- انتظمت يوم أمس الجمعة بمدينة الثقافة، على هامش الدورة الأولى للمعرض الوطني للكتاب التونسي، ندوة تحت عنوان "ثقافة القراءة"، استمرّت لما يقارب الأربع ساعات، أكد المشاركون خلالها من كتّاب وباحثين ومحاضرين، على ضرورة ترسيخ ثقافة المطالعة والرجوع إلى الكتاب كمعلومة من أجل بناء شخصية المجتمع. وفي مداخلة له تتعلق ب"الموقف القرائي" أبرز المختص في علم النفس، العربي الشرعبي، أنّ علاقة الطفل بالكتاب و المطالعة كانت ولا تزال مشغلا من مشاغل البحث، معتبرا أنّ غياب الكتاب و الفضاءات الحاضنة له مثّلت سببا في انعدام التوازن عند الفرد وشعوره بالقلق. وبيّن أنّ الواقع اليوم يدعو إلى المضي نحو خلق وعي متزايد لدى الوسط العائلي والمدرسي والمكتبي لبناء موقف قرائي ايجابي للطفل، والقناعة بأنّ القراءة حاجة مدرسية وحاجة ثقافية تساهم في تعميق التكوين، لافتا إلى أنّ بناء الموقف القرائي ونمائه رهين ما أسماها "درجة مرونة التكيّف". ومن جانبه، أكد الباحث أحمد خواجة على أهمية دور "الأمن الثقافي" في النهوض بالمجتمعات، وسط عالم الحرب والسلم، مما يدفع لطرح مفارقة الترغيب والترهيب في المطالعة، موضحا أنّ أكبر نكبة قد تعترض المجتمعات هي فقدانها للنخب. وأشار إلى أنّ نسبة 33 بالمائة من الشباب التونسي اللذين تتراوح أعمارهم بين 15 سنة و 29 سنة، هم خارج التكوين المهني، يعيشون في حالة انغلاق، لا يهتمون لا بالقراءة ولا بالكتابة، وأنّ مفهوم الترفيه لديهم مقتصر على المقاهي بالنسبة للذكور ومشاهدة التلفزيون بالنسبة للإناث، وفق تقديره. ومن جهته، تطرّق الكاتب سالم بن حسين إلى دور المكتبات العمومية، وأشاد بانخراطها في خطة وطنية هادفة الى الترغيب في المطالعة عبر تنظيم عدة برامج وتظاهرات على غرار تظاهرة "مسافر زاده الكتاب"، مشيرا إلى أنّ المكتبات العمومية اتجهت إلى تركيز عامل التحفيز وترسيخ عادة المطالعة لدى التونسيين لتكريس مجتمع قارئ. وأكد الإعلامي محمد الميّ، في مداخلته، أنّه لا وجود لإرادة سياسية للنهوض بوضع الكتاب، داعيا في ذلك إلى ضرورة التركيز على دور الإعلام في نشر ثقافة المطالعة باعتباره الأقدر على الدفع بثقافة الكتاب، حسب قوله. وقال انّ انعدام ثقافة القراءة مرده غياب "الجمع" وعدم توفر المكتبات لدى الأسر، فضلا عن غياب الإصدارات الجديدة في المكتبات العمومية، وهي عناصر تدفع بالضرورة إلى البحث عن خطة للنهوض بالكتاب التونسي والعمل على دعم المكتبات، داعيا البلديات إلى نشر المكتبات واعتبارها رافدا من روافد التنمية، على حدّ قوله. ومن ناحيته، ركّز الدكتور في الأدب ماهر بوصبّاط على واقع القراءة في العصر الرقمي، وثقافة المعنى، مشيرا في هذا الصدد إلى أنّ الفرد يقرأ ما يعنيه ولا يقرأ ما لا يعنيه. ونوّه إلى أنّ السباق الرقمي مسّ من الفعل القرائي المستند للكتاب الورقي، كما أثّر على تغيير طبيعة المرجع وتغير نسق البحث، وهو ما يحيل إلى أنّ فعل القراءة قد تغيّر وأصبح تفاعليا، الأمر الذي يفسّر رغبة الطفل في قراءة انتقائية تشاركية. وفي تصريح ل"وات"، أكد مدير إدارة المطالعة العمومية بوزارة الشؤون الثقافية، ومنشط الندوة، الياس الرابحي، أنّ المداخلات تصب في وعي وزارة الثقافة بمسألة الكتاب وتفعيلها في المجتمع التونسي، وترسيخ عادة المطالعة كممارسة ثقافية ثابتة، خصوصا وأنّ المؤشرات الوطنية المتعلقة بمطالعة الكتاب بقيت دون المأمول. وكشف أنّ المواطن التونسي يطالع سنويا 0,58 كتاب، لافتا إلى أنّ هذا الرقم يعتبر مؤشرا خطيرا يتحرّك عكسيا مع مؤشرات أخرى كمعدل الجريمة والانحراف ومعدل الانتحار. واعتبر أنّه كلما ارتفع معدل المطالعة كلما انحدرت المؤشرات الأخرى المرتبطة بالآفات السلبية، مشدّدا على أنّ مؤشر المطالعة يعد مؤشرا اقتصاديا بامتياز. وأضاف أنه من خلال هذه الندوة سيتمّ رفع جملة من التوصيات المتعلقة بالنهوض بقطاع المطالعة واعتباره شأنا وطنيا، يستوجب من الإعلام ومن مكونات المجتمع المدني الاصطفاف حولها من أجل بناء شخصية التونسي والدفاع على الذكاء، خصوصا وأنّ الوضعية المجتمعية الراهنة في حاجة إلى مراجعة أكيدة وعاجلة، حسب تعبيره.