الطاهر العبيدي أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ، فما ذنبي إن كنت أشْقىَ وَأَتْعَبْ ولكن في عشق وطني أَسْقُطْ..ما ذنبي إن كنت أراجع كل الدروس ولكني في مواد التاريخ أَرْسُبْ.. أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ.. فأنا ككلّ طفل يحب أن يَمُرَّ وَيَصْعَدْ، ولكني في مَوْجِ بَلَدِي أَتَعَثًرْ..ككل رضيع بين أحضان الدفء ينام ولا يُحِبُّ أَنْ يَسْتَيْقِظْ..ككل غريب يجلده الحنين والذكرى وَالوَجْدْ، فلا الجرح يضمّده الحَرْفْ، ولا الشوق يجففه الصَّمْتْ... أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ.. لا تحرميني من نكهة الصَّفْ..لا تلفظيني من ساحة الحُلْم، فأنا أُحِبُّ رَسْمَ الشَّجَرِ الأخضرْ ، أحبّ رائحة الورود وعبيرَ الأَرْضْ، أحبّ رَسْمَ الطيورِ وهي تْرَفْرِفْ حول السنابل وفوق العشبْ، وتحلّق في سماءْ وطني الأَخْضَرْ، أحبّ غَضَبَكِ وأكره الرحيل بعيدا عن حدود المَهْدْ.. أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ.. فمهما قَسَوْتِ فلا أستطيعُ أنْ أَحْقِدْ، لأن فيك نَسَائِمَ العشيرةْ ورائحةَ القبيلةْ، ومعَكِ آثارَ الأجدادِ في الكتُبِ... أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ.. فَسَأَتَعَلَّمُ كَيْفَ يَحْبُلُ القَلَمْ فَيُولَدُ الخِنْجَرْ، سأتَعَلّمُ زِرَاعَةَ الحُرُوفِ فِي الحِبْرِ المُزَمْجِرْ.. أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ.. فنتائجي رديئة ولكني بقلم الرصاص أَتَشَبَّثْ.. أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ.. فَأَنَا كلّما حاولتُ التحرّكَ مِنْ قِسْمٍ إلَى قِسْمٍ أَفْشَلْ، كلما أرَدْتُ الانتقالَ مِنْ سَنَةٍ لِسَنَةٍ أَرْسُبْ، لِأَنِّي يَتِيمٌ وَبَيْتِي خَاوٍ وَمُعْدَمْ، لِأَنِّي بِلاَ لُعْبَةٍ وَلاَ خُبْزٍ، لِأَنِّي صَامِتُ لاَ أَتَكَلَّمْ ، لِأَنَّ صدري يَكَادُ يَتفَجَّرْ، لأني وُلِدْتً في زَمَنِ الأوْحَالِ وعهودَ الحَيْفِ والظلمِ.. أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ.. فقد رَاجَعْتُ كلَّ التّمَارِينْ وُحَفِظْتُ كُلَّ الدروسْ، ولكني في مواد بلدي أتلعثمْ.. أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ.. فكم أودّ أن أبوح لك بحزني، بوجعي، بعشقي..كم أرغب أن أحدثك عن أرضي، عن ظروفي، عن بيئتي، عن غربتي، عن رحيلي، عن أسباب ضعفي، عن خوفي، عن ألمي، عن واقعي، عن عمري، عن منفاي وصبري، عن أحلامَ شعبي التي ضاعت في قصور الطربِ، ولكن سنّي لا يَسْمَحْ.. أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ.. فأنا أكره شيئا اسمه التَمَزَّقْ، فيكفي أنني أنتمي إلى صفّ عربي يخرّبه التَمَزَّقْ. ويكفي أن خريطةَ جراحي كل يوم تَتَمَطَطْ.. أرجوك معلمتي لا تمزّقي الدَّفْتَرْ. وعفوا فلست بالتلميذِ المتمرِّدْ، لستُ مُشَاغِبًا، فَأَنَا أَحْتَرِمُكِ وَلاَ أتكلمُ قَبْلَ رفعِ الإصبِعْ..