في عصور الجدب الفكري والقحط الثقافي والتصحر المعرفي، يزدهر الدجل ويكثر الجدل ويقل العمل، وتصاب العقول بالخلل، وهكذا كان بديهيا أن يرتفع سعر تيس في دولة الإمارات إلى عشرات الآلاف من الدولارات،.. وحدث أمر مشابه من قبل في الأردن وفلسطين عندما بدأت التيوس تدر الحليب، فقرر تيوس البشر أن ذلك دليل على أن تلك التيوس مباركة، وأذكر أنني كتبت قبل نحو أربع أو خمس سنوات في مجلة المجلة عن التيس الفلسطيني الذي صار صاحبه من الأثرياء لأنه كان يبيع "الشفطة" الواحدة من حليبه بنحو ثلاثة دولارات، واصطف الخلق أمام الزريبة التي ربض فيها التيس في انتظار رشفة مباركة تزيل عنهم العقم والأورام، ومنهم من استخدمه قطرة للعين لاسترداد البصر.. واتضح لاحقا أن التيس مصاب بورم سرطاني تدلى بين ساقيه الخلفيتين ونزف صديدا فشربه تيوس البشر الذين يعتقدون أن كل ما هو خارج عن المألوف فيه "بركة".. التيس الإماراتي يملكه طالب في الجامعة الأمريكية في الشارقة اسمه خالد سهيل الكتبي وقرر طرحه في مزاد على أن يكون سعر البداية نحو 30 ألف دولار، وما حمله على ذلك هو أنه قال للناس إن البهيمة التي يملكها تيس فقالوا له "احلبوه".. فحلبه وحصل على بعض الحليب فقرر الناس أن رشفة من حليب التيس تزيل العقم وترد خصوبة الرجل،... وطالما أن الناس تعتقد أن التيس مميز وذو قدرات خاصة فلماذا لا يعرضه خالد الكتبي لمن يدفع السعر الأعلى؟ .. لا يخطر ببال أحد من المتهافتين على شراء حليب هذا التيس واسمه "رام"، أو شراء التيس نفسه أن سبب إدراره للحليب، أنه قد يكون مصابا بسرطان، أو أنه خنثى مشكل أو منحرف أخلاقيا، وكان يتنكر في إهاب "ذكر"، .. يعني هو أصلا أنثى "عنزة" قليلة حياء، قامت بتمثيل دور التيس، ولكنها حملت سفاحا وأسقطت الجنين أو وضعته في مكان سري، وتخلصت منه، وعقب الولادة تدفق الحليب من ضرعيها، وتفاديا للتعرض للفضيحة واصلت تمثيل دور التيس، وكانت النتيجة عجيبة، فصارت محط اهتمام وسائل الإعلام، وقريبا سيشتريه (التيس المزعوم) مستثمر "مفتح"، يقوم بتفنيش خادمته لتخصيص غرفتها له، بعد فرشها بالسجاد العجمي، ويعين له سكرتيرا يلبي رغباته، ويعزز فرضية أن التيس المزعوم أصلا معزة أنه صار يتحاشى الناس بعد ذيوع أمر إدراره للحليب، واستوجب القبض عليه تحريك جيش جرار من العمال وتم ربطه ليتسنى بيع حليبه.. يعني لو لم يكن هناك ما يود أن يخفيه من الناس، ولو كان فعلا تيسا "فلتة" لما تهرَّب من الناس والكاميرات، بل لاقترب منهم في خيلاء وهو يبرم شواربه! هشام أحمد فهمي وهو طبيب بيطري في دبي قال كلاما مشابها لما قلته أعلاه ولكن بطريقة علمية: هذه الحالة ناتجة عن خلل وراثي أدى إلى خلل هرموني، وربما كان منشؤه عيباً خلقياً حدث أثناء الحمل فولد رام بجرعة هرمونات أنثوية زائدة وكان ثنائي الجنس .. يعني خنثى مشكل.. ويضيف البيطري أن شرب حليب رام هذا قد يسبب السرطان والعقم على المدى البعيد.. سامعين ؟ جعفر عباس