا، مكنها من النجاح إلى حد اليوم في إثبات وجودها كدولة ذات سيادة لم تتطور في نطاق العزلة. واستعرض الحبيب بن يحي وزير الخارجية الأسبق، في مداخلة بعنوان "الدبلوماسية التونسية في خدمة السيادة الوطنية"، بعض مراحل الصراع الدولي الذي شكل تحديا للدبلوماسية والسيادة التونسية، لا سيما أثناء الدفاع عن القضية التونسية ومعركة الجلاء بنزرت وبناء التعليم وتحرير المرأة والدفاع عن القضية الفلسطينية، داعيا إلى استخلاص العبرة من تراكمات مرحلة ما بعد الإستقلال. وتطرق الديبلوماسي السابق عبد الوهاب الجمل، في مداخلة بعنوان "مقومات وأسس السيادة" إلى تحول مفهوم السيادة من سلطة الملك الحاكم القوي، إلى سيادة الأمة والشعب مصدر كل السلطات بقيام الثورة الفرنسية، مما أفرز مفهوم المواطنة والديمقراطية التي أصبحت اليوم مرجعيات عالمية إعتمدتها تونس وعملت على ترسيخها، وهو ما أكده أيضا المفكر والأستاذ الجامعي عبد المجيد الشرفي في مداخلته "أن تكون تونسيا اليوم". وتناول الشرفي بالخصوص، مسألة الضغوطات والتحديات التي تتعرض لها الهوية الثقافية في سياق العولمة، مثلما هو الامر بالنسبة إلى السيادة زمن العولمة، مشيرا إلى أنه إلى جانب الإقرار بالحقوق والحريات فإن الرابط الجديد بين الدولة والافراد أصبح يقوم على المواطنة . أما وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، فقد إعتبر في مداخلة تحت عنوان "السيادة والعولمة"، أنه يمكن تصنيف تونس من بين الدول التي هي في حالة إنتقال بين الحداثة وما بعد الحداثة، والساعية إلى الحد من استعمال القوة للدفاع عن كيانها، والمساهمة في دعم الرخاء في محيطها الدولي، والقابلة بتقديم تنازلات سيادية لدعم الديمقراطية والتضامن الإنساني. من جهته، لاحظ الأستاذ الجامعي حمادي الفهري، في مداخلته "هل أن السيادة الاقتصادية التونسية في خطر؟ " أن الدولة التونسية في حاجة الى إصلاحات هيكلية ومؤسساتية على الصعيد الاقتصادي، بعدما أنجزت هذه الإصلاحات في المجال السياسي منذ سنة 2011 ، مشددا على أن السياق العولمي وتشابك مصالح الدول واتساع حجم مبادلاتها يجعل من مفهوم السيادة "نسبيا". وأفاد الخبير الإقتصادي عبد القادر بودريقة، في مداخلة بعنوان "الأزمة العالمية للسيادة الإقتصادية"، بأن سيادة الدول أصبحت تقاس بمدى القدرة على التأثير على الصعيد الدولي، والحصول على نصيب من الأسواق وعلى مكانة دولية مرموقة، باعتبار أن عدم الحصول عليها قد يقود الى إتجاه معاكس، وفق تقديره، مستشهدا بالتجربة البريطانية التي غادرت الإتحاد الاوروبي وأعلنت "البريكست". وشدد الديبلوماسي السابق أحمد بن مصطفى، في مداخلة بعنوان "السيادة الإقتصادية والتبادل الحر" ، على أن تونس متمسكة بتوجهها الاستراتيجي ضمن إتفاقيات التبادل الحر والعلاقات الوطيدة مع الإتحاد الأوروبي، معتبرا أن هذا التوجه الذي انطلق في منتصف التسعينات لن يتغير، بل سيتعمق بتوقيع إتفاقية "الأليكا" وسيشمل كل المجالات بما فيها المجال التشريعي، بما سيؤدي إلى مزيد المساس بالسيادة الوطنية. وتطرق الخبير الإقتصادي ووزير المالية الأسبق جلول عياد، في مداخلة بعنوان "السيادة الاقتصادية والتكيف الهيكلي"، إلى الدول التي تقدم تنازلات عن سيادتها مقابل كسب القوة الإقتصادية، مثلما فعلت دول الإتحاد الاوروبي عند استبدالها عملاتها الوطنية بالعملة الاوروبية الموحدة "الأورو"، معتبرا أن الازمة الاقتصادية التي تمر بها تونس اليوم تضر بالسيادة وتحد منها، بالاضافة إلى التنازلات التي تقدمها بتوقيع اتفاقيات التبادل الحر وفتح المجال الوطني إلى السلع والأموال والخدمات الأوروبية. من ناحيته، تساءل الأديب والمفكر مصطفى عطية، في مداخلة بعنوان "العولمة والهوية الثقافية"، حول كيفية خلق هوية تتأقلم مع المد العولمي وتندمج في الحضارة الإنسانية، مبرزا أهمية العناية بالمناهج التربوية المهملة حاليا، وفق تقديره. وأكد وزير الثقافة الأسبق عبد الرؤوف الباسطي، في مداخلته "الثقافة الوطنية بين الهوية والثورة الرقمية"، أن التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية في زمن العولمة تتطلب سعيا جادا إلى تحقيق التنمية الثقافة الوطنية، وإعادة استقراء الموروث بعين الحاضر، والبحث عن التميز وتأكيد الذات، وتطوير صناعة المضامين الثقافية عبر إعتماد التقنيات الرقمية. أما الباحث والمفكر الإسلامي الشيخ محمد بن حمودة، فقد أبرز في مداخلته بعنوان "الإسلام المالكي الأشعري الصوفي رمز الإستثناء التونسي"، ضرورة تجديد الخطاب الديني وإعادة هيكلة الحقل الديني كاملا، عبر ترسيخ قيم الإعتدال والانفتاح الذي تميزت بها تونس منذ القديم، ورفض منطق التكفير. وصرح الخبير في الشؤون السياسية رافع الطبيب، خلال ترؤسه الجلسة الختامية للندوة، بأن القدرة على إدماج الثقافات وتحويلها إلى جزء من الثقافة الوطنية كان دائما خاصية تونسية عبر التاريخ، وهو ما يمثل ضمانة للثقافة التونسية في زمن العولمة وتدفق التيارات الثقافية والفكرية الدخيلة، مشددا على ضرورة توعية الشباب بمفهوم السيادة والتحديات التي تواجهها. يذكر أن المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، هو هيكل تابع لرئاسة الجمهورية تأسس سنة 1993 ، ويهدف إلى النهوض بالتفكير والدراسات ذات البعد الإستراتيجي، ويتولى جلول عياد رئاسته منذ سبتمبر 2017. ناصر